Close ad

نحو حرب باردة جديدة

13-7-2020 | 00:52

بفضل رسالة رقيقة، تلقيتها من السفيرة منحة باخوم، المتحدث الرسمى الأسبق باسم وزارة الخارجية، جاءتني فكرة كتابة هذا المقال لاستشراف ما ألمحت إليه الدبلوماسية القديرة منحة بـما أسمته "الآفاق السياسية والإستراتيجية.. فى ظل نظام عالمى جديد يتشكل .. تلعب فيه الصين دورا محوريا".

سؤال: هل نحن بصدد نظام عالمى جديد يتشكل؟

الإجابة: نعم. وأتفق تماما مع رأى الخبير الاقتصادى المصري المرموق، الدكتور محمود محيي الدين، وهو يقول: "هذا النظام يتجه شرقا، وذلك حتى من قبل تفشى جائحة كوفيد- 19، وازداد هذا الاتجاه بعد الأزمة العالمية الراهنة".

يضيف محيي الدين فى محاضرة – عبر الإنترنت- ألقاها فى أبريل الماضى أمام المركز المصري للدراسات الاقتصادية: "الشرق هنا لا يعنى الصين، فقط، وهو توجه يقلق الغرب، وسيكون هناك اختلاف تام فى شكل العولمة، حيث سيشهد العالم فك الارتباط بشكل أكبر، والبدء فى توطين الصناعات داخل الدول، كما أن الشكل الجديد للعالم سيخلو من المسميات التقليدية لدول العالم: الأول والثانى والثالث".

أكد المحاضر "أننا نمر الآن بمرحلة فراغ عالمى، لا يقاد من أى جهة، ولا يمكن لدولة أو مجموعة دول السيطرة، ويشهد النظام العالمى مجموعة كبيرة من الأزمات والمشكلات: أزمة صحية، أزمة ركود الاقتصاد العالمى، أزمة الديون، أزمة مالية، بالإضافة إلى مشكلات تتعلق بأسواق السلع الغذائية، وأخطر ما يمكن فعله الآن هو قيام دول بإيقاف صادراتها، لأن دولا قليلة هي التي بإمكانها تحقيق الاكتفاء الذاتى".

الأزمة الحالية لم يكن يتخيلها أحد، ولم تشهدها البشرية منذ مائة عام، ويتوقع أن يتراجع- بسببها- حجم التجارة العالمية بنسبة 32% فى عام 2020، وآخر تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي جاء فيه أن الاقتصاد العالمى من المتوقع أن يشهد انكماشا بنسبة 4.9% فى عام 2020، ومع نهاية عام 2021 يتوقع أن يتكبد النشاط الاقتصادى العالمى خسارة بأكثر من 12 تريليون دولار.

فى الوقت نفسه، يتوقع السفير راجى الأتربى المدير التنفيذي المناوب لمصر والدول العربية بالبنك الدولى أن يسود العالم بيئة سياسية واقتصادية متوترة جدا تمتد لفترة، بالإضافة إلى الصدمات التجارية والانغلاقية، وستتعرض الدول النامية لضغوط هائلة تحت وطأة ديون تراكمية ستقيد حركتها المالية والنقدية.

فى ندوة تالية نظمها المركز المصرى للدراسات الاقتصادية فى الشهر الماضى، يقول السفير الأتربى: "الاقتصاد العالمى هش ويعانى أزمة مالية وتغيرات مناخية وأوبئة، وازدياد فى الفجوة التمويلية، وقد كانت تقدر – قبل وباء كورونا – بنحو 20 تريليون دولار، وهناك حاجة لضخ نحو 5.2 تريليون دولار سنويا في عمليات التنمية حتى عام 2030، ولأول مرة من المتوقع زيادة معدلات الفقر، وهبوط نحو 100 مليون شخص تحت خط الفقر المدقع، وزيادة اللامساواة".

وسط كل هذه الأجواء والمؤشرات السياسية والاقتصادية المقبضة، تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توترا متزايدا على خلفية قضايا عدة على رأسها الخلافات التجارية، وقضية هونغ كونغ، والوضع في بحر الصين الجنوبي، وقضية شينجيانغ، وجائحة فيروس كورونا المستجد، فهل يمكن القول بأن العالم على أعتاب حرب باردة جديدة؟

فى مؤتمر صحفى عقد فى بكين، أجاب وزير الخارجية الصيني "وانغ يى" على السؤال بقوله: "إن بعض القوى السياسية الأمريكية تحاول أخذ العلاقات الثنائية كرهينة وتحاول دفع الدولتين إلى "حرب باردة جديدة"، مشيرا إلى أن هذه محاولة خطيرة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، وتفسد نتائج التعاون التي حققها الشعبان على مدار أعوام، وتقوض تطور مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة، وتعرض استقرار وازدهار العالم للخطر، مؤكدا أنه يتعين بذل الجهود لوقف هذه الممارسات الخطيرة".

تحت عنوان "حرب باردة جديدة" تقول الباحثة فى العلاقات الدولية، الدكتورة فايزة سعيد كاب: "الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لا يتوقف عن التهديد بفرض عقوبات على الصين.. ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبحت العقوبات الاقتصادية سلاحًا مشهّرًا للولايات المتحدة تهدد به كل من لا يحقق مصالحها؛ حتى أصبحت أكثر الدول استخدامًا في العالم لسلاح العقوبات الاقتصادية، وأكثرها مبادرةً لفرضه سواء من جانب واحد أو عبر الحشد الدولي لإقراره من خلال المنظمات الدولية لاسيما الأمم المتحدة.

ومع الوقت، أصبحت العقوبات إحدى أدوات السياسات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية تستخدمها هنا وهناك، عوضا عن الانخراط في حملات عسكرية مكلفة وغير مضمونة العواقب.

كما أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على دول أخرى كانت جميعها خارج نطاق القانون الدولي، ومن بينها ما فرضته على إيران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا من عقوبات اقتصادية خانقة.

لم تعد العقوبات، سواء كانت اقتصادية أو عزلاً دبلوماسيا، مقدمات تُمهد لحروب، بقدر ما أصبحت بديلة للحروب، وفلسفة هذا النمط من الحرب الباردة بطبعتها الجديدة، خاصة في ظل حكم ترامب الذي يعتمد على إستراتيجية العقوبات الاقتصادية بدلا من عامل الردع العسكري المكلف".

تضيف الدكتورة فايزة: "هناك علامات متزايدة على أن أكبر اقتصادين في العالم ينفصلان، وأن الولايات المتحدة والصين غير قادرتين على انقاذ هذا الوضع الخطير، حيث إن الحكومة الأمريكية تنظر بشكل متزايد على أن الصين ليست فقط تهديدًا اقتصاديًا لها، ولكن أيضًا الموجه الأقوى إلى تغيير النظام العالمي، وفي المقابل، تشهد الصين سلسلة من التغييرات الرئيسية في سياستها جعلتها أكثر معارضة ومواجهة مباشرة عما قبل، ما قد يُدخل البلدين في مفترق طرق حيث تمزق العلاقات الصينية ـ الأمريكية بشكل مثير للقلق، وينقل المعسكرين المعاديين لحرب باردة جديدة".

روسيا دخلت على خط المواجهة بالحرب الباردة المؤسفة، مؤكدة دعمها للصين، وقال الرئيس فلاديمير بوتين إن روسيا تدعم بقوة جهود الصين في حماية أمنها الوطنى، وتعارض جميع أنواع الأعمال الاستفزازية التي تنتهك سيادة الصين.

[email protected]

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: