Close ad

شجاعة الرجال وسد الذرائع

1-1-2018 | 01:00
المخططون والمنفذون لهجوم كنيسة "مارمينا" بحلوان الجمعة الماضية، كانوا يتأهبون لتلقي التهاني بعد إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا من المصريين، فهم خرجوا من جحورهم لتعكير صفو حياة المصريين مع استقبال عام جديد وأعياد الميلاد، واختاروا يوم الجمعة الذي يصلي فيه المسلمون والمسيحيون لربهم في أوقات متقاربة، لكن كانت بانتظارهم مفاجأة من العيار الثقيل لم تكن على بالهم وفي خاطرهم.

فهم ظنوا أن مباغتتهم للآمنين ستفقدهم توازنهم وقدرتهم على الرد ومعهم قوى الأمن، غير أنهم لم يضعوا في حساباتهم الشيطانية أن مواجهتهم ستكون معقدة مع وجهي عملة واحدة، هما الشرطة والمواطنون، اللذين قدما لوحة رائعة جسدت معاني الشهامة والشجاعة والرجولة والتلاحم الوطني في أجلى صورها وأبهى مظاهرها.

الشرطة تصدت للإرهابيين، وحالت يقظة عناصرها دون حدوث كارثة مروعة، كانت ستخلف وراءها ربما عشرات القتلى والمصابين، في الوقت الذي عاونها فيه المواطنون ليبعثوا برسالة بالغة الدلالة والقوة، هي أن نسيج هذا الوطن غير قابل للانكسار والانشطار إلى جزءين يقفان على طرفي نقيض يتبادلان العداوة والبغضاء.

المصريون قالوا كلمتهم الفصل للبعيد والقريب، وأنه لا مكان ولا مجال لمَنْ يحاول شق صفهم على أساس طائفي أو ديني، أو يُحدث فجوة بينهم وبين الشرطة المدنية المنوط بها حماية ظهر ومصالح جموع بني وطنهم، وقدمت ـ ولا تزال ـ جهودًا وتضحيات جبارة لا تنكر في الحرب ضد الإرهاب بالتعاون مع القوات المسلحة.

هذا الجانب، على وجه الخصوص، ينبهنا إلى ضرورة سد المنافذ أمام كل ما يمكن أن يتخذه البعض مدخلًا وذريعة لإثارة الفتنة الطائفية، لا سيما فيما يخص القضية الشائكة المتعلقة ببناء وإصلاح الكنائس التي حدد القانون ضوابطها وشروطها، وأعلم جيدًا قدر حساسيتها وتعقيداتها، وأخشى ما أخشاه أن تفسر مواقف بعض الشخصيات الوطنية على غير ما تحمله من معانٍ ومقاصد تبغي المصلحة العامة، في وقت نجابه فيه كمجتمع بمختلف فئاته وطوائفه الخطر نفسه بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية.

الصديق العزيز الدكتور عماد جاد، على سبيل المثال، شخصية شديدة الوطنية لها إسهاماتها المقدرة على الصعيدين السياسي والفكري، ويتفاعل مع الأحداث الجارية التي تمس الأقباط، وآخرها ما جرى في أطفيح، بكل جوارحه وبشكل يبدو في نظر بعضنا شديد الانفعال؛ مع أنه في واقع الأمر كل غرضه تمتين أسس دولة المواطنة.

لكنني، ومع يقيني التام من نبل ونزاهة مقصده، اختلف معه في الجزء المتصل بتحامله على الأجهزة الأمنية، وتحميلها مسئولية عرقلة بناء الكنائس في هذا التوقيت الدقيق والصعب.

ابتداءً، لا أحسب أن الأجهزة الأمنية لديها اعتراض على بناء الكنائس مادامت مستوفية الشروط القانونية، وحاصلة على التراخيص اللازمة، فدور العبادة لابد من اتخاذ تدابير واستعدادات لتأمينها بالشكل المناسب، وهو ما يستلزم معه حصولها على ترخيص، فلا مصلحة للأجهزة الأمنية في إعاقة تشييدها، فدولة القانون التي نحرص جميعًا على ترسيخ قواعدها تحتم تحديد أطر إجرائية يتعين على الجميع الالتزام والاقتداء بها بدون نقصان ولا زيادة، فالدولة في أعلى مستوياتها كانت واضحة وضوح الشمس فيما يخص مبدأ المواطنة؛ وليس أدل على ذلك من بناء كنيسة في العاصمة الإدارية الجديدة تعد الأكبر، وستكون صرحًا نفتخر به كمصريين إلى جوار مسجد كبير.

نحن الآن في وقت يتطلب منا عدم ترك مساحة يُنفذ منها النافخون في أبواق الفتنة وشق الصف الوطني، فنحن جميعًا على متن قارب واحد، هدفنا حمايته وإيصاله لبر السلامة والاستقرار، وأذكركم بالمقولة البليغة والصادقة للبابا الراحل شنودة: "مصر ليست وطنًا نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا".
كلمات البحث
اقرأ أيضًا: