لطالما سعت إيران إلى التقليل من شأن العقوبات الدولية على اقتصادها، بيد أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف حاليا بالبلاد لا يمكن إنكارها.
ويتحدث نظام الرئيس محمود أحمدي نجاد في الوقت الراهن عن "حرب اقتصادية"، إلا أن الإيرانيين بدأوا يفزعون بشأن الوضع المتدهور ويسألون أنفسهم عما سيحدث بعد ذلك.
ولم يعد المتقاعد عن العمل كمال جي "73 عاما" يفهم العالم،حيث يقف في محل جزارة انتظارا لشراء بعض اللحم المفروم. ووصل سعر الكيلوجرام الواحد أكثر من 200 ألف ريال إيراني (16 دولار)، أي ما يربو على ضعف المبلغ الذي كان يدفعه قبل شهرين فقط.
ولم يعد يستطيع كمال شراء اللحم منذ فترة طويلة،بينما فاقت أسعار الدواجن قدرته الشرائية منذ أسبوعين، وسرعان ما سيتجاوز اللحم المفروم ميزانيته.
وقال في إشارة ساخرة لبرنامج إيران النووي المثير للجدل، والذي يعتبر السبب الرئيسي في العقوبات الدولية والأزمة الاقتصادية الناجمة عنه: "سرعان ما سأنثر الطاقة الذرية على لحيتي".
وأتت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف التأثير المرجو منها على إيران منذ مطلع العام الجاري.
وقال خبير اقتصادي في طهران إن "تعليق أي تعاون من جانب المصارف الدولية مع إيران هو أسوأ الأمور.. لا أحد يستطيع أن يدفع أموالا أو يتقاضى مالا".
وجراء ذلك،اضطرت دول لا ترغب أو لا تشارك في فرض العقوبات على تعليق مشروعات معينة في إيران، وهو ما جعل الرئيس محمود أحمدي نجاد،الذي كان يحاول التقليل من العقوبات من خلال تصريحات بطولية، يرى أن غياب النشاط المصرفي الدولي هو المشكلة الرئيسية.
وخسرت إيران ما بين 25% إلى 40% من من دخلها الأساسي جراء الحظر المفروض على النفط بينما حدت العقوبات من آمال البلاد في جذب استثمار أجنبي، وباتت الشركات الصغيرة،التي كانت تنعم طوال عقود بتجارة صادرات طيبة، لا تستطيع مواصلة أنشطتها التجارية مع الشركات الأجنبية جراء الحظر المصرفي.
حتى أن الأمور التي كانت حتى فترة قريبة من المسلمات، مثل تزويد طائرات الركاب الإيرانية بالوقود في المطارات الأوروبية، أصبحت تمثل مشكلة حاليا. وتسعى إيران لفتح قنوات تجارية بديلة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا لكن خبراء اقتصاديين لا يأخذون هذه الخطط على محمل الجد.
وينظر إلى قيمة العملة المحلية على أنها رمز للأزمة، وفقد الريال الإيراني ثلثي قيمته مقابل العملات الأجنبية منذ بداية العام حتى أن القطاعات التي ليس لها أنشطة في الأسواق الأجنبية تشعر بتأثير العقوبات.
ويقول أحمدي نجاد: إن أزمة العملة ليس لها أساس اقتصادي،وهي مجرد حرب نفسية، وهي وجهة نظر يرى خبراء أنها وجيهة.
ويشرح أستاذ جامعي في طهران الأمر، قائلا إن "التوسع في العقوبات هو في حقيقة الأمر نفسي أكثر منه مبني على عوامل اقتصادية، لكنه أيضا كاف ليتسبب في هلع وتضخم،وفي نهاية المطاف إلى عدم استقرار اقتصادي".
وضاق تجار الأسواق الذين كانوا يعتبرون جزءا من المؤسسة، وفي حالات كثيرة يدعمون أحمدي نجاد ذرعا من الوضع الراهن.
ويتساءل حسين علي، تاجر في سوق طهران الكبير، قائلا: "كيف يمكنني مباشرة عمل بالتزام،في ظل التغيير الكبير في أسعار الصرف من يوم لآخر؟".
ودفع الاضطراب المستمر بحسين علي وتجار آخرين إلى أن يقرروا إضرابا لفترة قصيرة الأسبوع الماضي، وينحى باللائمة على سياسة إيران الذرية على أنها سبب الأزمة.