Close ad

ولا عزاء للعلماء....!!

2-7-2018 | 23:52

في صمت يعملون .. يبحثون.. يكتشفون.. ويكشفون .. ويجرون تجاربهم.. صامدون في معاملهم.. صامتون في مختبراتهم.. يبدعون ويخدمون الإنسانية... ويصلحون في الكون بصورة أو بأخرى.. إنهم العلماء وأهل العلم.. الذين يفيدون البشرية.. لا تعنيهم الأضواء ولا كاميرات الإعلام.. ولا الشهرة ولا ثرثرة الميديا.. ينكرون أنفسهم.. يقدمون نتائج أعمالهم.. لا ينتظرون جزاءً ولا شكورًا... إلا إصلاح أحوال الناس في العالم..

العالم الذي اكتشف الأسبرين، طار اسمه مع الأثير وتبخر وبقي اكتشافه يسعد الملايين، ومكتشفو المصباح الكهربائي والبنج والهاتف والفاكس والذرة والموبايل والإنترنت والصاروخ.. والطاقة والبخار ومئات الاختراعات تبخرت أسماء أصحابها من العلماء.. مع أنهم أمام أعيننا وبين أيدينا ومن خلفنا لكننا لا نبصر.. فقط... هم الذين أصفهم بكل يقين إنهم أولياء الله الصالحون المصلحون النافعون لكل العالم في كل زمان ومكان وكل عصر وأوان.

أقول قولي هذا وأنا أرفع حاجب الدهشة إزاء موقف من عالم مصري، وقد رحل في صمت بدون أن يدري أحد، ولولا أن «بيل جيتس» نعاه لما عرف أحد بخبر رحيله، إذ غرد جيتس لينعي هذا العالم ويؤبنه، و يشيد بإسهاماته الجليلة التي أنقذت الملايين من البشر، وخاصة الأطفال.

 والعالم المصري عادل محمود، هو طبيب متخصص في الأمراض المعدية، ساهم في إنقاذ حياة الملايين عن طريق إنتاج لقاحات ضد فيروسات قاتلة..مثل «فيروس الورم الحليمي البشري» المسبب لسرطان عنق الرحم، و«فيروس الروتا» المسبب للإسهال عند الرضّع، وهو أحد رواد أبحاث اللقاحات والأمراض المعدية في العالم، وقد رحل عن عالمنا قبل أيام إثر نزيف دماغي عن عُمر يناهز 76 عامًا.

ويعتبر «محمود» من أبرز العلماء في المجال الأكاديمي والطبي في الولايات المتحدة الأمريكية، وعبر الكثير من الأطباء والباحثين الأجانب عن حزنهم لرحيله عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعبارات تعكس مكانته وإنجازاته وسطهم.

في عام 1968، سافر إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراسته، وحصل على شهادة الدكتوراه للمرة الثانية عام 1971 من كلية لندن للصحة والطب المداري، وركز خلال رسالة الدكتوراه على دراسة الحمضات، وهي نوع من خلايا الدم البيضاء، بهدف مكافحة الديدان الطفيلية، من بعدها سافر الراحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1973، من أجل استكمال دراسته والعمل هناك.

انضم إلى جامعة «كيس وسترن ريسرف» الأمريكية، كمدرس جامعي مساعد، وسرعان ما أثبت كفاءته وعُيّن رئيسًا لقسم الطب هناك (1987-1998)، وكان للدكتور دور فعّال في الجامعة، حتى أنه ترك تأثيرًا بين الطلاب في الجامعة، وأشادت عميدة الطب في الجامعة ذاتها، باميلا ديفيس، بأداء البروفيسور ودوره بالجامعة، قائلة: «كان ذكيًا في التعامل مع المشكلات بدرجة تفوق الطبيعي حتى أن العالم صار مظلمًا بعد غيابه» بعد تلك السنوات بالجامعة، رغب البروفيسور في استكمال نجاحاته بالبدء في مرحلة جديدة، وهي العمل ضمن إحدى شركات الطب كرئيس لقسم اللقاحات عام 1998.

وكان لـ دكتور «محمود» دور فعّال في تطوير اللقاحات والتسويق للعلاج، ومن بين الأدوية التي طوّرها، علاج أمراض المعدة والحصبة الألمانية، حتى أن الشركة أطلقت إحصائية في 2017 تؤكد بيع 500 مليون جرعة من اللقاحات التي طورها البروفيسور، على مستوى العالم، وعلّق رئيس مجلس إدارتها كين فرايزر، بعد رحيله: «كان شخصية محبوبة، وترك تأثيره الكبير في مجال الطب على مستوى العالم، بل وله الفضل في إنقاذ وشفاء العديد من الرضع والمراهقين، ويعتبر من الشخصيات القليلة التي تركت بصمتها في الطب عالميًا».

وفي 2006، تقاعد البروفيسور من العمل بالشركة، وعاد إلى الدراسة الأكاديمية مقدمًا النصائح إلى أبناء جامعة «وينستون سالم ستيت»، الواقعة في ولاية نورث كارولينا الأمريكية، وكان يقدّم المشورة السياسية أيضًا، لذا أشاد الدكتور أنطوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، التابع للمعاهد الوطنية للصحة، برأيه السياسي: «كان من أوائل الشخصيات التي تتجه إليه للحصول على النصائح السياسية بأصعب القضايا».

وفي هذه الأجواء استدعي عبارة مثيرة للأسى: (كلمة واحدة رقيقة أصغي اليها حيا، خير عندي من صفحة كاملة، كلها تمجيد في جريدة كبرى حينما أكون مت ودفنت) تراودني كثيرا هذ الكلمة المسكونة بالشجن، والمشحونة بالحزن، للفليسوف الفرنسي (فولتير) كلما رحل مفكر أو عالم أو كاتب أو باحث، لاسيما في هذ الآونة التي تشتعل بها الفضائيات ووسائل الإعلام بأخبار المطربين والمغنين الذين يصدعوننا ليل نهار، وما دون الليل والنهار.

يموت العالم أوالمفكر فلا يشعر به الناس.. إلا قليلا ، ويمرض المطرب أو الممثل بنوبة برد أو صداع، فتقوم الدنيا ولا تقعد! يعيش المفكر فقيرًا ويموت فقيرًا، في حين يظهر ممثل شاب لا يتجاوز عقده الثاني من العمر، ولم يقدم إلا فيلمين، وتحقق أفلامه إيرادات بالملايين، وأعرف قادة فكر، ومفكرين كبارًا، وعلماء أفذاذًا، في أكثر من دولة عربية يتضورون جوعًا ماديًا ومعنويًا.. ولولا خشيتي من الله لذكرت أسماءهم.

أعرف كثيرًا من العلماء والمخترعين والباحثين الذين أفنوا أعمارهم من أجل العلم، وعاشوا حياتهم البائسة وبالكفاف! إنها مفارقات تجعل الرأس يشتعل شيبًا قبل المشيب بسنوات..إنها مضحكات مبكيات...

يموت (العالم) الذي خدم الإنسانية بعلمه ولا تزال تنتفع به، فلا نبكيه ولا حتى نتباكى عليه.. ويموت (الممثل) فنرسل الدموع عليه أمطارًا وأشجارًا وأنهارًا.. ويموت (المفكر) الذي أنار النفوس بأفكاره ومؤلفاته فلا يذكره أحد مجرد ذكرى، بل نحمد الله أنه خلصنا منه ومن أفكاره، ويموت (المطرب) فنوقف دوران الأرض حزنًا عليه، ونقيم له سرادقات العزاء في كل عام مرة أو مرتين! ويموت الكاتب بين أوراقه وكتبه حيًا وميتًا، فلا يشعر أحد كأن شيئًا لم يكن.. يسألونك عن العلماء.. فلا تعرف حتى أسماءهم.. في حين نعرف أدق خصوصيات الفنانين والفنانات، والراقصين والراقصات والمطربين والمطربات، والممثلين والممثلات، الأحياء منهم والأموات، نتابع الشاشات والوجوه والأجساد والملكات والمانيكانات والطبالين والزمارين وأصحاب الأقنعة السياسية والمجتمعية.. والذين يخدرون الناس..

ويا علماء العالم ومفكريه.. لا عزاء لكم.. فالأضواء ليست لكم.. لكن عمركم أطول.. وأثركم أبقى..

نعم.. إن من يهز وسطه ينال أضعاف من يهز عقله..!!!

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: