أعلنت وزارة التعليم العالي أن المرحلة الأولى لتنسيق الجامعات بحد أدنى97.7% لعلمي علوم و95% لعلمي رياضة، ومعنى ذلك أن كل من حصل على أقل من هذه الدرجات، وسيلتحق بالمرحلة الثانية من التنسيق، ولن يستطيع أن يلتحق بما نسميه كليات القمة، وأن المرحلة الثانية لن تتضمن إلا كليات الوسط، إذا صح التعبير.
تشير توقعات المؤشرات الأولية لتنسيق الجامعات 2019 المصرية، بأن يكون هناك زيادة كبيرة في الحدود الدنيا من الكليات العلمية؛ مثل كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة، وترجع تلك الزيادة بسبب حصول عدد كبير من الطلاب على نسبة عالية؛ تتراوح ما بين 90 و100% على العام الماضي، ونسب النجاح مرتفعة هذا العام مقارنة بالعامين الماضيين، سيعود بالضرر والزيادة غير المتوقعة لتنسيق الكليات.
فإذا كان الطالب الذي حصل على 97% علمي علوم لا يستطيع أن يلتحق بالكلية التي يريدها، فهل هذا يعني أنه طالب فاشل؟ أم يعني أن النظام التعليمي هو نظام فاشل؟!
إن ما يحدث في مصر، ظاهرة لا تحدث في أي من بلدان العالم، ويجب على وزارة التربية والتعليم من الآن إذا كانت تريد أن تحدث التعليم حقًا، وإذا كانت تريد أن تنهض به، أن يكون هناك تدرج في مستوى الامتحانات بين السهل والصعب وأسئلة الذكاء، حتى تستطيع أن تميز الطالب المتوسط من المجتهد من الذكي؛ لأن كون أسئلة الامتحانات في متناول الجميع، فهذا ضياع للطالب الذكي، ومساواته بمتوسط الذكاء.
ولاحظنا عبر السنوات الماضية، أن الامتحانات إذا تضمنت سؤالا للتعبير عن ذكاء الطالب، أو غير مباشر، أو يحتاج إلى فكر، خرج الطلبة والطالبات منهارون يبكون على ضياع مستقبلهم، ويقوم الآباء بمظاهرات ضد الوزارة؛ ويتهمون من يضع الامتحانات بالتعقيد، وأنه يريد أن يضيع مستقبلهم، وبدلا من أن تستمر وزارة التعليم في هذا النهج حتى تنزل بمستوى المجاميع إلى المتوسط المعقول، فإذا بها تقرر إعادة توزيع درجات المادة، أو تطالب المصححين بالتساهل ووضع درجات لمن يكتب أي إجابة، وكأنها تشجع الطلبة والأهالي على هذا النهج.
إذن يجب على الوزارة أن تنتهج أسلوبًا جديدًا في وضع الامتحانات، يؤدي في النهاية إلى النزول بالمجاميع إلى الحد الطبيعي؛ وليعود دخول كليات الطب في حدود 85%، كما كان الحال قديمًا، فإنه من الجنون أن يحصل طالب على 97% ولا يدخل الكلية التي يريدها.
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فقد نشرت "بوابة الأهرام" – هذا الأسبوع - تقريرًا أكاديميًا متخصصًا يكشف عن نمو في عدد الصيادلة في مصر؛ حيث بلغ 216072 صيدليًا، بمعدل صيدلي لكل 438 مواطنًا، بزيادة أربعة أضعاف على المعدل العالمي، ويزيد عدد الصيدليات في مصر على 75165 صيدلية، بمعدل صيدلية واحدة لكل 1261 مواطنًا، بما يقترب من ثلاثة أضعاف المعدلات العالمية.
وأوضحت التقرير أن عدد كليات الصيدلة في مصر يبلغ حوالي 43 كلية صيدلة، منها 22 كلية لجامعات حكومية، و21 كلية لجامعات خاصة، وبلغ إجمالي أعداد خريجي كليات الصيدلة في مصر حوالي 14573 خريجًا في عام 2017، مع مراعاة استحداث 14 كلية، تم بدء الدراسة بها منذ سنوات قليلة، ستضيف المزيد من أعداد الخريجين.
وتوصل التقرير إلي أن الزيادة الكبيرة والمطردة في أعداد خريجي كليات الصيدلة، وعدم ملاءمة نظام التعليم مع الأنظمة العالمية، يحد من فرص العمل خارجيًا؛ مما يستلزم تحديث البرامج التعليمية بما يتماشى مع المتطلبات الإقليمية والعالمية والمعايير القومية الأكاديمية، بما يضمن فتح مجال العمل خارجيًا لخريجي كليات الصيدلة المصرية.
في الوقت نفسه الذي أعلنت فيه نقابة أطباء مصر، أن النسبة العالمية لعدد الأطباء - بالنسبة لعدد السكان - تصل إلى 350 مواطنَا لكل طبيب واحد، أما في مصر فتصل إلى 800 مواطن لكل مريض، وهو يعد دليلًا على حجم العجز الذي تواجهه مصر، فعدد الأطباء داخل مصر لا يتعدى الـ100 ألف طبيب في أفضل التقديرات، ولدينا 450 وحدة صحية ريفية في الصعيد والمناطق النائية ليس بها طبيب واحد، وهذا يعني معاناة 1800 قرية دون خدمات صحية.
ولعل هذه الأزمة في عدد الأطباء في مصر هي التي دفعت رئيس مجلس الوزراء للتصريح منذ أسابيع بأن مصر ستخرج دفعات استثنائية من الأطباء لسعد العجز في عددهم، ومن المعروف أن الدكتور حمدي السيد - نقيب الأطباء الأسبق - كان قد أقام دعوى قضائية ضد وزارة التعليم العالي؛ للمطالبة بالحد من عدد الطلبة في كليات الطب، فهل مع هذه الوفرة من الصيادلة، وهذه الندرة من الأطباء أن تتدخل وزارة التعليم العالي، بالحد من عدد طلبة الصيدلة التي لا تحتاجها سوق العمل، وزيادة عدد طلبة الطب لسد العجز في المستشفيات؟ أم سيظل الأسلوب نفسه في قبول الطلبة بالكليات؛ بغض النظر عن حاجة سوق العمل إليهم؟
[email protected]