يبدو أن الأحداث بدأت تتسارع بصورة مخيفة لتنبئ عن احتمالات حرب موسعة بين إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة، وبين إيران. دوافع التفكير الإسرائيلي بشن هذه الحرب كثيرة، وربما تكون القيادة العسكرية الإسرائيلية بدأت تميل إلى القبول بضغوط بنيامين نيتانياهو وحكومته التي يقودها اليمين المتطرف الداعية إلى ضرورة القضاء على الخطر الإيراني الذي يعتبرونه «تهديداً وجودياً» لكيان دولة الاحتلال.
ففي السنوات الماضية كانت الفجوة واسعة بين موقف القيادة السياسية والقيادة العسكرية من التورط في حرب مع إيران، وكانت الولايات المتحدة هي الأخري مترددة، وربما رافضة للضغوط الإسرائيلية للمشاركة في حرب ضد إيران يكون هدفها هو القضاء نهائياً علي حلم إيران في امتلاك سلاح نووي، والآن تغير الموقف كثيراً بعد مجيء إدارة الرئيس دونالد ترامب وخصوصاً مع تفاقم خسائره الانتخابية أمام منافسه الديمقراطي جو بايدن ما جعله أكثر حماساً للقبول بخيار الدخول في حرب ضد إيران شرط أن تكون «حرباً ناجحة» يمكن توظيفها لتعديل كفة التنافس الانتخابي لصالحه.
بنيامين نيتانياهو يدرك هو الآخر أن فرصته باتت سانحة للتخلص من الخطر الإيراني، وأن هذه الفرصة في مقدورها أن تحقق له ثلاثة أهداف بضربة واحدة بعد أن تعيده بطلاً قومياً قادراً علي أن يحافظ علي أمن إسرائيل. أول هذه الأهداف التخلص نهائياً من خطر دخول السجن والمحاكمة القضائية في قضايا فساد وخيانة أمانة، وتأمين فرص حصوله على «عفو عام» مدعوم شعبياً هذه المرة.
ثاني هذه الأهداف أن يقوم بفرض موقفه علي غريمه بيني جانتس شريكه في الحكومة الحالية بالنسبة للضم الفوري والكامل لغور الأردن والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، أما ثالث هذه الأهداف فهو التخلص من الشراكة الحكومية الحالية بين حزب «الليكود» وحزب «أزرق أبيض» الذي يتزعمه جانتس، والمطالبة بإجراء انتخابات عامة مبكرة يأمل أن يوظف فيها «حربه الناجحة» ضد إيران للفوز بأغلبية تمكنه من تشكيل حكومة دون اضطرار للتحالف مع أحزاب أخري. خيار «الحرب الناجحة» هذا هو الذي بات يغري القيادات العسكرية بقدر ما يغري الرئيس الأمريكي وهذا ما يروج له الإسرائيليون بشدة هذه الأيام، اعتقاداً بأن الظروف شديدة الصعوبة التي تواجه إيران وحلفاءها سوف تجعل منها «صيداً سميناً» يمكن النيل منه بسهولة.
من بين هذه الظروف التي أقنعت العسكريين وجعلتهم على استعداد للقبول بالمخاطرة في الحرب مع إيران، ثلاثة عوامل أساسية. أول هذه العوامل أن إيران باتت شديدة الإنهاك داخلياً بسبب ضراوة العقوبات الأمريكية التي قصمت ظهر الاقتصاد الإيراني، وبسبب قسوة تداعيات انتشار فيروس كورونا وهي التداعيات التي أجهزت على ما تبقى من قدرات صمود الاقتصاد الإيراني حسب تقديراتهم، الأمر الذي سيفرض حتماً ضغوطاً هائلة على النظام الإيراني وستحد من قدرته علي الصمود في أي حرب تتعرض لها إيران.
ثاني هذه العوامل، حالة الإنهاك غير المسبوقة للحلفاء الإقليميين لإيران وأولهم «حزب الله» الذي يواجه «أسوأ أيامه» داخلياً في لبنان بسبب الضغوط الاقتصادية الأمريكية والغربية، للدرجة التي حفزت قطاعات شعبية لبنانية للتظاهر محملة «حزب الله» والسيد حسن نصر الله أمينه العام شخصيا مسئولية التردي الراهن في الاقتصاد اللبناني، للدرجة التي شجعت البعض على المطالبة بنزع سلاح «حزب الله» استجابة للمطالب الأمريكية كي يتراجع الأمريكيون عن ضغوطهم.
وما يحدث في لبنان يحدث نظيره في سوريا بسبب تفعيل الولايات المتحدة ما يعرف بـ «قانون قيصر» الذي وضع سوريا تحت مقصلة الضغوط الاقتصادية الأمريكية لإجبارها على القبول بالمطالب الأمريكية والإسرائيلية وفي مقدمتها إنهاء الشراكة مع إيران، وإخراج إيران نهائياً من سوريا . أما العامل الثالث الذي يدعم خيار الحرب الآن علي إيران باعتبارها «حرباً ناجحة» فهو وجود إدراك إسرائيلي بأن إيران التي لم تستطع الدفاع عن نفسها داخل الأراضي السورية أمام وابل من الاعتداءات والضربات الموجعة في مناطق متفرقة من الأراضي السورية لن تكون قادرة على خوض حرب متكافئة مع إسرائيل المدعومة أمريكياً.
الإسرائيليون توصلوا، خلال الشهرين الماضيين، إلي قناعة مفادها أن «الهجمات الإسرائيلية المكثفة والمتكررة ضد المواقع الإيرانية في سوريا قد استنفدت أغراضها» ما يعني أن خيار نقل الحرب إلى الأراضي الإيرانية نفسها أضحي ممكناً ومواتياً. هذا الاستنتاج الأخير ربما يؤكد الاتهامات غير المباشرة، التي توجه لإسرائيل الآن بتحميلها مسئولية الاعتداءات التي تعرضت لها منشآت حيوية إستراتيجية إيرانية منذ ما يقرب من أسبوعين كان أخطرها ما وقع يوم الخميس (2/7/2020) باعتداء تعرضت له «منشأة ناتنز» النووية المخصصة لإنتاج أجهزة الطرد المركزي من الجيل المتطور وأحدث حريقاً كبيراً في أجزاء حيوية منها وأتلف معدات دقيقة تستخدم في صناعة أجهزة الطرد المركزي المتطور المستخدمة في تخصيب اليورانيوم حسب تأكيدات بهروز كمالوندي المتحدث باسم هيئة الطاقة الذرية الإيرانية.
يدعم هذا الاستنتاج تزامن وقوع هذا الحادث، الذي تجاوز «كل الخطوط الحمراء» ووصل إلي «عصب القدرات النووية الإيرانية» مع إعلان بنيامين نيتانياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية في ذات اليوم (الخميس 2/7/2020) أن جيش بلاده على أهبة الاستعداد للتعامل مع جميع السيناريوهات «بقوة هجومية كبيرة جداً» متوعداً من سيحاول مهاجمة إسرائيل بـ «ضربة قاضية»، خشية هذا «الاحتراق الكبير» له دلالات كثيرة أبرزها أن إيران لن تكون وحدها ضحية وقوع مثل هذه الحرب بل إسرائيل أيضا، يؤكد ذلك مضامين الاتفاقية العسكرية الجديدة التي وقعها في دمشق يوم الخميس الفائت (9/7/2020) رئيس الأركان الإيراني محمد باقري مع نظيره السوري، التي من شأنها تمكين كل من إيران وسوريا من فرض «قواعد اشتباك جديدة» مع إسرائيل، يمكنها أن تجعل من خيار «الحرب الناجحة» التي يأملها الإسرائيليون «احتراقاً كبيراً» وفقاً لتحذيرات أو مخاوف كبار القادة العسكريين الإسرائيليين.
* نقلًا عن صحيفة الأهرام