يقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" يعلمنا النبي في هذه الكلمات الجامعة المانعة فضيلة الرجوع عن الخطأ والاعتراف به، وضرورة معرفة أسباب الخطأ حتى نتجنبه ويكون بداية طريقنا إلى الصواب، وأنه ليس هناك خطأ أكبر من عدم الاعتراف بالخطأ.
ولكن يبدو أن الإصرار على الفشل وعدم الاستفادة من الأخطاء أصبح عادة مصرية بامتياز، وما أكثر الأخطاء التي نراها تتجدد وتحدث في كافة نواحي حياتنا، والتي تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أننا لا نتعلم أبدًا من أخطاء الماضي، ولا ندرس أسبابها، وإنما نواصل الأخطاء وبشكل أكثر كارثية.
وكأن المسئولين عندنا أدمنوا الخطأ إما لأنهم يعرفون أنه لن يحاسبهم أحد، أو أنهم يعملون بقاعدة" كل شيء ينسى بعد حين"، وأن ذاكرة المصريين من كثرة الأخطاء أصابها مرض عدم المحاسبة، فأصبح هؤلاء المنتفعون بخيرات مصر وناهبو ثرواتها، لا يقيمون وزنا لآمال وأحلام وتطلعات المصريين، بل يتاجرون بها، وعندما تقع الكارثة يكتفون بالتبرؤ منها، وتعليقها على شماعة الظروف.
ويتناسى هذا الصنف من المسئولين- وللأسف هم كثر- أبسط القواعد في الاستفادة من الأخطاء، بل ويتجاهلونها وكأنها غير موجودة في حياتنا منها مثلًا قول إرنست هيمنجواي "إذا عرفنا كيف فشلنا نعرف بالضبط كيف ننجح".
تاريخنا في الفشل يؤكد ذلك، و"صفر المونديال" ليس ببعيد، فبرغم هذا الصفر المدوي، وفضيحتنا في الفشل التي كانت على مرأى ومسمع من العالم، في عام 2004، حققنا صفرًا أحدث في كأس العالم 2018 في روسيا، وأكدنا أننا لا نتعلم، بل ونصر على الفشل.
ففي عام 2004 تلقى الشعب المصري صدمة كبيرة للغاية هبطت بمعنوياته من "سابع سما" إلى "سابع أرض"؛ حيث خيم الإحباط والحزن على مصر بعد إعلان الفيفا عن الدولة الفائزة بتنظيم مونديال العالم 2010، والتي كانت تتنافس عليه مصر مع المغرب وجنوب إفريقيا، فبعد التطمينات الحكومية؛ بل والتي وصلت لحد الاحتفالات، كان الأمر محسومًا من قبل تحت شعار "لا منافس أمام «تاريخ وحضارة» مصر" - وهذه حقيقة لاشك فيها- إلا أن الفضيحة كان صداها أقوى بكثير فكانت على مرأى ومسمع العالم كله، بعد الإعلان عن حصول مصر على أكبر "صفر" في تاريخها وهو "صفر المونديال".
حقًا كانت المنافسة صفرية فكان الفراعنة خارج الحسابات، ولم نحصل على صوت واحد وحصلت جنوب إفريقيا على 14 صوتًا، وخسرت المغرب بحصولها على 10 أصوات فقط.
ولعل هذه الفضيحة كشفت عن الكثير من الفشل والإصرار عليه، فأن تكون لديك الإرادة والعزيمة على الإنجاز والتطوير من ذاتك والاستعداد الجيد حتى وليس الممتاز من أجل الفوز، أمرًا تستحق عليه التحية، ولكن أن يكون ذلك في الفشل فهذا غير مفهوم تمامًا، فقد تلقت مصر وقتها توسلات عديدة من محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي، من خلال المسئولين عن الكرة القابعين في مبنى الجبلاية لسحب الملف خوفًا من الفضيحة، لكنهم لم يبالوا؛ بل اعتبروه خائنًا، وازداد العناد وكانت النتيجة فضيحة صفر المونديال.
وسرعان ما خرجت التبريرات لتخفف من شدة الصدمة والفضيحة، ولحفظ ماء وجه الحكومة وقتها، إذ وجدنا أحاديث عن ابتزازات ورشاوى عُرض على مصر دفعها لحسم استضافة البطولة للقاهرة، دون الالتفات بشكل واضح إلى الأسباب الحقيقية أو حتى المعلنة للأمر..
فقد تبين كذب الحكومة المصرية وقتها في كثير مما ساقته لنا وللاتحاد الدولي لكرة القدم، في ملفها الترويجي الذي غلب عليه طابع البدائية والهواة، إلى جانب التبريرات التي تلت الفضيحة، حيث أكد الاتحاد الدولي لكرة القدم أن الطرق والخدمات والإدارة المصرية لا تصلح لتنظيم مثل هذا الحدث.
واكتفينا وقتها بغلق الملف ولم نحاسب أحدًا رغم أن تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات، أكد أنه تم إهدار 43 مليون جنيه، منها 32 مليون من جهات حكومية و11 مليونًا من جهات خاصة، وتنظيم حملة إعلانية ضخمة لشحذ الهمم والطاقات، والارتفاع بالشعب المصري لأعلى سقف ممكن من الطموحات، حتى أصبح كثيرون معلقين بهذا الأمل، ثم حدثت الصدمة والخيبة.
ومرت السنوات وتكررت الخيبة أو الصدمة، وحدث صفر المونديال مرة أخرى وحصلنا على صفر في كأس العالم بروسيا بعد الخروج من دور المجموعات لبطولة كأس العال، وتم إلقاء المسئولية بالكامل على عاتق " كوبر" وتم التخلص منه بدلا من محاسبة مجلس إدارة اتحاد الكرة على الفشل في المونديال، وعدنا كما يقولون إلى المربع صفر، ولم نجد بيننا من يعترف بفشله ونرجع هذا الفشل دائمًا لعوامل خارجنا.
[email protected]