الحادثة أكبر من احتمالنا، وعيوننا تلمع بالدموع، وقلوبنا تئن بالأسى على فقد كثير من الناس الأبرياء في لحظة إهمال قاتلة..
حادثة اصطدام جرار قطار برصيف في محطة مصر للقطارات كانت مُفجعة، واللقطات التي سجلتها عدسات كاميرات المراقبة، والتي انتشرت على كل المواقع والفضائيات كانت مؤلمة قاسية لنا جميعًا.
جرار القطار بعد الاصطدام نشب فيه حريق.. فانفجر خزان الوقود وتطايرت النيران على العشرات فتوفي ما يقرب من 20 شخصًا على حسب تصريحات وزارة الصحة وخَلّف 40 مصابًا.
يبقى السؤال الأهم.. ما الذي يجعل هذه الحادثة ومثيلاتها لا تتكرر؟! ما الذي يجعل الحوادث تتوقف عن الفتك بأرواح المصريين وأحلامهم.. الساعين إلى لقمة العيش؟!
لا حل إلا بالقضاء على الإهمال أولًا وأخيرًا.. فكما ترى لا "وسط" بينهما.. فالوسطية في الإهمال قاتلة.
والإهمال سيقف حين نتوقف عن كلمة "معلهش" ومعناها "ما عليه شيء"؛ أي أن هذا الشخص المهمل لا يوجد عليه حساب، ولا عقاب.. حين نتوقف عن قول كلمة "بلاش تقطعوا عيشه"، أو حرام تقطعوا عيشه..
برغم أن كلمة الحرام هو أن تقتل أشخاصًا مسالمين ليس لهم ذنب.. أو لا تعطي الطريق حقه، أو لا تعطي الأجير حقه، أو لا تعطي صاحب العمل حقه.
الناس تستدعي مقولة رئيس الوزراء السابق المهندس إبراهيم محلب - أثناء تعليقه على حادث غرق مركب الوراق - حين قال: "إن الإهمال أصبح أخطر من الإرهاب"؛ لكن البعض ينسى أو يتناسى متعمدًا بقية كلماته: "إن عدم قطع الأرزاق لا يمكن أن يكون على حساب أرواح المواطنين"؛ وكان يقصد ساعتها أن المركب غير مرخصة، ولكن المسئول عن التراخيص سمح له بممارسة عمله بقانون "معلهش".. و"إيه اللي فيها؟!".. و"إيه اللي هيحصل يعني؟!".. وهكذا نستمر في تلك الدائرة الجهنمية المؤلمة.
وأعتقد أن نظرية "عدم قطع الأرزاق" هي أشد خطرًا من الإهمال.. وإن كنا لا نستطيع التفرقة بينهما، وكلنا يعجب بالغرب والدول العربية التي قفزت للأمام خطوات، لأنهم يطبقون مبدأ الثواب والعقاب.. أما العقاب فيصل كثيرًا إلى قطع الأرزاق كما نسميه نحن.. لذلك تقدموا.
أما المتأخرون أصحاب نظرية "معلهش" فمازالوا يبحثون عن أغلب مشكلاتهم.. فلا يجدون لها أثرًا ولا حلًا.
ولنا أن نسأل أنفسنا.. كم مرة تركنا الباعة يفترشون الشوارع، وفى ممرات الأنفاق، وعلى سلالم المترو وداخل عرباته؟!.. ومحلات بقالة مخالفة بجوار المستشفيات؟!.. إلخ، بدعوى عدم قطع الأرزاق.
كم مرة تركنا المراكب تسير برغم أنها تصطدم بنا في النهاية؟!
تويتر: @Tantawipress