بسم الله.. أبدأ في كتابة المقال رقم 101، ضيفًا على "بوابة الأهرام" الغراء.. بهذه المناسبة، أصارح القارئ الكريم في أمرين:
أولهما.. بفضل ونعمة من الله عز وجل، أقر بأنني فيما كتبت في هذا المكان - 100 مقال- بدون انقطاع، أسبوعيا، على مدار العامين الماضيين، تقريبا، تتناول الشأن الخارجي – الآسيوي في معظمه- حظيت، بدرجة عالية من الحرية، في اختيار عناوين الموضوعات، وكذلك تناولها، بصدق وصراحة، وبدون تدخل - يكاد لا يذكر- من إدارة التحرير، الموقرة، وهنا.. وجب توجيه الشكر والامتنان إليها.
الأمر الثاني: بدأت كتابة المقالات المائة المنشورة في "بوابة الأهرام"، بمقال نشر في 31 يوليو عام 2017، بعنوان: بركاتك في اليابان يا قداسة البابا، تلاه: حفاوة تليق بمقام "بابا مصر"، ثم: "قداسة البابا".. لا شكر على واجب.
انصبت المقالات الثلاث- في وقتها- على تناول الأجواء، والترتيبات، في كل من القاهرة وطوكيو، لإتمام أول زيارة من نوعها، يقوم بها رأس الكنيسة الوطنية المصرية، قداسة بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، لليابان.
منذ نشر المقالات الثلاث في "بوابة الأهرام" الموقرة، ظل الحلم يراودني للالتقاء بقداسة البابا تواضروس، باعتباره رمزًا وقيمة وقامة مصرية سامقة، تحظى بالاحترام والتقدير والتوقير والتبجيل، في جميع الأوساط الشعبية والرسمية، فضلا عن السعي- الشخصي جدا - لنيل "البركة" من رأس الكنيسة الوطنية المصرية، بمساعدة أصدقاء مخلصين في الكنيسة، تحدد الموعد فى تمام الساعة السابعة، من مساء يوم الجمعة الماضية، للالتقاء بقداسة البابا تواضروس الثاني، في مكتبه بالمقر البابوي، بالعباسية، واستمر اللقاء- مع قداسته - لنحو ساعة.
استهل قداسة البابا تواضروس الثاني اللقاء الخاص بالحديث عن ذكريات زيارته، التاريخية، لليابان، مؤكدًا أنها دولة عظيمة، يحظى شعبها بالاحترام الكامل من جميع الشعوب نظرًا لتاريخه وحضارته وأخلاقه السامية، وتقاليده التي يحافظ عليها حتى اليوم، برغم تقدمه التكنولوجي المذهل في كل المجالات، حتى صارت حياته مزيجًا من الجمال والدقة والنظام والاحترام.
أشار قداسته إلى أن اليابان تبني أبراجًا معمارية فائقة الجمال، معظمها بهندسة المعادن والزجاج، برغم معاناتها من الكوارث الطبيعية، وبالذات، الزلازل والبراكين، أما عن الشعب، فهو غني ومثقف، وعميق في إنجازاته العلمية والتكنولوجية، ودقيق في حياته اليومية في كل شيء، كما أنه رقيق في العلاقات الأسرية والإنسانية، ولا يستعين بأية خادمة أو مديرة منزل في البيوت، ويطلق على عامل النظافة في اليابان اسم "مهندس صحة" وينال راتبًا عاليًا.
نوه البابا إلى أنه تم- خلال زيارته لليابان- تدشين أول كنيسة قبطية مصرية أرثوذكسية، في شرق آسيا، في احتفال كنسي مهيب، في بلدة تدعى "كيزوجاوا" بمحافظة كيوتو الأثرية اليابانية، مساحتها نحو 340 مترًا مربعًا، وتسع نحو 100 فرد، وبها بعض الغرف للخدمات والسكن.
كما التقى البابا تواضروس الثاني، خلال الزيارة، مع محافظ العاصمة، طوكيو، السيدة يوريكو كويكه، ووزير الخارجية، تارو كونو، وانصبت اللقاءات على توجيه الشكر لليابان للمساعدات التي تقدمها لمصر، خاصة في مجال التعليم، حيث لهم خبرة قوية يمكن أن تساهم في تحقيق نقلة نوعية لمستقبل مصر.
مقابلتي مع قداسة البابا، في مكتبه بالعباسية، لم تكن لإجراء حديث صحفي تقليدي للنشر، بقدر ما كانت منصبة على ما أسميته بنيل البركة من رمز الكنيسة الوطنية المصرية- كما نوهت إلى ذلك في بداية المقال- وقد منحني قداسته الفرصة الذهبية للتزود والتعلم من فيض إيمانه العميق بجوهر الدين ومفهومه للبركة وكيف حفظت البركة مصر المحروسة، على مر العصور والحقب والسنين.
عن مفهومه للبركة، يقول قداسة البابا تواضروس: "البركة يعطيها الله للإنسان بصور متنوعة.. الصحة بركة.. الأسرة بركة.. العلم والتعليم بركة.. العلاقات الإنسانية، وعلى قمتها، الزواج والصداقة بركة، النجاح في العمل وتحقيق الخير ليعم على الآخرين بركة، المهم أن تصبح البركة للإنسان بمنتهى الأمانة.
ومن المقولات المشهورة، ليست نعمة بلا زيادة إلا التي بلا شكر، بمعنى، كلما يشكر الإنسان يحصل على بركة أكثر، فالإنسان كثير الشكوى، وغير الراضي عن أحواله، أو الناقم، نظرته سودواية، غير مؤهل لنيل البركة، وحتى إذا نجح، فنجاحه للأرض، وليس محسوبًا فى السماء".
أوضح البابا، قائلا: "ربنا لما بيعطينا نعمة.. بتبقى نعمة لخدمة الآخرين، فمثلا نعمة التعليم، وعندما يصبح الإنسان مهندسًا، لن يبقى مهندسًا لنفسه، بل مهندس لخدمة الآخرين، مثلا: في السيارات.. في الكهرباء.. في الحاسبات الإلكترونية..".
أضاف: "من هنا ظهر مفهوم التكافل الاجتماعي.. حيث كل واحد من ناحية المسئولية الشخصية، هو مسئول عن أسرته، ومن ناحية الحب فهو مسئول عن العالم كله، خاصة في ضوء أن العالم أصبح مترابطًا ومتواصلا إلى أقصى درجة".
وضرب مثالا عن الترابط الشديد بين كل البشر، بقوله: "المطر قل في إستراليا.. وهناك يجري زراعة الفول المدمس، وبسبب قلة الأمطار، نقصت زراعة الفول، ومصر تستورد الفول، ويعتبر طعاما رئيسيا، وفى ضوء قلة إنتاجه في أستراليا زادت أسعاره عندنا.. وهكذا..".
قال قداسة البابا: "طبعا الإنسان عندما ينتهج سلوكيات الشر والخطية، ويمضي في طريق الجريمة والعنف والإرهاب وإيذاء الآخرين.. خلاص .. تختفي البركة.. فالإنسان لا يرتكب أي فعل إلا ويرتد عليه.. وهذه قاعدة علمية معروفة: لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له فى الاتجاه".
الأسبوع المقبل بإذن الله، يجيب قداسة البابا تواضروس عن السؤال: لماذا مصر تعتبر دولة مبروكة ومحروسة؟
[email protected]