بعد رجوعي من "مهرجان الأهرام الثقافي" في البحرين بعدة أيام.. قرأت قصة فتاة مصرية مفعمة بالجنون والعبقرية.. جلست الفتاة على حسابها في إنستجرام وكتبت رسالة إلى ناسا تخبرهم فيها بفكرتها المجنونة.
فكرتها بسيطة.. فقبل إطلاق مكوك الفضاء نستغل اللهب الخارج منه في عمل أكبر حفلة شواء في العالم (نضع تحت اللهب شواية ونضع عليها لحم وفراخ وطماطم، ثم نترك الصاروخ يقوم برحلته وبدور الشيف أيضًا).. وسنوفر كثيرًا من الطاقة، وكثيرًا من الجهد وطعامًا لكل عمال وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".
والمعنى.. "صواريخ للفضاء أكثر.. حفلات شواء أكثر".. وتركت سؤالًا لناسا، هل يمكن أن توظفوني نظير تلك الفكرة فقط؟!
وسواء صدقت هذه القصة أم كانت كاذبة إلا أنها ذكرتي بجنون بدايات "مهرجان الأهرام الثقافي" في دورته الأولى، وإقامته في دولة ليبيا الشقيقة.. دولة تئن تحت الصراعات، وتحت تنظيم "داعش" الإرهابي الذي بدأ يتلاشى تدريجيًا، كيف لها أن تنظم مهرجانًا ثقافيًا وليس هذا فحسب بل الدورة الأولى منه.
لكن الصديق أحمد إبراهيم عامر المختص في الشأن الليبي، والممتد العلاقات داخل الدولة الليبية كان مجنونًا بما يكفي ليحلم بكسر الروتين.. وليترأس هذا المهرجان وليلقي بكرة الثقافة داخل الأهرام.. فوافقت الأهرام على فكرته الجديدة.. ثم ألقاها إلى الجانب الليبي ليتلقفوها بموافقة وترحيب وفتح للأذرع والقلوب.
المهرجان في دورته الأولى لقي صعوبات كثيرة من بينها أن الطيران كان متوقفًا إلى ليبيا منذ ما يقرب من 3 سنوات.. عدد الوفود المشاركة في المهرجان.. بالإضافة إلى حداثة تحرير مدينة بنغازي من أيدي "داعش" الإرهابية.. وهناك أيضًا تغييرات في رأس القيادات في مؤسسة الأهرام.
عوامل كلها كانت دافعًا للتحدي والنجاح بدلا من الاستسلام واليأس.. فنجح المهرجان في دورته الأولى نجاحًا باهرًا فاق كل التوقعات؛ بفضل الاستقبال الرائع من الشعب الليبي الشقيق، وهو الحدث الاستثنائي الذي أجبر كل وكالات الأنباء العالمية والعربية علي متابعته يوميًا.
وكما يحدث مع العباقرة والمجانين ظهر في الأفق بعد نجاح المهرجان في دورته الأولى أن هناك دولًا أخرى عربية تنتظر قوة الأهرام الناعمة.. وثقلها الثقافي.. وقد حدث.
ففي آخر يوم من فعاليات المهرجان بليبيا اتصل سفير مملكة البحرين بالصديق هاني فاروق منسق المهرجان يهنأه على نجاح المهرجان متمنيًا أن يتجه المهرجان للبحرين في العام المقبل.
مكالمة دفعت لبداية حلم جديد، ودفعت إلى تحويل فعاليات ثقافية إلى مهرجان ثقافي كبير يلف الدول العربية كلها حاملًا ثقل الأهرام وتاريخها.. ولأن الحكمة تقول: "إن العقلاء قد يحققون أهدافهم أما المجانين فبالتأكيد يفعلون".
كواليس لابد من كشفها.. حكاها لي عامر وهاني.. ففور عودتهما من بنغازي إلى القاهرة بدآ في مناقشة وترتيب الأوراق واتخاذ القرار بكل جرأة أن يتوجها بلا خوف ناحية ملك البحرين شخصيًا.. كما توجهت الفتاة إلى "ناسا" مباشرة بلا خوف.
لأن الجنون يصنع قوة لا يستهان بها.. فرحب الملك وأعطاهما فيما بعد 70 دقيقة كاملة من وقته وفي قصره شخصيًا.. فظهر المهرجان الثاني في المنامة، والذي لاقى نجاحًا لا يقل عن سابقه الأول..
لا تتوقف عن الجنون ولا عن التمسك بحلمك، وعن قوتك الناعمة الكبيرة.. بفضل الجهد نصنع النجاح.. وبفضل الإصرار نقضي على العقبات.. وقد كان.