Close ad

أيام مع نجيب محفوظ (10)

14-4-2020 | 17:02

في طريق عودتي من ستكهولم بعد أسبوع حافل من حضور وتغطية فعاليات جائزة نوبل في الأدب التي فاز بها الكاتب الكبير نجيب محفوظ لمجلة "المصور"، أيقنت أنني كنت سأخسر كثيرًا أو سيكون قد فاتني الكثير لو لم أسافر..

وكنت قد عقدت العزم على الامتناع عن السفر واعتذرت للأستاذ محمد سلماوي ممثل كاتبنا الكبير في احتفالات الجائزة.. وذهبت إلى الشيخ صلاح الحلاق في دوران روض الفرج وقصصت شعري، وكنا في نهاية نوفمبر من ذلك العام، ولو أني أعرف أنني سأسافر لكنت أجلت الحلاقة لما بعد العودة حتى أتدفأ بالشعر قليلاً في جو البرودة القارص الذي قدر لي أن أذهب إليه..

وقبل السفر بخمسة أيام أتصل بي الأستاذ مكرم محمد أحمد على تليفون المنزل.. كنا في يوم الخميس 1 ديسمبر 1988.. وطلب مني إحضار جواز السفر فورًا أو بعد غد السبت على أقصى تقدير، للحصول على تأشيرة دخول السويد.. قلت له إنني اعتذرت فسألني عن السبب.. قلت لأنني الوحيد الذي كتبت رأي نجيب محفوظ في سفر محمد سلماوي والذي أسكت المعترضين.. لئلا يقال إنني سافرت أو تمت دعوتي بسبب ما كتبته.

فقال لي إننا جميعا نسافر بسبب ما نكتب. هل هناك شيء آخر؟. قلت: نعم.. لقد علمت من الأستاذ سلماوي أن الدعوة تشمل السفر بالطائرة فقط ذهابًا وإيابًا، وكل شيء بعد ذلك مسئولية الضيف من انتقالات داخلية ومعيشة وسكن.. فقال لي: سأعطيك 600 دولار كويس.. صحيح أنها هبطت بعد ذلك إلى 450 دولارًا.. لكن لا بأس..

وعرفت من دار الهلال أن الكاتبة حُسن شاه رئيس تحرير مجلة الكواكب قدمت طلبًا للحصول على بدل سفر إلى ستكهولم لتغطية الجائزة، ووافق رئيس مجلس الإدارة الأستاذ مكرم محمد أحمد. وبعد أن وقعه أتصل بوزير الثقافة فاروق حسني ليلومه على عدم دعوتي، وأنا الذي غطيت الجائزة من ساعة إعلانها، فكيف يتم تجاهلي. رد الوزير بأن الدولة ليست لها علاقة بالمسألة برمتها، وإنها اجتهاد من الأستاذ سلماوي. ولأنه وكيل أول وزارة الثقافة للعلاقات الخارجية فإن كثيرين ظنوا أن المسألة رسمية. لم يسكت الأستاذ مكرم عند هذا الحد.. واتصل بالأستاذ سلماوي وهاجمه بشدة لأنه لم يدعوني، هو الذي رد بأنني كنت في مقدمة المدعوين أو أول اسم، لا أتذكر، وأنني اعتذرت..

كان يوم سبت ولكن الأستاذ سلماوي بعلاقاته القوية رتب مع سفارة السويد في الزمالك لكي يتواجد أحدهم للمساعدة العاجلة أو الحالات المتأخرة مثل حالتي، وذهبت للسفارة يوم السبت وتسلمت التأشيرة ظهر يوم الإثنين 5 ديسمبر، ثم كان السفر في الغد.. الثلاثاء..

الموقف من الأستاذ سلماوي وفهمناه، في إطار صراع شخصي بين من حسده على السفر ممثلا للأستاذ نجيب محفوظ، أو من كان يتمنى اسمًا آخر، أو من رأى أن الأستاذ نجيب تورط، وأراد أن يساعده في الخروج من الورطة، وبين من كان يود لو سافر الأستاذ وتسلم جائزته بنفسه.. ولكن الأستاذ نجيب أصر على اختياره للكاتب والأديب الشاب برغم كل الضغوط..

أما موقف الدولة الرسمي فكان مثيرًا للدهشة.. فلم تهتم الحكومة بإحاطة هذه المناسبة بما يليق بها من حفاوة، لم ترسل وفدا للتغطية على نفقتها، في مناسبة لن تتكرر، أو تساعد في دعم الوفد الذي سافر. لا وزارة الثقافة ولا وزارة الإعلام ولا الخارجية الكل رفع يده، مع عدم إغفالي طبعًا للاحتفال العالمي الذي أقامته رئاسة الجمهورية في 7 نوفمبر 88 ومنح خلاله الرئيس مبارك نجيب محفوظ قلادة النيل.

ولولا الأستاذ سلماوي وجهوده لما سافر وفد إعلامي أصلاً، حتى من قبل التليفزيون المصري الذي وجد تغطيته بالمصادفة، لكنه لم يستثمرها جيدًا.. لأن المخرج يسري غرابة كان معنا في الوفد الإعلامي والصحفي، وهو قال لمجلة "الإذاعة والتليفزيون" في حوار ذكريات قبل عامين تقريبًا إن التليفزيون كان "غير مستعد لتغطية هذا الحفل"، وقد غطته الإذاعة أيضا بسبب دعوات للمذيعات نبيلة مكاوي وأمينة صبري وأخريات، ضمن مجموعة من الإعلاميين والصحفيين وجهت لهم الدعوة لتغطية الحدث.. وما بثه التليفزيون من وقائع تسليم الجائزة كان من الوكالات العالمية، والصوت المصاحب كان من ستديوهات ماسبيرو..

دبر الأستاذ سلماوي بعلاقاته الواسعة طائرة مجانية تابعة لشركة جديدة هي "زاس" (ZAS)، فلم ندفع شيئًا، وقال لي بعد ذلك إن المقادير كانت مواتية، حيث اتصل به أصحاب الشركة شريف الزرقاني وشقيقه، واقترح شريف وضع طائرة خاصة تحت تصرف الوفد الإعلامي.

وكنا في وقت مبكر من نهار الثلاثاء في مطار القاهرة الدولي، نحو ثلاثين صحفيًا وإعلاميًا على الأقل.. أتذكر الكثير من المرافقين الآن، حُسن شاه، عبد الستار الطويلة وابنته جميلة وكانت سكرتيرة الأستاذ سلماوي، محمود المراغي وزوجته نجاح عمر، فتحي العشري وزوجته خديجة خطاب، مفيد فوزي، السيد النجار، آمال عثمان، مصطفي النجار، وحسين الحبروك، ومصور الأهرام محمد لطفي، والنقاد المسرحيون: حسن عبدالرسول، وأحمد عبدالحميد وعبدالرازق حسين.

كانت رحلة رائعة وتلقينا خدمة ممتازة، وأخبرونا أننا سنهبط في مطار تولوز في غرب فرنسا؛ لأن الشركة يبدو أنها تدرس إمكانية خط جديد من القاهرة إلى تولوز.. وهناك استقبلنا مدير المطار ودعانا إلى وجبة غذاء حافلة.. ورحب بنا وأبلغنا عن سعادته بفوز أديب مصري بهذه الجائزة الرفيعة في عالم الثقافة.

ثم عدنا إلى الطائرة وعرفنا أننا متجهون إلى مطار أمستردام، حيث المقر الرئيسي لشركة زاس. هناك رحب بنا مدير الشركة وأعطانا حقائب سوداء عليها اسم الشركة كهدية تذكارية.. ثم جاء موعد السفر إلى السويد وبدلنا الطائرة إلى KLM وهبطنا في المساء إلى مطار ستكهولم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة