في وقت الأزمات من الطبيعي أن تتغير الأنماط السلوكية للبشر، ويكون تغير السلوك في بعض الأحيان في الاتجاه السلبي المرفوض، وكثيرا ما يكون التغيير نحو الجانب الإيجابي المتفاعل والمتفاهم وهو ما يزيد من التلاحم بين البشر فالسلوك البشري متشابه وإن كان هناك تباين واختلاف إلا أننا نجد التلاحم الإنساني في أبهى صوره وقت الشدة، وشعب مصر الواعي بالفطرة جزء لايتجزأ من الحالة الإنسانية التي يعيشها البشر هذه الأيام فوق كوكب الارض.
ولأن الخير أصيل ومتجذر في هذه الأمة على مر العصور فمن الطبيعي أن نرصد بين أطيافه من يجسد السلوك السلبي وهم قلة قليلة، محنة الكورونا هي بلاء وامتحان وجب الصبر عليه والاحتساب والأخذ بالأسباب حتى تعبر البشرية هذا الامتحان بسلام؛ ولأن مصر جزء فاعل ومؤثر من العالم ولذلك فانني أنظر إلى المشهد الكوروني المصري من المنظور المتفائل والإيجابي، بفضل القيادة الواعية التى دأبت على التعامل بسرعة وبلاتردد في مجابهة البلاء، وأؤكد قد نجحنا في تحقيق نجاحات جيدة ومطمئنة بالمقارنة بالعديد من الدول الأكثر تقدما في القطاع الصحي، وقد جاء تعامل مصر من البداية بكل الجدية فالانضباط و الالتزام لا يزال وسيظل على أعلى مستوى.
وعلينا ألا نعود للخلف وأن نتحلى بالصبر وطول النفس ونستمر على نفس الوتيرة من الوعي، وعلينا جميعا أن نتحمل مسؤولياتنا كمسؤولين ومتخصصين وباحثين وعلماء؛ من أجل استشراف المستقبل في مرحلة ما بعد الكورونا وإن طالت، ومن المهم أن نتحسب لكل السيناريوهات بكافة درجاتها السلبية و الإيجابية،وفي هذا الاتجاه فإنني أتفق نسبيا مع طرح مهم لوزير التخطيط الأسبق في فنزيلا السيد ريكاردو هوفمان والذي تناقلته وسائل الإعلام العالمية، والذي يعمل أستاذا للتنمية الاقتصادية في جامعة هارفارد؛ حيث أكد "أن عملية الإغلاق التي أتبعتها معظم الدول كإجراء احترازي فإنه فقط يؤخر ذروة انتشار الفيروس، ومن يعتقد أن الآثار السلبية الاقتصادية ل"كوفيد 19 " ستكون مقتصرة على المدي القصير هي فكرة مضللة؛ لأن إغلاق المجتمعات على المستوى العالمي قد أفاد الدول في كسب الوقت لتعزيز استعدادات المستشفيات والاستثمار بشكل أكبر في القطاعات الصحية".
ولذلك أتوقع بأن نستمر في حالة تعايش مع الوباء الجديد لفترة زمنية أطول، وستبقى البشرية خلف المتاريس في المنازل وفي مناطق الحجر أمام الخطر الذى يحمله، إذا ثبت أن الذروة لم تات بعد، وأن التحلل من الإغلاق والقيود الاحترازية في كافة أنحاء العالم سوف يستغرق وقتًا أطول، ولن يتم السماح به قبل نهاية العالم الحالي 2020، وما دعا بعض الدول إلى إعادة الأنشطة الحياتية بشكل تدريجي، وتطبيق العزل الصارم فقط للمتضررين، والسماح للآخرين بممارسة حياتهم مع الالتزام بالتعليمات الوقائية، بعد أن ثبت فشل نظرية مناعة القطيع، والتي حاولت بعض دول أوروبا الاعتماد عليها قبل أن يتم التراجع عنها.
ولذلك أرى أن الحالة المصرية في التصدي لخطر الكورونا تقدم نموذجًا يحتذى به مع تنامي قدرات الوعي لدى كل فئات المجتمع المصري، مع تباين ثقافاتهم وأنماطهم الحياتية وتقديم التضحيات بالالتزام بتعليمات الحظر الصحي، واتباع أساليب التعقيم داخل البيوت وفي الأماكن العامة، وأتمنى الاستمرار على هذا النهج السلوكي كأسلوب حياة دائم.
ولابد من الاستمرار في مجابهة المخاطر في المستقبل المجهول بدون جزع، وألا يصيبنا اليأس أمام الحرمان من ممارسة حياتنا بالشكل الطبيعي، والتنازل عن عادات اجتماعية أعتدنا عليها؛ لأننا في زمن الكورونا استعدنا قيم وعادات كادت تختفي من حياتنا اليومية وزادت الروابط الاجتماعية في مواجهة الحياة الرقمية التي تسببت في اتساع هوة العزلة الانسانية.
ففي الحياة مع الكورونا لابد أن نرفض كل أشكال التنمر الإنساني السيئة، وأجدد التحية مثل ملايين المصريين إلى طواقم الجيش الأبيض من أطباء وأطقم التمريض الذين يمثلون حائط الصد الأول للوباء، ووجب علينا أن نقف يوميًا إجلالا وتكريمًا، كما أسجل تقديري الخاص إلى رجال الشرطة الأعين الساهرة على حماية المصريين، وهو ما شاهدته وقت الحظرالصحي؛ حيث رصدت كيف يتم التعامل بكل احترام وجدية مع من يضطر للخروج وقت الحظر.
وأسجل تحياتي لكل المصريين الذين يقدمون نموذجًا حضاريًا بالالتزام بالتعليمات والإرشادات الصحية، وأتمنى أن تستمر هذا الحالة من الانضباط السلوكي بعد زوال غمة الكورونا والتمسك بكافة الإجراءات الصحية كأسلوب حياة ..
الخلاصة.. يا شباب ويا كل المصريين إن حياتنا في زمن الكورونا قد تغيرت، ولابد أن تستمر في المستقبل إلى الأفضل، ولابد من العودة المجتمعية التكافلية أقوى مما كانت، وعلينا أن نأخذ بالأسباب ونتوكل ولا نتواكل، وأن نستعد للمستقبل الذى يجب ألا يكون مجهولا.
نقلا عن: مجلة الشباب