نداء من الشرطة إلى كل المجرمين أوقفوا جميع أنشطتكم الإجرامية في أثناء فترة ارتفاع درجات الحرارة حتى إشعار آخر، فلا يذهب خيالك بعيدًا ليس هذا نداء أصدرته شرطة إحدى الدول الإفريقية أو العربية، إنما بيان أطلقه عدد من إدارات الشرطة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بسبب موجة الحر الشديدة التي تضرب بلاد أمريكا حاليًا، ومن بين تلك النداءات نص نداء إحدى الإدارات تطالب الذين يخططون لارتكاب جرائم خدمة بسيطة، وهي الانتظار فقط فترة الموجة الحارة، والمتوقع انتهاؤها خلال أيام.
واقترحت إدارة شرطة مدينة برنيتري على المواطنين أن يبقوا في منازلهم ويشاهدوا مسلسلات الخيال العلمي والرعب، والسؤال هل أصحاب السوابق الأمريكان ممكن أن يستجيبوا لنداءات شرطتهم؟ أعتقد أن أي مجرم قد يفعل العكس ويزيد من نشاطه الإجرامي، ظنًا منه أن أفراد الشرطة الأمريكية في هذه الولايات في حالة تراخٍ، ويلازمون مكاتبهم بجوار أجهزة التكييف، وأستبعد تمامًا أن مجرمي أمريكا خاصة لديهم مبادئ وقيم.
وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الجريمة في أمريكا لا تشهد انخفاضًا بل تصاعدًا، وقلما ما تنخفض نسبيًا في عام عن عام سابق، وشهد شاهد من أهلها ووثق مكتب التحقيقات الفيدرالية "إف. بي. آي" في عام 2017 وقوع مليون و250 ألف جريمة عنف، والمقصود من جرائم العنف القتل والاغتصاب والسرقة، وقد سجل عدد جرائم الاغتصاب وحدها أكثر من 96 ألف حالة اغتصاب، وحدث ولا حرج عن ارتفاع حالات القتل الجماعي في المجتمع الأمريكي في آخر عامين منذ تولي ترامب السلطة.
والغريب ما كشفته التقارير أن معظم حالات القتل الجماعي يرتكبها مواطنون أمريكيون بيض، وأشهرها مجزرة المدرسة الثانوية بولاية فلوريدا، التي راح ضحيتها 17 طالبًا على يد فت أمريكي عمره 19 عامًا، وفي العام الماضي رجل أبيض مسن تجاوز الستين عامًا قتل 58 شخصًا وجرح المئات في حفل موسيقي، وكانت في حيازته ترسانة أسلحة عددها العشرين رشاشًا آليًا.
والذي لا يعرفه الكثير هو وجود جمعية تسمي نفسها "البنادق الوطنية"، وتتمتع بنفوذ كبير على صناع القرار، والعديد من المشرعين يخشونها، ويعادل نفوذها جماعات الضغط اليهودية، ووصل الأمر إلى أن أحد أفرادها قال ببجاحة لا نظير لها في برنامج تليفزيوني، "إن شراء بندقية أسهل عليه من شراء عصير".
ولهذا لن نستغرب من مناشدة الشرطة الأمريكية للمجرمين بتقديم لها خدمة بسيطة بتأجيل جرائهم، وقالوا: "إذا عرف السبب بطل العجب"، فليست آراء وقرارات ترامب وحدها السبب في ارتفاع معدلات الجريمة، إنما يشاركه في السبب صناع السينما في هوليوود، الذين ملأوا الدنيا بأفلام العنف، ولم تسلم أفلام كارتون الأطفال من مشاهد العنف، وأفضل دليل على ذلك إحصائية عن 12 ألف قتيل وجريح من الأطفال تبلغ أعمارهم ما بين 11 و17 عامًا، حتى في مناشدة الشرطة للمواطنين لبقائهم في البيوت، تحثهم على مشاهدة مسلسلات العنف.
ويشير خبراء الاجتماع إلى أن السبب الأكثر تأثيرًا في انتشار الجريمة والسلاح في أمريكا، هو تغليب القيم المادية ومدى حصيلة الأرباح ومبدأ إعلاء المصلحة الفردية على عقول أفراد المجتمع الأمريكي، وتأتي المبادئ والمثل الإنسانية الأخرى في المرتبة الثانية أو الثالثة، ولكي يصرفوا نظر المواطن الأمريكي عن الحقيقة المؤلمة بأن أغلب القتلة من الأمريكيين البيض، يخدعهم إعلامهم ويوجه أصابع الاتهام نحو أصحاب الأصول العربية أو الإسلامية أو السود.
ولا يحاول القائمون على هذا الخداع أن يبحثوا مثلا عن أسباب تراجع الجريمة في هولندا، ولكن كان من المنطقي أن ينال المجتمع الأمريكي نصيبًا من العنف جراء السياسة الأمريكية في اشتعال الصراعات الدموية في الخارج، لكي تتصدر قائمة دول العالم المصدرة للسلاح.
ويبقي تعليق مثير للسخرية وهو: "على الدول التي تعاني مناخًا شديد الحرارة ويمتد طوال شهور الصيف، أن تحذو حذو الشرطة الأمريكية، وتناشد المجرمين تأجيل جرائمهم إلى الشتاء".
وبرغم أن الموجة الحارة في هذه الولايات لن تدوم سوى أيام، وإذا افترضنا واستجاب مجرمو البلاد الحارة للنداء هذه الفترة الطويلة، فالنتيجة إغلاق شركات الأمن، وإفلاس تجار السلاح، وموت المتآمرين غيظًا.
Email: [email protected]