Close ad
4-5-2019 | 22:26

أسعدني جدًا سفلتة شارع اللبيني بالمريوطية والمؤدي إلى حدود مركز ومدينة كرداسة، من طريق نظيف في اتجاهين، تحت إضاءة جيدة إلى مسجد الشاعر.. هو نفسه الطريق القديم الرديء الذي كان مستباحًا لكسر المباني والحجارة والقمامة والظلام.

كلما زرت كرداسة كان يؤسفني عدم سفلتة هذا الطريق في وجود طريق آخر رئيسي عبر الطريق الدائري ومحور صفط اللبن، لكنه مليء بالحفر والمطبات الصناعية.. وإذا سرت معه يمينًا مع جسر ترعة الزمر تزداد وعورة الطريق إلى ناهيا، مع مشاهد مؤسفة على الترعة المتخمة بالفضلات والقمامة، ثم إذا دخلت إلى ناهيا فإنه لا يوجد طريق واحد مرصوف ومسفلت.

ولطالما اقتنعت بأن سفلتة شارع تعني إخراج فرد أو أكثر من جعبة الإرهابيين، وقيام المحليات بدورها يجعل الحياة لدى البعض أفضل من الموت..

يحتار كثيرون في أمر كرداسة وجارتها الخلفية في ناهيا، ولماذا ارتبطت بهما أسماء شهيرة في عالم الإرهاب والعنف المسلح باسم الدين، ولما زرتهما مرارًا وجدت أناسهما يضمون كل ألوان الطيف السياسي في مصر، منهم من يؤيد "الإخوان" المصنفة إرهابية، أو يتحمس للسلفيين، ومنهم من يحب الرئيس السابق مبارك ويلعن ثورة يناير وفيهم من يشيد بها، ويدعم ثورة 30 يونيو؛ تمامًا مثل كل مكان في مصر، لا يتميزون بشيء خاص.

وفي تصوري دائمًا أن تحديث كرداسة وناهيا أفضل وأقل تكلفة من تركهما في قبضة الإرهاب، والتحديث هنا يحتاج إلى بعض الجهد وحسن التفكير، وإذا اتفقنا على هذا المبدأ فإن التفاصيل كثيرة ويمكن أن نجتهد، لكن الإشارة دامغة فيما جرى أخيرًا بسفلتة الطريق إلى كرداسة، وفي الإصلاحات التي تجري على محور صفط، المؤدي إليها برغم التباطؤ الشديد في الأمتار الأخيرة والتي ستؤذي مستخدمي المحور طوال شهر رمضان، إذا لم تسرع الشركة المنفذة.

غضب كثيرون على كرداسة، وذلك على خلفية مذبحة قسم البوليس عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، ولكن بعد أن نزل العقاب بمرتكبيها، في حكم هو عنوان الحقيقة، فإن النظرة إلى هذه المدينة المتاخمة لجامعة القاهرة يجب أن تتغير، وذلك في إطار نظرة قومية شاملة.. ومن هنا ينبغي استكمال طريق كرداسة، إلى داخل المدينة، خصوصًا عندما يقترب من ترعة الزمر، وأيضًا تنظيف وإنقاذ الترعة من المخلفات البشرية والحيوانية، والوصول بمخطط السفلتة والرصف إلى داخل ناهيا والمدن الصغيرة المجاورة، وقيام المحليات بحصار التعديات على الأرض وتصوير الأراضي الزراعية وتحديدها؛ لأن أول ما خطر على البال عند رؤيتي الطريق الجديد هو خطر زحف العمارات المخالفة إليه، والمخالفات في مصر ليست فادحة الثمن، مصالحات ساذجة وانتهى الأمر، من دون أن يعي محصل الغرامة أنها لا تساوي شيئًا بحساب تدمير المستقبل لهذا المكان نهائيًا.

في كرداسة خلال الأعوام القليلة الماضية لم تكن الدولة هناك باستثناء وزارة الشباب والرياضة، حيث مركز الشباب يستقطب المئات من شباب المدينة، كما كانت سيارات الإسعاف تخدم من يطلبها هاتفيًا وبسرعة فائقة، لكن قسم الشرطة في أبو رواش أمام مدخل القرية الذكية، والقديم مهجور بعد الحادث المؤسف.

وهنا أطالب وزارة الداخلية بدراسة عودة القسم إلى مكانه، دراسة تشمل كل النواحي الأمنية والمجتمعية والنفسية.

تدخل ثانٍ مهم وحاسم، وهو استعادة نشاط كرداسة المشهور في قطاع الملابس والعبايات، عن طريق خطة تحديث وتمكين صناع وأبناء هذه المهنة من استعادة أسواقهم الضائعة، مما يخلق فرص عمالة وتميز، ويعيد السائحين العرب والأجانب، والزبائن من كل أنحاء مصر، كما كان يحدث سابقًا، مع التحديث الذي يدعم ويرتقي بهذه الصناعة، والحقيقة أن كرداسة فيها صناع مهرة في مختلف الحرف..

تدخل ثالث ولا يقل أهمية، وهو دعم النشاط الفني والثقافي لبيت ثقافة كرداسة، لقد رأيته مغلقًا من قبل وحدثت فيه صديقي وزير الثقافة حلمي النمنم، وكانت لديه خطة لإعادة الحياة لأكثر من ثمانين بيت ثقافة في مصر، والحمد لله عاد النشاط إلى المكان، وأود التركيز على دعمه؛ لأن ضخ أعمال فنية وثقافية وفتح ورش للأطفال، كفيل بعمل توازن مع أفكار أخرى جامدة لن يتوقف أصحابها يومًا عن استغلال أي فرصة.

تدخل آخر وهو وضع خطة عاجلة لبناء مدارس، على الأقل قبل أن يدهم الأراضي هناك البناء السرطاني، حيث ينجح المخالف في بناء بيته عشوائيًا في غمضة عين ولا تنجح الحكومة في بناء مدرسة في نفس المكان، خصوصًا أن الكثافة في الفصول هي من بين الأعلى في مصر.

إن عودة المحليات إلى كرداسة بواسطة الطريق الجديد، أمر جيد، وتزداد أهميته بالدخول إلى قلب المدينة والاهتمام بشوارعها الداخلية وجعلها أكثر إنسانية مما هي عليه، وتحت الرقابة، مما يقلل حجم جرائم السرقة والتحرش، ويجعلها داخل النظام العام، فيشعر أهلها ببعض التقدير، فيما سيقاوم آخرون ممن يربحون من الفوضي، ولكن التيار الغالب المستفيد من التغيير والتنظيم سيدعم جهود الحكومة لتحسين شروط الحياة في مدينتهم.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا:
الأكثر قراءة