بحيرة مريوط من أهم البحيرات في مصر، وأحد أهم مصادر الثروة السمكية بها، لكنها تعرضت على مدار عشرين عامًا مضت لكثير من العدوان، تارة من التلوث الناجم عن الصرف الصحي والصناعي والزراعي دون معالجة، وتارة أخري بالردم وتجفيف بعض مساحات منها، فتقلصت مساحتها عما كانت عليه من قبل، وهو الأمر الذي أدى إلى نقصان حجمها إلى ما يقرب من 60 ألف فدان، حتى أصبحت مساحتها لا تزيد على (17) ألف فدان فقط، ومن المعلوم أن بحيرة مريوط تتكون من عدة أحواض هي: حوض الـ 6 آلاف، وحوض الـ5 آلاف، وحوض الـ3 آلاف، وحوض الألفين، وحوض الألف، وحوض الـ 306، وحوض المتراس.
وعندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي أن البحيرة ستعود مثل الأول وأحسن، تلقف هذا الإعلان جمهور عريض من المواطنين الذين يدركون قيمة وأهمية هذا القول، وطالب الرئيس – أثناء زيارته لمدينة الإسكندرية لافتتاح عدد من المشروعات بمشروع "بشاير الخير 2" بغيط العنب - المسئولين بإزالة التعديات الواقعة على بحيرة "مريوط" بصفة فورية، وهو ما يمثل عودة الروح لجسد البحيرة الذي شارف على الموت.
الحق هو المنتصر في النهاية، والباطل وإن حقق انتصارات بعض الوقت، فإنها انتصارات واهية، وليست حقيقة واقعية ويخبرنا القرآن حول هذه الحقيقة في آيات كثيرة، تبين لنا أن النصر دومًا في جانب الطرف الذي يدافع عن الحق، وأن الهزيمة في النهاية واقعة في جانب الطرف المدافع عن الباطل.
المحافظة على نقاء بحيرة مريوط واستمرارها هو مصدر خير للوطن؛ سواء كوسيلة لعدم المساس بالنظام والتوازن البيئي بالإسكندرية، أو كمصدر لصيد الأسماك أو الحيلولة دون إهدار المتنفس الطبيعي للإسكندرية.
وحينما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال فعاليات افتتاح مشروع إسكان غيط العنب بالإسكندرية: أن بحيرة كينج مريوط، ستعود كما كانت، وأفضل من ذي قبل، معتبرًا أنه التزامٌ تجاه البلد والمواطنين، وقال: "بحيرة كينج مريوط هترجع كما كانت وأحسن، وهشيل كل المخالفات، وهزيل كل اللي عمل حاجة، وأقول ذلك لكل متجاوز.. محدش يقبل التعدي على مستقبل أولادنا، البعض يظن أن الدولة مقصرة بسبب انقطاع المياه والصرف الصحي.. إحنا كمسئولين وكمواطنين علينا التزام تجاه بلدنا وأولادنا.. هذا الكلام موجود في إسكندرية والقاهرة وكل محافظات الدولة.. وبحيرة المنزلة عاوزة 30 مليار جنيه عشان تعود لما كانت عليه وأشار إلى أن التعديات موجودة في كل محافظة ولا يمكن السكوت عنها) وقد كانت كلمات الرئيس بمثابة عودة الروح إلي جسد البحيرة.
عشرون عامًا مضت وبحيرة مريوط تشكو عدوانًا وظلمًا، وهي مثلنا كائن حي على وشك الاحتضار، والتاريخ شاهد على أن بحيرة مريوط وهي مال عام، أفاء الله سبحانه وتعالي بها على الوطن لخير المواطنين بأجيالهم المتعاقبة، لتكون مصدرًا لرزق آلاف الصيادين، وموردًا للدخل القومي، وركنًا من أركان جمال البيئة بالإسكندرية، وكان يكفيها أن تسلك الدولة في ظل أنظمة الحكم السابقة بشأنها طريقًا سلبيًا، أي ألا تمكن أحدًا من العدوان عليها؛ سواء بالتعدي عليها الذي يتخذ مظهر التجفيف أو الردم أو إقامة أية منشآت في جسمها أيا كان نوعها، فإن المتبع بحال البحيرة يجد أن التصرفات التي تمت على جسمها خلال عشرين عاما مضت، شوه جمالها، وعطل خيرها، ومنع رزقها، وهي كائن حي، وباتت البحيرة تشكو عدوانًا وظلمًا، كدر صفاءها، وأمات أحياءها، ولوث مياهها، وبدل جمالها إلي قبح لا يسر الناظرين.
أفاء الله ببحيرة مريوط على سكان محافظة الإسكندرية، ولكن - للأسف الشديد - لم يصنها أو يرحمها أحد، بل ظل العدوان عليها مكثفًا سنين عددا، وفي جميع ألوانه وصنوفه ودروبه، حتى غدت البحيرة كائنًا يحتضر يطلب إنقاذًا، وهي في رمقها الأخير، وتوسم المواطنون المدافعون عن نقاء البيئة، فضلًا عن الصيادين العاملين فيها، في الدولة خيرًا يعصم البحيرة من الهلاك، وهي في سكرات الموت، ومن ثم فإن كلمات الرئيس عن عودتها كما كانت، يعيدها إلى سيرتها الأولى نقية بغير سوء، بعد أن أدرك كائناتها الموات، ومُنيت جنباتها بالنقصان والاضمحلال.
أعاد الرئيس السيسي إلي الإسكندرية جغرافيتها، لكي تسترد وبالحسم الجازم عافيتها، ويؤكد أنها ستعود لمكانها ومكانتها، وبالأسلوب الموضوعي المنهجي والمتابعة سيحافظ على تاريخها وهويتها، وكلمات الرئيس في هذا الموقف لها مصداقيتها؛ لأنه أعطى ما أُتي من قوة ليهب لنجدتها، وبلسان الحقيقة، كما سيكون القول الفصل في كلمتها، وأن للحقيقة عدة أوجه قد توافرت أركان الانطلاقة لتقوم من عثرتها.
وجاء الوقت لنجدة بحيرة مريوط، وقد أصبحت بعد كلمات الرئيس وتحرك المسئولين بناء على زيارته من شأنها أن تتحول إلى إضافة لاقتصاديات الوطن، بعد أن كانت فيما مضي مستودع التلوث بكل ألوانه، وما ترتب عليه من انسحاب خصائص البحيرة منها، وتاَكل رقعتها، فأدخلتها الرئاسة إلي غرفة العناية المركزة لاستكمال علاجها من مرضها العضال الذي طال، لتعود مرة أخرى لسيرتها وطبيعتها.
لقد ظلت واقعات التعدي على بحيرة مريوط في عيون الإسكندرية جاثمة، سجلتها ووثقتها عدسة الزمن على ما تم على جسد البحيرة من عدوان، وللعدسة مدلولها ومصداقيتها، وعندما تسجل عدسة الزمن فإن مراَتها تترجم لسطور محسوبة في ظروفها وملابساتها وكلماتها، وإذا رصدت معاول الهدم العشوائي فإن لرصدها حقيقة لها مغزاها ودلالتها وفحواها، وإذا عايشت المراَة أحداثها فإنها تعبر بصدق ما اَل إليه حالها وما نال من قدراتها.
كاتب المقال:
نائب رئيس مجلس الدولة