تشهد العاصمة الإدارية الجديدة اليوم (الجمعة) والسبت انعقاد منتدي إفريقيا الرابع للاستثمار تحت رعاية الرئيس السيسي في إطار جهود مصر المتوالية لتوفير المزيد من الاستثمارات والدعم للبنية التحتية وتكنولوجيا المعاملات المالية وتعزيز آليات دعم التجارة بين الدول الإفريقية،وذلك بعد ثلاثة أيام فقط من مشاركة الرئيس في قمة مجموعة العشرين في العاصمة الألمانية برلين بهدف دعم التنمية في إفريقيا وجذب الاستثمارات إليها ودعم التعاون الاقتصادي بين دولها ودول المجموعة بمشروعات مشتركة تسهم في الإسراع بوتيرة النمو في القارة السمراء.
وأيًا كان حجم نتائج المنتدي والقمة فسوف تشكل دفعة كبيرة للاستثمار المطلوب بشدة لتنمية الدول الإفريقية، فنصيب إفريقيا من الاستثمارات العالمية البالغة 650 مليار دولار لا يتعدي 1,2%.
انعقاد المنتدي في العاصمة الإدارية الجديدة يؤكد مرة أخري حرص القيادة المصرية علي مواصلة الجهود إقليميًا ودوليًا لجذب الاستثمارات الأجنبية لمشروعات التنمية الإفريقية، ويقدم العاصمة الإدارية كنموذج يُحتذي للحكومات الإفريقية في كيفية جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتنفيذ مشروعات ضخمة يصعب تنفيذها إلَّا بتخطيط جيد وإرادة قوية لتحقيق الهدف وتذليل العقبات في وقت تتلهف فيه الدول الإفريقية لجذب الاستثمارات الضرورية لمشروعات التنمية..
فخطط التنمية المستدامة في إفريقيا تحتاج إلي 2,5 تريليون دولار منها 150 مليارًا سنويًا لتجهيز البنية الأساسية، لا تَقدر حكوماتها علي توفيرها دون مشاركة من القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الدولية لمواجهة الزيادة المتوقعة في عدد السكان إلي 2,5 مليار نسمة بحلول عام 2050.
واستعدادًا للمؤتمر وتحت عنوان"صنع في إفريقيا"شهدت العاصمة الإدارية ورشة عمل بمشاركة 25 دولة إفريقية وثماني دول أوروبية والصين وعدد كبير من رجال الأعمال وممثلي المجالس التصديرية والجهاز المصرفي لمناقشة آليات التكامل الصناعي الإفريقي وفرص التعاون في المجالات اللوجيستية والبنية التحتية وتسهيل التجارة ورؤية مصر لذلك التكامل والاتفاق على إستراتيجيته باعتباره أحد أولويات التنمية وإيجاد منصة مصرية لتبادل الأفكار الفنية الهادفة لتعميق التعاون الصناعي والتجاري بين دول القارة ومناقشة الآليات التي تمكن القادة الأفارقة ومتخذي القرار من توحيد الأولويات وأجندات الأعمال.
أما فيما يتعلق بمبادرة"قمة مجموعة العشرين وإفريقيا"فقد استهدفت دعم التعاون الاقتصادي بين إفريقيا ودول المجموعة عبر مشروعات مشتركة تسهم في الإسراع بوتيرة النمو في القارة السمراء ودعم التنمية في بلدانها وجذب الاستثمارات إليها.
وفي كلمته أمام القمة دعا الرئيس السيسي المجتمع الدولي لمساعدة القارة الإفريقية في محاربة الفقر.
وأشار إلي أن إفريقيا أصبحت واحدة من أسرع المناطق نموًا وأكثرها جذبًا للاستثمار الأجنبي ومؤكدًا أنها تملك من المقومات والموارد المتنوعة والموقع الجغرافي المتميز ومن إرادة سياسية لتنفيذ الإصلاحات وإقامة مشروعات الربط والاندماج الإقليمي وتفعيل اتفاقية التجارة الحرة القارية بما يؤهلها لأن تصبح أحد محركي النمو الاقتصادي العالمي ومن أبرز وجهات الاستثمار.
ووصف قضية جذب الاستثمارات بأنها قاطرة لا غني عنها لتحقيق التنمية الشاملة المنشودة في إفريقيا حيث تشكل جزءاً من مكونات الاستقرار لما يصاحبها من زيادة في فرص التشغيل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات ومحاربة الفقر والأمراض المتوطنة والتصدي لظاهرة تغير المناخ وأعباء الديون والهجرة، الأمر الذي يستلزم توفير المجتمع الدولي كل صور الدعم الممكن لدول القارة.
كما وصف الرئيس العلاقات المصرية الألمانية بمثال يحتذى به للتنسيق والتشاور السياسي وبناء الشراكات الاقتصادية والتجارية القائمة علي المصالح والمنفعة المتبادلة واعتبر الجانب الألماني بما لديه من خبرات وقدرات مالية وتكنولوجية متميزة شريكاً إستراتيجيا موثوقاُ في مجالات متعددة، معربًا عن أمله أن تُفضي مخرجات اجتماع برلين إلي تطوير التعاون والارتقاء به عبر إجراءات عملية توفر التمويل وتعرض فرص الاستثمار وتحفز الشركات بشكل عملي..
ووصف المبادرة الألمانية بإنشاء صندوق لتشجيع الاستثمار في إفريقيا بمثابة تطور هام نحو تحقيق هذه الغايات المشتركة.
وفي كلمة افتتاح المؤتمر حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الدول الإفريقية على مكافحة الفساد والترويج للديمقراطية لتشجيع الاستثمار وحثت المستثمرين الألمان على العمل في القارة السمراء.
وقالت إن إفريقيا وأوروبا تواجهان تحديات متشابهة تتعلق بالتغير المناخي والهجرة وطالبت دول أفريقيا بمزيد من سيادة القانون وبنظام مالي وضريبي أكثر شفافية مؤكدةً أن المزيد من الشفافية سيجلب المزيد من الاستثمارات الألمانية.
وذكرت أن الدول الأفريقية التي انضمت للمبادرة وضعت أجندة طموحة جداً تتمثل في الوصول لاتفاقية تجارية حرة مع أوروبا ولكن لا يزال هناك كثير من المشكلات التي تحتاج إلي حلول مثل القضايا الأمنية التي تشكلها التحديات الإرهابية في منطقة الساحل علي سبيل المثال والنمو السريع في عدد السكان.
وسبق أن أعلنت ميركل عن حزمة من التدابير لتكملة المبادرة تتضمن إنشاء صندوق استثماري تنموي للشركات الصغيرة والمتوسطة من أوروبا وأفريقيا لتمويل العروض والمشاركة بهدف إتاحة الفرصة أمام دخول مشاركات جديدة إلى الأسواق مع تأمين صادرات واستثمارات الشركات الألمانية في بلدان الشراكة مع إفريقيا ضد المخاطر السياسية ومخاطر التعثر في السداد إلي جانب التفاوض بشأن اتفاقية الازدواج الضريبي مع بلدان إفريقية أخري و إبرام شراكات جديدة في مجال التوظيف والتدريب مع شركات ومؤسسات إفريقية ودعم المجمعات الحرفية والتجارية والصناعية.
تمتلك إفريقيا 40% من موارد العالم الطبيعية منها 124 مليار برميل بترول تمثل 12% من الإحتياطي العالمي و 500 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي تشكل 10% منه وتنتج 90% من البلاتين و50% من الذهب و40% من الماس و25% من اليورانيوم و65% من الكاكاو و51% من الفوسفات و33% من الكروم والكوبالت،إلاَّ أن ضَعف الإستثمارات المحلية التي لا تتجاوز 15% من إجمالي الناتج القومي للدول الإفريقية لا يمكِّنها من استغلال تلك الموارد بالقدر الكافي لتحقيق التنمية المطلوبة.
ولقلة الإمكانات لم تستطع دول إفريقيا استغلال سوي 1,6% من مواردها المائية المتاحة رغم عجز إنتاجها الزراعي واحتياجها لاستيراد 83% من غذائها بينما تفقد من محاصيلها ما يُقدَّر بنحو 48 مليار دولار سنويًا بسبب سوء حالة الطرق والتخزين وضعف القدرة علي الوصول إلى الأسواق.ويموت آلاف الأفارقة جوعاً بينما تملك قارتهم 60% من مساحة أراضي العالم القابلة للزراعة لكنها غير مستغلة، وتضم إفريقيا 98% من البشر الذين يعانون نقص الغذاء في العالم وواجه 250 مليونا منهم الموت جوعاً خلال 2018.
فاستغلال تلك الإمكانات الهائلة للقارة يحتاج إلي استثمارات أجنبية كبيرة،ومن هنا جاءت أهمية الجهود التي بذلتها مصر في السنوات الأخيرة لإعطاء دفعة للتنمية وإنشاء سوق تجارة حرة بإفريقيا حيث استضافت مؤتمري الاستثمار والتجارة البينية والمعرض التجاري الإفريقي في شرم الشيخ والقاهرة ومن قبل ذلك مؤتمراً في يونيو 2015 تم خلاله تدشين أول منطقة تجارة حرة بين ثلاثة تجمعات اقتصادية تضم 26 دولة إفريقية يسكنها 625 مليون نسمة في الشرق والجنوب الإفريقيين كخطوة على طريق السوق الإفريقية المشتركة.
لكن النجاح في جذب الاستثمارات،الأجنبية منها والمحلية،يحتاج بدوره إلى جهود جبارة من الحكومات الإفريقية للقضاء على معوِّقات.