يبدو أن هناك من يحاول باحتراف تهيئة الأرض لإشعال فتنة طائفية، فأحداث المنيا وبني سويف، برغم اتخاذ الإجراءات القانونية بصددها والابتعاد عن حلها بالجلسات العرفية، إلا أنها تستخدم كمادة للتعريض بحال المواطنة في مصر وتسويق أن هناك تفرقة في التعامل.
وذلك عندما يكون هناك خلاف بين مصريين أحدهما مسلم والآخر مسيحي، ويصل الأمر إلى مظاهرات أمام البيت الأبيض، وتصعيد في وسائل الإعلام العالمية، وكذلك في المنتديات وحسابات التواصل الاجتماعي.
اللافت للنظر في هذا الأمر أيضًا، أن هؤلاء تجاوزوا الكنيسة ووجهة نظرها في التعامل مع الموقف، محاولين القفز على الثوابت الوطنية، متخيلين أن هذا الأمر سوف يؤدي إلى إنهاء مثل هذه الأحداث.
والحقيقة أنه بمراجعة تفاصيل الأحداث، نرى أن بعضها حوادث فردية يتم تصيعد الخلاف فيها بشكل ممنهج هدفه إثارة البلبلة، كما أن تطور الأحداث فيها لا يتناسب مع حجم السبب الرئيسي للواقعة الأصلية.
إن القانون وحده هو الذي يمكنه معالجة الأمر، وهو ما يحدث فعلًا، أما إذا تجاوزنا القانون، واستخدمت الدولة إجرءات استثناية، فسوف يؤدي هذا إلى احتقان شديد، وهو ما يطلبه دعاة التطرف في كلا الجانبين.
إن أوضاع الأقباط في مصر لا يمكن أن تكون نموذجًا لتجاهل الدولة فصيلًا عن آخر، فهذة الكنائس التي ترمم، والتعويضات التي تدفع ليست إلا التزام من الدولة تجاه أبنائها، ودليل على اهتمامها بهم وليست منة، فهو حق أصيل يؤدى إلى أصحابه إلى غير ذلك من سرعة التعامل مع الأحداث واستخدام القانون في حساب المخطئ.
إن الذين ينفخون بشدة في تلك الأحداث، لا هدف لهم إلا إشعال فتنة لن تشتعل أبدًا فالعقلاء كثيرون، وأما إذا شتعلت الفتنة، فسوف تحرق الجميع، وتأخذ الوطن خطوات إلى الوراء، في وقت نبحث فيه عن فرصة لنخطو إلى الأمام وسط تحديات داخلية وخارجية صعبة، تتطلب التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، وليس ترسيخ الفرقة والشقاق.
المصريون يعيشون معًا في أمان في كل شارع وحي وقرية، البيت إلى جوار البيت، الخلاف وارد المشاجرات عادية تحدث بين الناس لأتفه الأسباب، ولكن هذا لا يعني أبدًا أن نأخذ هذا إلى التعريض بأحوال المواطنة في مصر.
إنني متاكد من أن العقلاء قادرون على كبح جماح تلك الدعاوى وتحطيم الآمال الخبيثة لهؤلاء الذي يسعون إلى الخراب، وليس إلى إصلاح خلل وراد يقع في نسيج المجتمع، لذا فإن علينا الآن أن ننظر بعين أخرى إلى تلك الأحداث، نحاول أن نتحقق من أنها ليست مكائد يستخدم فيها أبناء الوطن الواحد لإيذاء بعضهم بعضًا.