من أهم ما يميز العمل الإعلامي؛ سواء المكتوب أو المرئي أو حتى المسموع، هو الاستقصاء، وهي مهمة صعبة جدًا لمن يأخذون على عاتقهم الخروج إلى الشارع بحثًا عما يسمى في عرف العمل الصحفي الانفراد، وإن كانت مهمة العثور عليه في هذا الزمن قد تضاءلت بحكم ما آلت إليه تقنيات عصر السرعة ونقلها للأحداث بشكل متسارع..
ما يحدث حاليًا في كثير من برامج الفضائيات، خاصةً برامج الـ"توك شو" هو أن مقدم البرامج يجلس قرابة الساعات الثلاث، وأحيانًا أكثر يحكي ما قرأه الناس على مواقع التواصل الاجتماعي، ويعيد ويزيد في حكايات قديمة يصب عليها بالطبع رأيه، وأحيانًا يستضيف ما يسمى المحلل أو الداعية؛ للأخذ بالرأي في أمور قد تكون انتهت آثارها، وبدأ الناس في التفاعل مع غيرها..
وما يحدث من نقل لأحداث؛ سواء عربية، أو عالمية، دون وعي أو إدراك لخطورتها قد يكون سببًا في وضع القناة ومقدم البرنامج في مأزق يفقد على أثره مصداقيته.. كما حدث من معظم برامج الـ"توك شو" المصرية التي نقلت لقطات لمتظاهرة فرنسية تواجه رجال الشرطة بعبارات لوم لما يحدث منهم تجاه متظاهرين سلميين ..نقلت بترجمة مدسوسة ومغلوطة على أنها تتحدث وتلوم المتظاهرين بالكف عن التظاهر حتى لايحدث في باريس ما حدث للعرب من خراب في بلادهم ..
والمؤسف أنه ما كان يجب نقل هذه الأحداث بهذه الصورة، أو التعليق عليها والمقارنة بين ما يحدث في فرنسا وبين الدول العربية، فهو شأن أوروبي وليس شأنًا عربيًا، وكان يجب التعامل معه بحذر، وبالشكل الخبري الذي تعاملت معه حتى القنوات الفرنسية نفسها، ومنها قناة فرنسا 24 التي حيدت سياستها في النقل، ولم تنتهج نهجًا يسيء إليها كقناةٍ إعلامية لها أهميتها في العالم العربي كونها ناطقة بالعربية..
واللوم الذي وجه للبرامج والقنوات المصرية على تناولها الخاطئ والمبالغ فيه لمثل هذه الأحداث في محله، فلدينا من المشكلات ما هو أهم، ولدينا ما يجب أن تخرج من أجله هذه البرامج لتركز عليه من إنجازات، ومن أحداث تهم الشارع المصري، فما المشكلة إذا خرج مقدم برامج من صومعته ليعرف السبب في غلاء البطاطس، ويذهب إلى الفلاحين، أو التجار أو ينتقل إلى الأسواق في محاولة استقصاء أسباب الأزمة، أو يبحث في سر زحام الشوارع بعد الساعة الرابعة من كل يوم، أو ينتقل إلى مناطق بها سياحة ويلتقي بالسائحين، هناك ما هو مبهج ..كما يفعل الإعلامي محمود سعد في برنامجه "باب الخلق"، ويقدم رؤى جميلة لأماكن أثرية مثل حلقاته عن مسجد السلطان حسن، وتعمقه في تاريخ المنطقة وعلاقة السلطان حسن بالمكان، ركز على نوستالجيا جميلة بها روح الماضي وعبق التاريخ ..
العام ينتهي ولا يتبقى فيه سوى أيام معدودة، وبدون مبالغة على كل مقدم برنامج أن يسأل نفسه ماذا قدم لهذا البلد في عام 2018 من موضوعات تستحق أن يستمر من أجلها، ويبحث كم هو في ترتيب الإعلاميين ليس المصريين ولا العرب؛ بل من يتابعهم الشعب المصري على الفضائيات واليوتيوب في مختلف دول العالم..
فقد صدمت منذ أيام عندما قرأت من خلال متابعات المشاهدة أن عددًا كبيرًا من مقدمي البرامج تراجعت أسهمهم في المشاهدة بشكل لا يصدق!