Close ad

بالفيديو.. "بوابة الأهرام" تبحث وسط أكوام الخردة عن أسباب إغلاق مصنع أبوزعبل للصلب.. ولماذا تجهض محاولة عودته؟

29-11-2015 | 16:19
تحقيق- محمد جمال العزالي
انفجارات في كل مكان، وصواريخ تتساقط على المصنع الشهير، في وقت كان الكل منهمكًا في تصنيع أجزاء حائط الصواريخ، الذي طلبه الجيش؛ ليتمكن من حماية مدن القناة من الغارات الإسرائيلية.. إنها الغارة التي نفذتها إسرائيل على مصنع أبوزعبل عام 1970 في يوم الثاني عشر من فبراير، مما أسفر عن استشهاد 86 عاملًا ومئات الجرحى الذين ضحوا بحياتهم فداء للوطن.

بصوت مملوء بالفخر، تحدث الحاج حسن أحمد وهو أحد العاملين بالمصنع سابقاَ، وكان متواجدًا خلال الغارة الجوية، "كنت مشاركًا في هذا الصرح العظيم الذي كان يصل الليل بالنهار؛ لإنتاج الحديد المستخدم في بناء حائط الصواريخ لصد هجمات إسرائيل الجوية، والذي كان أحد أهم أسباب النصر في حرب أكتوبر".

يجفف الحاج حسن دموعه ويكمل، "خلال دقائق قليلة تحولت خلايا النحل التي كانت تعمل بالمصنع إلى أشلاء متناثرة في كل الأرجاء، وفجأة بعدما كان المصنع ممتلئًا بعربات نقل الحديد، تحول إلى مَوقَف لسيارات الإسعاف تحمل الجرحى للمستشفيات، وعلى الباب أصوات بكاء المئات من أهالي العاملين يسألون عن مصير أبنائهم.

وتابع حديثه، "برغم حجم الكارثة إلا أن المصنع تمكن خلال 30 يومًا فقط من العودة للإنتاج مرة أخرى حتى تم النصر.

في عام 1998، وبدون أسباب واضحة تم إغلاق هذا الصرح العملاق، وتسريح العمال ليتحول إلى خرائب مملوءة بأطنان الخردة، وبقايا الماكينات المعطلة.

برغم التشديدات الأمنية على مداخل المصنع تمكنت كاميرا "بوابة الأهرام" من التجول داخل المصنع لنكتشف هول الأزمة.. عنبر بداخله فرن إنتاج السحب الآلي يستخدم لصب الحديد، تقدر قيمته بـ 5 ملايين جنيه، أصبح شبيهًا بمقبرة ضخمة.. وبعدها بأمتار قليلة فرن التسخين، الذي تحول إلى مسكن للكلاب الضالة والخفافيش.. وبجواره وحدة درفلة آلية تؤوي الغربان والفئران، وأصبحت ملامحها لا تُرى من كثرة تراكم الأتربة عليها.

أما ورش الإنتاج فهي خالية منذ أكثر من 15 عامًا، فيما تعرضت خطوط الإنتاج اليدوي للدمار، حيث بيع جزء منها والباقي تعرض للسرقة والنهب من قِبل اللصوص، حيث انقطع التيار الكهربائي عن المصنع منذ ثلاثة أعوام تقريبًا، وتحولت محطة الكهرباء الموجودة بالمصنع، والتي تم إنشاؤها بالمشاركة مع هيئة كهرباء مصر بقدرة 100 ك.فولت\أمبير إلى مخبأ للطيور والحشرات.

تشير الإحصاءات إلى أنه عند إغلاق مصنع حديد أبوزعبل كانت خطوطه تقدم إنتاجًا مطابقًا للمواصفات العالمية (الأمريكية – اليابانية – الفرنسية – الإنجليزية) بكمية أكبر من 150 ألف طن سنويًا وهو رقم كبير بالنسبة لتلك الفترة.


هنا تتبادر عدة أسئلة، إذا كان المصنع يعمل بهذه الكفاءة.. لماذا توقف عن العمل؟ ولماذا في هذا التوقيت تحديدًا، الذي بدأت تنشط فيه كيانات خاصة في هذا المجال؟

لعل توقيت الإغلاق يثير الريبة، حيث إنه تزامن مع نشاط متصاعد لإحدى الشركات الخاصة المنافسة، وهي حديد عز (العز لصناعة حديد التسليح سابقا)، والتي تأسست في 2\4\1994 أي قبل إغلاق المصنع بأربع سنوات فقط.

يقول المهندس إبراهيم سالم محمدين وزير الصناعة الأسبق والرئيس السابق لمجلس إدارة شركة الإسكندرية الوطنية للحديد والصلب (الدخيلة) في حوار سابق لـ"الأهرام" نشر في 5 أبريل 2011 إن الفترة التي تلت عام 1997 شهدت منافسة شديدة بين شركات الحديد، وكان مشروع "حديد عز" في مراحل إنشائه، وأن البنوك أحجمت عن المشاركة بفعالية في تمويل شركته (الدخيلة) بناء علي تعليمات مباشرة من الدكتور يوسف بطرس غالي وزير الاقتصاد السابق، وأن الحكومة تعمدت وقتها إعفاء خام البليت (العنصر الأساسي في صناعة حديد التسليح), المستورد من الرسوم الجمركية, مما جعل شركات إنتاج حديد التسليح الخاصة تقبل علي استيراده لانخفاض سعره عن الخام الذي تنتجه الشركة المحلية، وبالتالي أصبحت تكلفة إنتاج حديد التسليح في الشركات الخاصة أرخص مما تنتجه مثيلتها الحكومية, فأحجم التجار والمستهلكون عن الشراء.

وتابع، أن الحكومة قررت أيضًا إعفاء حديد التسليح المستورد كمنتج نهائي من الضرائب, مما جعل المستوردين يطرحونه في السوق المصرية بأسعار أقل من أسعار المنتج محليًا, مما تسبب في إغراق السوق بالحديد المستورد, وجعلنا لا نجد طريقة لتصريف المخزون الهائل لدينا من الحديد والبليت, الذي صنعناه من قبل صدور هذه القرارات, وأسهم ذلك في انعدام السيولة لدينا.

وأضاف المهندس إبراهيم أنه بعد عام واحد من تسلم عز رئاسة مجلس الإدارة تمت الموافقة علي قرض بـ50 مليون جنيه لشركته في حين رفضت الحكومة منحنا أي قروض، وظلت الأزمات تتلاحق إلى أن بيعت الشركة لرجل الأعمال أحمد عز.

كلام المهندس إبراهيم سالم يعطي صورة عن شكل سوق الحديد خلال الفترة التي تعرض لها منافس آخر لـ"حديد عز" للإغلاق، وهو مصنع "أبوزعبل".

كان آخر سعر وصل له طن الحديد هو 900 جنيه، إلا أنه ومع أواخر يناير 2003 زاد سعره ليصل إلى 2300 جنيه، ثم 8000 جنيه في 2008؟

والسؤال هنا: كيف يعقل أن يزيد سعر الحديد في غصون 10 سنوات إلى نحو 10 أضعاف؟!!!!

الغريب أن محاولات بيع المصنع لم تجر فور إغلاقه في 1998، بل ظل 7 سنوات حتى أصبحت ماكيناته غير قادرة على الإنتاج فيقرر قطاع الصناعات المعدنية طرحه للبيع كخردة عام 2005، وبالفعل تم إرساء هذا العطاء على 4 من تجار الخردة بمبلغ يزيد على الثلاثين مليونًا بقليل.

في هذا التوقيت تعالت صرخات وأصوات عمال المصنع السابقين مطالبين بعدم التفريط في المصنع، حيث قاموا بإرسال استغاثات إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الشعب، ووزير الصناعة لإيقاف هذه المأساة، وبالفعل تم إلغاء هذا المزاد.

وفى عام 2008 أعلنت الشركة القابضة عن مزاد علني لبيع الشركة، ولكن هذه المرة لإعادة تشغيلها مرة أخرى، وعرضت شركة الغوريري الإماراتية عرضًا جيدًا، ونما الأمل لدى العمال مرة أخرى أن تعود الشركة إلى الحياة.

وبالفعل بدأت الشركة الإماراتية في الاتصال بالشركات الأوروبية لتوريد خطوط الإنتاج، واستدعاء فريق من الفنيين لإعداد الرسومات الهندسية اللازمة. ولكن فجأة توقفت الصفقة دون أسباب واضحة.

يقول محمد حنفي المدير التنفيذي بغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات المصرية عن هذا المزاد الأخير، إن المستثمر الإماراتي واجه العديد من المشكلات بسبب البيروقراطية، حيث قام المستثمر بشراء المصنع لإعادة تصليحه وتشغيله مرة أخرى، ورغم قبوله أن تكون أرض المصنع بنظام حق الانتفاع وليس التملك إذ به يفاجأ بامتناع الدولة عن توفير الكهرباء اللازمة لتشغيل المصنع؛ مما جعله يتراجع عن عملية الشراء.

إذا لماذا تعرقلت عملية بيع المصنع بقيمة وصلت لـ450 مليون جنيه، وهو رقم يساوي أضعاف ما كان يعرض في السابق؟! !!

دكتور كميائي سعيد أيوب الحديدي – رئيس مجلس الإدارة بالشركة خلال الفترة من 1988 حتى 1993 يقول إن عودة الشركة للعمل سوف تساهم في خفض أسعار الحديد بالسوق بعدما تضاعفت خلال العقدين الاخيرين لدرجة أوصلت سعر الطن إلى 9 آلاف جنيه في أوقات تعطيش السوق السابقة بعدما كان 28 جنيها في الخمسينات .. ويستطرد "لمن دواعي الأسف والعجب أن تغفل الدولة عن بعض مؤسساتها الصناعية التي تمثل رموزًا للصناعة في مصر، وتمثل الريادة في العالم العربي والشرق الأوسط.

و يضيف أن الشركة تأسست عام 1946، وبدأت الإنتاج 1947 باستخدام الأفران المفتوحة التى تعمل بالمازوت لصهر الخردة الناتجة من الحرب العالمية الثانية، كما قدمت الشركة خبرتها للدول العربية الشقيقة فى الستينيات، ومن بينها (شركة الحديد والصلب الأردنية)، وذلك بتدريب بعض الفنيين بالشركة الأهلية، وتظل دائمًا مساهمة الشركة في نصر أكتوبر المجيد هي المشاركة الأكثر ضياءً في تاريخها.

ويؤكد محمد سيد مدير العلاقات العامة بالمصنع سابقًا أن عودة الشركة الأهلية سيكون إنجازًا بكل المقاييس اقتصاديًا واجتماعيًا وأمنيًا، وسيكون تعبيرًا عن المضي قدمًا نحو تحقيق أهداف ثورتي يناير ويونيو، وهو ما يؤكد جدية الدولة في محاربة الفساد وسياسة الاحتكار التي دمرت الاقتصاد المصري خلال الخمس وعشرين عامًا الأخيرة، وما ترتب عليه من سلبيات على خطط التنمية الاقتصادية بمصر، وتراجع الصناعات الإستراتيجية ولعل الصناعات المعدنية خير مثل لهذا التردي؛ فسعر الطن الذي كان فى الخمسينات 28 جنيهًا، ثم ارتفع إلى 900 في أواخر التسعينيات، وقبل اغتيال الشركة، إذا به يصل في ظل السياسات الاحتكارية إلى 9000 جنيه للطن.
وأضاف أملنا كبير في اتخاذ إجراءات سريعة من الحكومة لإعادة الحياة للشركة الأهلية التي تمثل رمزًا للمؤسسات الوطنية، ورافدًا مهمًا لصناعة إستراتيجية لها دور مهم في المرحلة المقبلة.

وأشار سيد، إلى أن الشركة تمتلك كل المقومات الجاذبة للاستثمار، وأهمها الموقع الجغرافي المتميز بين ثلاث محافظات هي (القاهرة والقليوبية والشرقية) وما يحيطها من طرق مهمة.

كما أن العمالة المتوافرة بالمجتمع المحيط بالشركة، توفر الكثير من تكلفة نقلهم، بالإضافة إلى الخبرات لدى هذه العمالة، خاصة الذين تركوا الخدمة (معاش مبكر).

ولفت مدير العلاقات العامة بالمصنع سابقًا، إلى وجود 2 منفذ للغاز الطبيعي، ومحطة محولات الكهرباء، والتي تم إنشاؤها بالمشاركة مع هيئة كهرباء مصر بقدرة 100 ك.فولت\أمبير، كما تحتوي على معوض الجهد الكهربي الذي يعمل على ثبات التيار الوارد للشركة.

ولكن ما الذي سوف يعود على الدولة إذا عاد المصنع للعمل.

يجيب سيد، أن عودة الحياة للمصنع سوف يترتب عليها العديد من الأهداف، أولها سياسي وهو " تدعيم شعور الملايين ممن أضيروا من برامج الخصخصة اللعينة" بأن يد الإصلاح صادقة ومحققة لرغبات المؤيدين لثورتي 25 يناير و30 يونيو.

كما أن هناك هدفًا اقتصاديًا يتمثل في إيجاد أكثر من 1000 فرصة عمل مباشرة مبدئيًا، وترتفع إلى ما لا يقل عن 2500 فرصة عند التشغيل الكامل.

أيضًا إنتاج نحو 500 ألف طن من حديد التسليح بأقطاره المختلفة لسد احتياجات السوق المصرية (وفق العرض المقدم بالفعل فى 2008 )، إضافة إلى الحفاظ على أسعار هذا المنتج الإستراتيجي بعد ما ارتفع بمقدار عشرة أمثاله قبل وقف عمل الشركة.


وقال مدير عام إحدى شركات الحديد بمدينة العاشر من رمضان، وعمل بمصنع حديد أبوزعبل لمدة عامين ونصف- رفض ذكر اسمه- أنه يمكن إعادة تشغيل المصنع مرة أخرى بدون تحميل الدولة أي أعباء مالية لإعادة تشغيله مرة أخرى، وذالك عن طريق تشغيل المصنع اعتمادًا على ما يملكه المصنع من خردة ومساحات أراضى فضاء، حيث يحتوى المصنع على خردة تقدر بملايين الجنيهات.

وأضاف أى مصنع حديد فى بدايته يحتاج إلى مساحة 150 ألف متر، وتعتبر هذه المساحة ممتازة لأي مستثمر يريد إقامة مصنع حديد، فى حين أن مصنع الحالي مقام على369,600 ألف متر، وإذا أقمنا المصنع على مساحة 150 ألف متر فإنه سوف يتبقى 219,600 ألف متر، واقترح في حالة أن الدولة أرادت إعادة تشغيله بدون مستثمرين، فإنه يتوجب أن تبيع المساحة الفائضة، وهى 219,600 ألف متر، والمتر يقدر في هذه المنطقة بحوالي 1200 جنيه، فإن هذه المساحة سوف تدر على الدولة مبلغًا يقدر بـ 263 مليون جنيه.

وأوضح أن هذا المبلغ كاف لإعادة مصنع أبوزعبل للتشغيل مرة أخرى، وذلك عن طريق شراء وحدة درفلة آلية حديثة كليًا؛ لإنتاج 600 ألف طن سنويًا بمبلغ يقدر بحوالى 15 مليون يورو، ويكون إجمالي المبلغ بالجنيه المصري نحو 132 مليون جنيه مصري، وفرن صهر120 طن\ساعة لعمل كتل البلت الخام والذى يقدر بـ"20 مليون دولار" أي نحو 161 مليون جنيه مصري بجميع إكسسواراته من بعض الشركات الإيطالية التي تسمح بدفع 25% من مبالغ التعاقد، ويسدد الباقي على خمس سنوات.

كما أن الشركة الأهلية تحتوي على جميع المرافق اللازمة لتشغيل المصنع.
كلمات البحث