يقول المثل الشعبي المصري العبقري: إللي ما يشوفش من الغربال.. أعمى!
والرئيس السيسي بتحركاته السياسية الواعية تجاه الشرق والغرب؛ يخسأ أعين المتعامين عن الحقائق الواضحة وضوح شمس الظهيرة في كبد السماء، ويرد بقوة على الحملات المغرضة من المغرضين في الداخل والخارج، فلم يكد يحط الرحال من جولته الإفريقية الناجحة، ونيل إفريقيا شرف رئاسته لاتحادها، إلا ليحزم حقائبه قبل التقاط الأنفاس؛ تلبية للدعوة الموجهة إليه ــ اعترافًا صريحًا لضرورة وجود مصرــ للمشاركة الفاعلة في مؤتمر "ميونيخ" للأمن؛ لمناقشة مستقبل مراقبة الأسلحة والتعاون في السياسة الدفاعية، وتسليط الضوء على التفاعل بين السياسات التجارية والأمنية بدول العالم، ولتواكب تولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي في العام نفسه، من أجل تعزيز التنسيق والتشاور مع القاهرة في القضايا الإقليمية المختلفة.
وتجيء أهمية وجود مصر في هذا المؤتمر؛ لأنه يُعد أكبر ملتقى لخبراء السياسة الأمنية على مستوى العالم؛ واجتمع تحت مظلته أربعون رئيس دولة وحكومة، وما يزيد على مئة وزير؛ وعدد كبير من المنظمات الدولية، على رأسهم الممثلة السامية للشئون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، والأمين العام لحلف "الناتو"، والمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والأمين العام لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة "برنامج الغذاء العالمي"، وكان من المتحدثين المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" ونائب الرئيس الأمريكي "مايك بينس".
ودعوني أتوقف طويلاً ـ وليقف العالم معي ـ أمام عبارة وردت ضمن الكلمة التي ألقاها الرئيس السيسي في افتتاح المؤتمر؛ وهي عبارة يجب أن تُكتب بحروفٍ من نور فوق مآذن المساجد وقباب أجراس الكنائس بطول إفريقيا وعرضها؛ إذ قال: "نحن على أعتاب عام "إسكات المدافع" بالقارة في 2020"!
إن هذه الكلمات جاءت بمثابة النداء لكل الشرفاء الذين يؤمنون بالقيمة الرفيعة والقيَمْ السامية لهذا الوطن؛ لبذل المزيد من الجهد المعجون بالانتماء الحقيقي كلٌ في موقعه؛ للوصول إلى ما يصبو إليه هذا القائد الوطني المخلص في تحقيق العيش الكريم، والأمن والسلام لكل البشر في القارة الإفريقية والعالم، وكأني في هذه الأمنية الغالية أراه يحلم بـ "إسكات المدافع" ليرى ـ بعيون الأمل والرجاء ـ أعشاش الحمائم في مواسير المدافع؛ لتصبح الحروب الدامية مجرد لوحات تذكارية تاريخية على جدران المتاحف!
وكان الرئيس حصيفًا وحاسمًا في كلماته التي وجهها إلى المجتمع الأوروبي ـ بل العالمي ـ حين قذف بالكرة في ملعبهم؛ ليضعهم أمام الواقع المرير الذي نجابهه بالحرب على الإرهاب الأسود، وتساءل: كيف سنعمل على "إسكات المدافع" وإقرار السلم والسلام، وهناك الكثير من القوى التي تسانده وتدعمه.. ففي هذا الصدد قال الرئيس:
"...لا شك أن الإرهاب بات ظاهرة دولية لها مخاطر متعاظمة تؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمعات، وهو ما يستلزم من الجميع بذل جهود حثيثة وصادقة، لاقتلاع جذور تلك الظاهرة البغيضة التي تعد التهديد الأول لمساعي تحقيق التنمية، بما في ذلك تضييق الخناق على الجماعات والتنظيمات التي تمارس الإرهاب، أو الدول التي ترى في غض الطرف عنه، بل في حالات فجة تقوم بدعمه، وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ومطامع إقليمية...".
وكذا علت دهشته بنبرة استنكارية بسؤاله عن سبب وجود أجانب يغزون الأراضي المصرية والمنطقة العربية!
كما حرص الرئيس السيسي ـ على هامش المنتدى ـ على الالتقاء بكبار رجال الأعمال ووزراء الاقتصاد والطاقة للبلدان المشاركة، والاجتماع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الألمانية والعالمية، ومجموعة اتحاد الصناعات الألمانية، بالإضافة إلى الشركات العاملة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والإلكترونيات والخدمات المالية وإدارة الأصول، والصناديق الاستثمارية، وصناعة الدواء، والصناعات العسكرية، وهو بهذا التحرك يهدف إلى فتح المجال لامتصاص الطاقة الشبابية في المصانع المصرية؛ بخلق فرص عمل جديدة للشباب في كل المجالات؛ للقضاء على شبح البطالة الذي يهدد معظم بلدان القارة ويهوي باقتصادها إلى أدنى مستوى لمعيشة الفرد والجماعة.
إذن.. لم يكن الرئيس في رحلة ترفيهية لمجرد الحضور الروتيني، ولكنها كانت رحلة عمل دءوب وشاقة من أجل تشجيع الاستثمارات الأوروبية والألمانية للعمل على أرض مصر؛ وبخاصة أن الاقتصاد المصري يشهد فترة من الانتعاش بارتفاع مؤشرات ومعدلات التنمية بفضل القرارات الجريئة والضرورية التي اتخذت لصالح مستقبل المواطن المصري وتوفير احتياجاته الحياتية.
إنها الخطوات الجادة للاستثمار الحقيقي في المستقبل؛ وما علينا نحن الشعب المصري بكل طوائفه؛ إلا المؤازرة والمساندة المخلصة لتلك الخطوات بقبول التحديات التي تواجهنا واغتنام فرص التنمية التي يعمل من أجلها هذا القائد المصلح، فبغير التلاحم المخلص بين كل فصائل وشرائح المجتمع؛ لن نستطيع التصدي لقوى الإرهاب السوداء التي تريد طمس هويتنا ومكتسباتنا القومية، وآخرها ما حدث من استشهاد جنودنا وفلذات أكبادنا بسيناء الحبيبة؛ وكأن هؤلاء الأوغاد يريدون إضاعة بهجة الفرح بهذه المنجزات الرائعة على كل الأصعدة؛ والعمل على إجهاض النتائج الاقتصادية لمنتدى ميونيخ في قمة احتفالنا به.
إنه مما لاشك فيه أن عيون العالم تتطلع إلى تجربتنا الناجحة في مجال الإصلاح الاقتصادي الذي يتواكب مع سلسلة تعديلات المسارات السياسية بتحقيق التقارب بين الدول؛ وإعادة الإمساك بعصا القيادة على الصعيد الإفريقي والأوروبي، وعلى المصريين جميعًا أن يكونوا أهلاً لتلك الثقة التي اكتسبناها بخطواتنا الجادة على طريق المستقبل.
إنني دعوت مرارًا ـ ومازلت أدعو ـ إلى فتح دوائر الحوار المجتمعي في كل مؤسساتنا وجامعاتنا ومدارسنا؛ للاستماع والمناقشة لكل أطروحات الرئيس بين كافة الشرائح بالمجتمع؛ والاستماع إلى كل الآراء والمقترحات لكل العاملين على أرض الواقع؛ والخروج بالتوصيات والقرارات التي تستهدف توحيد الصفوف والأهداف التي وضعها أمامنا بغية إعلاء صوت الحق وإسكات دوي مدافع الباطل وضجيج قنابل الإرهاب فكريا كان أم عقائديا؛ ليخرس إلى الأبد؛ وليعم العالم السلام والحب بديلًا إنسانيًا أثيرًا.