ساعات قليلة، ويبدأ بمشيئة الله عام دراسي جديد، نستهل فيه جميعًا التضرع إلى الله، بأن يجعله عامًا موفقًا، مسددًا، مكللًا بالنجاح والفلاح لجميع أبنائنا الطلاب، وبالهداية لهم، وبتوفيق جميع أعضاء هيئات التدريس في مدارسهم وجامعاتهم، بأداء رسالتهم التعليمية، والنهضوية، والتربوية، على الوجه الأكمل، بناء لدولتنا الحديثة التي نرجوها ونبغيها، فعلا وعملا، أخذًا بالأسباب، لا قولًا وهرتلة فارغة لا طائل منها.
للأسف الشديد، ثمة حالة مجسدة من السقوط والتهاوي العلمي لمجتمعاتنا العربية والإسلامية أمام الحضارة الغربية، إذ ليس لنا نحن المسلمين والعرب إسهام في صنع الحضارة الآن، ولا حضور على الخريطة العلمية العالمية، ومن ثمة روَج أعداؤنا فرية وأكذوبة "الإسلام ضد العلم" و"أن الإسلام سبب التأخر"، وغيرها من الشبهات.
حينما تريد الدول بناء متكاملا لها، إنما توحد وتعاضد الأسباب الرامية لهذا، بحزمة واحدة، لا انفصام لها، فتتعاضد أسباب المنعة الاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية، والتربوية، والأخلاقية، والحضارية، يسبقها في هذا كله البناء العلمي، ولما لا، وهو أساس رئيسي في تقدم ورفعة المجتمعات المختلفة، وبه تتفاضل، وتتميز، حث عليه ديننا الحنيف منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، مميزًا الله تعالى بين أولى العلم وغيرهم، قائلا سبحانه: "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ"، بل أمرنا الله بالاستزادة من العلم عبر أمره لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً"، وأحاديث نبينا الحبيب لأمته، وحثه الحثيث لهم في طلب العلم والأخذ بزمامه ولجامه كثيرة، ويكفينا استشهادًا هنا ما قاله نبينا القدوة المعلم لأبي ذرفى حديث ابن ماجة: "يا أبا ذر لأن تغدو فتتعلم بابا من العلم خير لك من أن تصلي ألف ركعة" أي من النوافل، وصدق القائل: العلم يرفع بيوتًا لا عماد لها.. والجهل يهدم بيوت العز والكرم.
الناظر المدقق بعين الإنصاف يبصر مآس وكوارث وعثرات كثيرة ومعضلات عظيمة تتدثر لحال العملية التعليمية في بلادنا، أولها وأهمها، فقد قيم الأخلاق والتربية وقيمة العلم عند كثير من طلابنا، وانعدام الضمير المهني عند بعض المعلمين، وترك الحبل على الغارب للأبناء عند الكثير من أولياء الأمور، دون رقابة ربانية وذاتية وضميرية من الجميع، من ثمة كان توصيفا موفقا دقيقا لمنظومة العملية التعليمية مقترنا بالعلاج البارئ أتى به المفكر الدكتور محمد رجب البيومي رئيس تحرير مجلة الأزهر السابق، عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة سابقا، رحمه الله حين قال: "أما المدارس ودور العلم فلدينا آلاف تغدو وتروح إليها وهمها الظفر بالشهادة ثم المطالبة بالوظيفة، ولكن الشعور برابطة الود بين الأستاذ والتلميذ منقطعة أو كالمنقطعة، فالتلميذ يتلقى الدروس بفتور لينجو من نقاش أهله، والمدرس يعطى المعلومات ليخرج من تبعة الحساب، ويرتاح من تهجم الناظر أو المفتش أو العميد، ونحن نريد ضميرًا يرتاح لما يؤديه، نريد أن تكون المعاهد كلها أسرًا كبيرة قائمة على التراحم والتعاضد، تخرج للأمة كل حين من يتولى إصلاحها ويكفل هدايتها، نريد أرواحًا لا أجسادًا، وأشخاصًا لا أعدادًا، ومعانى لا ألفاظًا وحقائق لا صورًا".
لهذا، ولكى يكون عامًا دراسيًا جديدًا وسعيدًا بمنظومة تعليمية موفقة علينا جميعًا، أحببت إرسال رسالة تربوية لأبنائنا الطلاب في كل بقعة من بقاع مصرنا المباركة الطيبة، أهديها لكم من أقوال وحكم وعبر الإمام الحسن البصري القائل، ولله دره: "العامل على غير علم كالسّالك على غير طريق، والعامل على غير علم يفسد أكثر ممّا يصلح، فاطلبوا العلم طلبا لا تضرّوا بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا تضرّوا بالعلم، فإنّ قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم حتّى خرجوا بأسيافهم على أمّة محمّد، ولو طلبوا العلم لم يدلّهم على ما فعلوا".
ورسالتي لساداتنا المعلمين: اتقوا الله في أبنائكم الطلاب، فأنتم أصحاب رسالة بناءة، سامية، ومهنتكم من أعظم المهام خطورة وأثرًا على مجتمعنا؛ فاعملوا على إعداد أبنائكم الطلاب إعدادًا سلوكيًا أخلاقيًا، حميدًا، وعلميًا، ووطنيًا، اغرسوا فيهم فضيلة حب الوطن والانتماء إليه، أكدوا لهم أن استقرار المجتمع وتقدمه ورقيه بهم هو تمسكهم بالعلم والنبوغ فيه، أحيوا في نفوسهم التنافس الحميد في النبوغ والتفوق، وليروا فيكم القدوة الحسنة، للمعلم والمربى الفاضل، وأدوا رسالتكم على أكمل وجه، كما يريد الله سبحانه.
ورسالتي لأولياء الأمور، وكل رب أسرة: ابذروا بذور أخلاق ديننا الحميدة في نفوس أبنائنا، واغرسوا في قلوبهم القيم التربوية والسلوكية الراقية منذ مهدهم ونشأتهم،واعلموا متيقنين أن بهذا تسلكون مسلك الأخيار، وطريق الأبرار، ولن تفسد الأمة وتهلك إلا حين تفسد نشأها وشبابها، ولن ينال أعداؤنا من أمتنا إلا بنوالهم من شبابها وصغارها، وعلموهم احترام معلميهم، كما كنا نحترم ونجل ونبجل معلمينا وأساتذتنا -غفر الله لهم جميع وجزاهم عنا خير الجزاء- وأن بالعلم نرفع شأن بلادنا، ونتبع ديننا وتعاليم نبينا، وعلموا أبناءكم أيضًا أن الله معهم، وناظرهم، وشاهدهم.
جعله الله عامًا دراسيًا، مباركًا علينا جميعًا، مكللًا بالنجاح والفلاح والتوفيق والسداد لأبنائنا الطلاب، وأعان الله معلمينا وأولياء الأمور على أداء رسالتهم السامية، العظيمة، وحفظ الله مصرنا وشعبها من كل مكروه وسوء.
[email protected]