بلطجة.. أفضل وصف ينطبق على سلوك وقرارات الإدارة الأمريكية الحالية وحليفتها الإستراتيجية إسرائيل، أو بمعنى أدق بلطجة إسرائيلية تتبع نهجها شقيقتها الكبرى أمريكا وتنفذها بحذافيرها، وتتضح جليًا في الإعلان الأخير للإدارة الأمريكية بقطع أكثر من نصف معوناتها عن الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا".
وعن بلطجة الحليفتين قل ما شئت في ممارساتهما من الهيمنة ونفوذ المال والسلاح، والتي تتصاعد بشكل فج خاصة بعد إعلان توحد هدفهما، وإتمام عقد زواج رسمي بينهما، وهذا وفقًا لما صرّح به ترامب خلال ترشحه للرئاسة أمام منظمة إيباك اليهودية، في أن ولاءه المطلق للدولة اليهودية خاصة بعد اعتناق ابنته إيفانكا الديانة اليهودية وزواجها من رجل الأعمال اليهودى كوشنر والمسئول حاليًا عن ملف الشرق الأوسط في إدارته.
وقال ترامب إن كل ما يفعله من أجل إسرائيل، ولأجل مستقبل حفيده اليهودي من ابنته إيفانكا، وأسرد في كلمته أمام المنظمة اليهودية، أنه سيعارض أي محاولة من الأمم المتحدة لفرض إرادتها على إسرائيل، وأكده ما نُشر في صحيفة نيويورك تايمز أن "شيلدن أدلسون" الملياردير اليهودي وصديق نتنياهو والمغدق على الجمهوريين من جيبه، إن ترامب طلب خلال حملته الانتخابية مساعدات مالية من أدلسون في مارس 2016، وقد وصل دعمه للحملة إلى 20 مليون دولار، ووقتها قطع ترامب وعدًا معه للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وبنقل السفارة الأمريكية إلى القدس حال فوزه، وتم ذلك أمام آخرين من أصحاب المال والنفوذ من اليهود والمسيحيين الأصوليين الداعمين لإسرائيل.
وبمجرد وصول ترامب إلى البيت الأبيض توالت قراراته لمناهضة إجراءات المنظمات الدولية التابعة لهيئة الأمم المتحدة، منها سحب عضوية الولايات المتحدة من اليونيسكو لعدم اعترافها بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، ثم الفيتو على قرار مجلس الأمن بالاعتراض على إعلان نقل السفارة الأمريكية والتي تبنته مصر، والتهديد بمنع المساعدات للحكومة الفلسطينية، وأخيرًا قرار إدارته بحجب 65 مليون دولار عن منظمة "الأونروا".
وبرر مسئول إدارته الأمريكية قرار الحجب، بأن الوكالة الدولية بحاجة إلى إعادة تقييم، وعلى الرغم من ذلك تحدث الناطق الرسمى للوكالة أنها مستمرة وملتزمة برعاية اللاجئين الفلسطينيين، ولم تتركهم لوحدهم في مواجهة معاناة العيش، ويمثل عدد اللاجئين الفلسطينيين أكثر من 5.9 مليون لاجئ التي تقدم الوكالة خدماتها لهم، من خلال مدارس وعيادات طبية، وأن إجمالي ميزانية المنظمة تبلغ 1.3 مليار دولار وحصة الولايات المتحدة فيها تبلغ 300 مليون دولار، ويعيش هؤلاء اللاجئون الفلسطينيون معاناة غاية في الصعوبة، وتتفاقم حدتها في قطاع غزة والضفة الغربية وفي مخيمات الشتات بسوريا ولبنان، ويتوقع المراقبون أن تشهد وضعًا مأساويًا في الفترة المقبلة.
وهذا ما أعلنه المفوض العام للأونروا "بيير كرينبول"، وحث المفوض العام على إطلاق حملة تبرعات عالمية خلال الأيام القادمة، للحفاظ على منشآت الوكالة الدولية، ويأتى قرار تقليص الدعم الأمريكي خلال تردي الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني بشكل لم يسبق له مثيل؛ نتيجة الممارسات العنصرية للاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وما يقوم به بشكل ممنهج لتدمير فكرة إقامة دولة فلسطينية.
وحاليًا تتصارع خطواته نحو سياسة التهويد بتهجير الشعب الفلسطيني من خلال هدم المنازل ومصادرة الأراضي، ويتزامن الحجب في وقت لا يجد غالبية الفلسطينيين أي فرص للعمل، ولا يستطيعون التحرك للبحث عن عمل بسبب انتشار الحواجز الأمنية، وكذلك يأتي في ظرف ترتفع فيه نسبة وفيات الأطفال الرُضّع في غزة لأعلى مستوى منذ 50 عامًا، وبالطبع عبّر رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو عن امتنانه للقرار الأمريكى، لكي يتسنى له مزيدًا من الضغط على الإدارة الفلسطينية للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وفي ظل هذه الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتتالية على الشعب الفلسطينى المحاصر لابد أن تتحرك جامعة الدول العربية في أسرع وقت لإنقاذ الشعب الفلسطيني ومضاعفة ميزانية الوكالة الدولية الحالية، بدلا من 1.5 مليار دولار لا تكفي لمواجهة معاناته المتزايدة.