تحت هذا العنوان، تحدث السفير محمد محق، سفير أفغانستان في القاهرة، خلال الندوة، التي أقيمت صباح أمس الأول - السبت - في مقر المجلس المصري للشئون الخارجية بالمعادي، وأدارها السفير عزت سعد المدير التنفيذي للمجلس.
أهمية كلمة السفير محق تأتي في الوقت الذي اختتم فيه مؤتمر "اللويا جيرجا" أي المجلس الأفغاني الكبير، أعماله في كابول، مطالبا كل الأطراف بوقف فوري ودائم لإطلاق النار، اعتبارا من اليوم، الأول من رمضان، فيما تتواصل الجولة السادسة من المفاوضات بين الولايات المتحدة وممثلي حركة طالبان الأفغانية، بالدوحة، بهدف وضع أرضية مشتركة لتسوية النزاع فيما بينهما.
تنطلق التسوية المرتقبة، بين الولايات المتحدة وطالبان، من أربعة محاور رئيسية، هي: سحب القوات الأجنبية من أفغانستان، قيام طالبان بتقديم ضمانات في مجال مكافحة الإرهاب، إطلاق الحوار الداخلي في أفغانستان، تخفيف العنف؛ مما سيؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وفي تصريحات صدرت أمس، الأحد، للمتحدث باسم الحركة، سهيل شاهين، أكد أن كلا الطرفين طرحا مقترحات جديدة بشأن سحب قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو من أفغانستان، مشيرا إلى أن ذلك سيصبح خطوة ملموسة نحو اتفاق سيضع حدا للحرب المستمرة لمدة 18 عاما.
أعود إلى ندوة المجلس المصري للشئون الخارجية، وقد جاء في الورقة المفاهيمية المقدمة بخصوصها، أنه بعد نحو ثمانية عشر عامًا من التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان، لا يبدو أن هناك آلية لبناء السلام، الذي تضربه الفوضى الأمنية والسياسية، برغم الحضور العسكري الأجنبي في البلاد، وسط أوضاع اقتصادية صعبة يعاني منها السكان.
من جانبها تسعى الحكومة المركزية في كابول لممارسة سلطة فعلية على جزء كبير من الأراضي في وقت لا تزال فيه حركة طالبان حريصة، وقادرة، على مواصلة عملياتها الإرهابية وتعزيز نفوذها في أنحاء مختلفة من البلاد، وذلك لعوامل واعتبارات عديدة لعل أبرزها الانتشار المتواصل لعناصر الحركة على ما يقرب من 70% من الأراضي الأفغانية، كما تسيطر الحركة على 14 إقليمًا وفقًا لبعض التقديرات.
وبجانب ذلك، لا تزال لدى الحركة القدرة على استقطاب عناصر إرهابية للانضمام إليها ناهيك عن كوادرها التي تمتلك قدرات قتالية عالية، نتيجة لكثرة المعارك التي شاركت فيها.
وفي تقدير الخبراء، تظهر الأنماط المختلفة للعمليات الإرهابية التي تقوم طالبان بارتكابها أن قادتها لديهم خبرات كبيرة في مجال التخطيط والتنفيذ، ويضاف إلى كل ذلك السيطرة التنظيمية للحركة، والتي تعتمد على مبدأ السمع والطاعة، شأنها في ذلك شأن العديد من التنظيمات الإرهابية.
وقد أدى نفوذ وسطوة الحركة إلى قيام الدول المعنية بالشأن الأفغاني، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الانخراط في مباحثات معها على أمل احتوائها في عملية سياسية قد تقود إلى سلام، بدءًا من إجراء انتخابات تسمح بتشكيل حكومة انتقالية.
وبجانب الدور الأمريكي، تسعى روسيا بدورها إلى التأثير على طالبان على أمل تغيير أيديولوجيتها القائمة على التطرف الديني والعنف، برغم إدراج موسكو الحركة كمنظمة إرهابية في روسيا منذ عام 2015.
وفي هذا السياق، رعت روسيا اجتماعين عقدا في موسكو العام الماضي بشأن أفغانستان، بحضور ممثلين عن طالبان وعن الحكومة الأفغانية، وآخرين من عدة دول (إيران والهند وباكستان والصين والدول الخمس الإسلامية في آسيا الوسطى).
وتعتقد طالبان أن لها الحق في تشكيل حكومة تتماشى مع معتقداتها، وأن لديها قدرات تؤهلها لحكم عموم أفغانستان.
والواقع أن صمود طالبان في مواجهة الضربات الجوية والبرية المكثفة من قبل قوات حلف شمال الأطلنطي قد أقنع الجانب الروسي بأنه لا يمكن هزيمة طالبان من خلال استخدام القوة، وأنه من الصعب للغاية تحقيق أية تسوية سياسية دون طالبان، حيث ينظر إلى المؤسسات السياسية والقانونية التي تسيطر عليها الحركة على أنها شرعية في معظم أنحاء البلاد.
وفي التقدير، فإن ما تسعى إليه روسيا هو قطع الطريق على تنامي نفوذ داعش في أفغانستان، والذي يعد تهديدًا لروسيا ودول آسيا الوسطى عمومًا، من ناحية، والحد من تداعيات التحركات الأمريكية في أفغانستان، والتي تعتبرها روسيا تهديدًا لمصالحها من ناحية أخرى.
ذلك أنه وفقًا لرؤية موسكو، فإنه بعد 18 عامًا من الحرب في أفغانستان فشلت الولايات المتحدة في حسم الأوضاع هناك برغم ارتفاع تكلفة فاتورتها لتصل لنحو تريليون دولار حسب بعض التقديرات.
ولا تزال مسألة سحب القوات الأمريكية من هناك (14000 جندي)، كليًا أو جزئيًا، محل جدل داخل إدارة ترامب، علمًا بأن هناك 8000 من قوات حلف شمال الأطلنطي والقوات الحليفة منتشرة في أفغانستان بغرض تدريب القوات الأفغانية، وبمعنى آخر لدي موسكو شكوك في النوايا الأمريكية في الإبقاء على الوضع في أفغانستان تحت السيطرة.
وعلى الرغم من عدم التوافق بين الولايات المتحدة وروسيا حول صيغة مشتركة للمحادثات، إلا أن هدف كلا البلدين هو تعزيز الحوار بين الأفغان ومحاولة بناء الثقة بين طالبان والحكومة الأفغانية، بما يسمح باستعادة الأمن والاستقرار في تلك الدولة وإعادة إعمارها.
السفير الأفغاني بالقاهرة، محمد محق، لخص في كلمته أمام الندوة موقف حكومته الراهن في النقاط التالية:
الحرب الأفغانیة بین الأسباب الداخلیة والخارجیة:
1. التحدیات الداخلیة:
- إعادة هیکلة السلطة: من التوزیع التقلیدي: الملك، الوالی، شیخ القبیلة، شیوخ الصوفیة، العلماء التقلیدیون.
إلی ظهور شرکاء السلطة الجدد: عصابات الحرب، مافیا المخدرات، الأحزاب السیاسیة، رموز الإسلام السیاسي، مؤسسات المجتمع المدني، الإعلام الحر، شبکة المدارس الدینیة.
- تغییر النسیج الاجتماعي: توسع المدن، ظهور الطبقة الریفیة - المدنیة واختلاف قیمها، التمرکز العرقي في المدن الکبری وانقساماتها.
- التغییر الاقتصادي: تجارة المخدرات، ظهور الاقتصاد المعتمد علی المعونات، ظهور الاقتصاد الموازي، تفشي الفساد علی المستوی الحکومي والمجتمعي
- النزاعات الأیدیولوجیة: الیساریة، الإسلامیة الأصولیة، اللیبرالیة، الإسلامیة التقلیدیة.
2. التحدیات الخارجیة وهي الأکبر:
- ارتكاز إستراتیجیة باکستان العسكریة علی اعتبار أفغانستان العمق الإستراتیجی لها لهدفین: صراعها ضد الهند، ووصولها إلی الآسیا الوسطی.
- الإسلام السیاسي واستثمار باکستان الإستراتیجي علیه.
- المنافسة بين بعض الدول الإقليمية والاستثمار علی الإسلام الأصولي بضخ أموال هائلة.
- تأرجح سیاسات شركاء أساسيين بین التكتیك والإستراتیجی وعدم التناسق بین الرؤیة المؤسساتیة والمواقف السیاسیة الداخلیة (تغییر موقفها من الدعم الکامل للمجاهدین فی الثمانینيات، إلی اللامبالاة فی أول التسعینيات، إلی الاقتراب من الاعتراف بطالبان في آخر التسعینيات، إلی إعلان الحرب علی الطالبان بعد أحداث سبتمر، إلی الاستعداد للمصالحة والتوافق معها).
- عدم الثقة بین منظمة شانغهاي والناتو.
3. متطلبات السلام:
- علی المستوی الداخلي: ضرورة الوصول إلى صیغة متفق علیها داخلیا بخصوص تقسیم السلطة.
- علی المستوی الإقلیمي: الحوار والمصالحة مع باکستان وضرورة الوصول إلی صیاغة مقبولة لإیران والسعودیة والهند.
- علی المستوی الدولي: التوافق علی الحیادیة الإستراتیجیة بخصوص أفغانستان لدی الولایات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسیا والصین.
4. المحاولات الراهنة للمصالحة:
- المناورات التكتیكیة والغموض الإستراتیجي لدی الجهات المختلفة.
- خطر اندلاع الحرب الأهلیة فی حالة المصالحة المتسرعة وغیاب الاتفاق الشامل.
- خطر سقوط کیان الدولة بأکمله.
- خطر انتشار الإرهاب دولیا.
التوصیات:
- الحفاظ علی کیان الدولة ومؤسساتها.
- الحفاظ علی الإنجازات الكبیرة التي تحققت بعد أحداث 11 سبتمبر.
- مشارکة الجهات المحایدة بالوساطة للمصالحة، مثل مصر، نحو اتفاق إقلیمی ودولي.