إياكم والاستخفاف بكارثة الأمية، وخطورتها لا تقل بأي حال عن كارثة الإرهاب، فهما وجهان لعملة رديئة، فما يبذل من تضافر للجهود، وإنفاق موارد مالية باهظة لمواجهة الإرهاب، يمكن تداركها وترشيدها حين نتصدى لتفشي الأمية، فباعتراف هيئات دولية كمنظمة "اليونسكو"، ومنظمة "الالكسو" العربية، أن الأمية خطر يهدد كيان الأمة العربية.
وتعد نسبة الأمية في الوطن العربي أعلى نسبة على مستوى العالم، وحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإغاثي، مع تعاون مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، فإن الأمية تشكل عقبة رئيسية أمام العالم العربي، حيث يوجد 60 مليونًا لا يستطيعون القراءة والكتابة، ويمثلون ثلث عدد البالغين، وتذكر التقارير، أن مصر تتصدر قائمة الدول العربية.
ولك أن تتخيل حال الأميِ عندما يتلقى أي رسالة خاطئة، يتحول الأمر إلى كارثة، وينذر بأضرار بالغة على المحيطين به، والنماذج الفاسدة في واقعنا الحالي لا تعد ولا تحصي، بسبب انتشار لغط الفضائيات، وغياب المهنية، فمثلا كلام يوسف زيدان المحشو بالمغالطات التاريخية عن حقارة صلاح الدين الأيوبي، وأنه كان سفاحاً، وأباد سكان حي المنصورة، وأنه من وطّن اليهود في القدس، مع أن يهودا أقروا حين وفاته عدم وجود يهود سوى يهودي واحد، وأهال أيضًا التراب على عرابي، ونعته بالخيانة، ومثال آخر من كلام بعض المتنطعين بالتشكيك في صحيح البخاري، فإذا وصلت تلك المهاترات الي مسامع هذا الأميِ البائس، بالطبع سوف يفقد الثقة في كل قدوة، وفي كل رموز أمته التي طالما يفتخر بهم، ويصبح صيدًا سهلاً يمكن التلاعب بعقله وانقياده للفكرالمتطرف.
وقد بلغت نسبة الأمية في مصر إلى 25.8%، في تعداد عام 2017، وبالأرقام تساوي 21 مليونًا و900 ألف أمي، وأضف إليها التسريب من التعليم، ووصل عدد المتسربين الـ 5 ملايين، و986 ألف مصري، وتتناقض الأرقام في رصد حقيقة نسبة الأمية، ولكن الحقيقة تشير إلي دلالات مزعجة عن توابع تلك القضية الكبرى، ويصفها الخبراء بقضية أمن قومي ووطني، بمعنى أنه لابد التعامل معها بجدية وحرفية، وخاصةً ونحن في تلك الآونة الصعبة، ومعاناتنا من مشكلة غياب الوعي، وتلاعب جميع قوي العالم بمقدراتنا وبموروثاتنا الثقافيِة والحضاريِة، ووفقًا لدراسات المراكز البحثية، أن تفاقم أزمة الأمية تدفع نحو المزيد من عدم الاستقرار، وعدم المساواة، وإلي ارتفاع نسب الفقر.
وبمعني آخر، أن الأمية تؤدي إلي البؤس، وهو مجموع حاصل الفقر والجهل والمرض وغياب العدالة، والسؤال، ماذا ينتظر المجتمع من الأميِ إلا الانسحاب إلى الخلف، ورداءة الإنتاج، واستحالة ارتقاء المنتج المصري إلي الجودة العالمية، وإلى منافسة الأسواق الدولية، والشخص الأميِ لا يسعى إلا إلى الاستهلاك، ويتعامل مع المعطيات بسطحية، ويغيب عنه الإبداع، وللأسف إذا استقبل فكرة خاطئة يصبح من الصعوبة محوها، ويترتب عليها معتقدات ومفاهيم غاية في السوء، وتقفز هنا مشكلة أخرى، وهي استعانة رجال الأعمال بالعمالة الآسيوية المدربة، وهو ما يحدث منذ فترة بعيدة، مما يزيد من ارتفاع نسبة البطالة، ووسط هذه التبعيات، يقول أحد القائمين على محو الأمية، إن الحكومة ألغت مكافآت 40 ألف معلم لمحو الأمية في موازنة 2017.
وتشير الجهود المبذولة، إلى أنها مازالت تواجه التقصير، وأن الأمية في الوجه القبلي ترتفع في كل عام عن مثيلتها في الأقاليم الأخرى، مع أن الخبراء قدموا حلولاً ومبادرات عديدة، وغير تقليدية للقضاء على الأمية، ومنها مبادرة انطلقت في إحدى محافظات الصعيد تحت مسمي "إعداد مواطن متعلم قادر على تنمية ذاته ومجتمعه"، ونتمنى لها الاستمرار مع صدق النوايا والإخلاص، ولنا أن نقتبس تجربة "كاسترو" في كوبا لمحو الأمية، وفي تجربة البرازيل على تشجيع القراءة حتى مع المسجونين؛ حيث وضعوا مشروعًا ينص على قراءة السجين لكل كتاب جديد يعفيه من قضاء أربعة أيام من فترة العقوبة، وتلك الشعوب أدركت أن حلم الرفاهية يتحقق بالتعلم.