الإصلاح والتغيير على رأس سلم الأولويات التى حث عليها القرآن الكريم الإنسان واعتبرها من مسئولياته الأساسية فى طلب الإصلاح ومنع الفساد كما فى قوله تعالى: «ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها» الأعراف- 56، أو السعى للتغيير وتحمل المسئولية التاريخية لعملية التغيير كقوله تعالي: «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» الرعد- 11.
موضوعات مقترحة
وهذا الأمر (تحمل الإنسان مسئولية الإصلاح والتغيير) لم يأت من فراغ إذا اعتبرنا أن الإنسان هو محور حركة التغيير والإصلاح قال تعالى: «وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة» البقرة-30، بعد أن هيّأ له كل ما يحتاج من سبل لتحقيق النجاح فى هذه المهمة من علم فى قوله تعالي: «علم الانسان ما لم يعلم» العلق-5، وتفضيل فى قوله تعالى: «وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا» الإسراء-70، ليتبنى الإصلاح كقاعدة أساسية داخل المجتمعات الإنسانية قال تعالى: «فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم إن كنتم مؤمنين» الأنفال-1، لتكون قادرة على الاستمرار والعطاء والتغيير بخلاف المجتمعات غير القادرة على ممارسة دور الإصلاح داخلياً ليكون مصيرها الضمور والهلاك والفشل «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون» هود -117.
ويمتلك شهر رمضان الكريم كل مقومات النجاح لعملية الإصلاح والتغيير من خلال البناء الأخلاقى والروحى للمجتمع لأنه تجسيد عملى وواقعى لها حيث إن فى شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة، يتحول الإنسان إلى أمّة كإبراهيم (عليه السلام) حيث كان أمة قانتاً لله. ويُعد الصيام تدريبًا إيجابيًّا ومتوازنًا ومقنعًا للفرد والمؤمن؛ إذ إن للصائم حاجات ورغبات، وهى الحاجات والرغبات الدينية، كون المسلم يطمح فى إرضاء ربه فى أداء واجب الصوم الذى فرضه عليه، ويتضمن هذا الواجب الامتناع عن الطعام والشراب من ناحية، وضبط النفس عن إيذاء الآخرين من مختلف الجوانب المادية والمعنوية من ناحية أخري، والحاجات والرغبات الاجتماعية. ويساعد الصيام على الشعور بالاطمئنان والراحة النفسية الكاملة؛ وذلك لأنه تقرُّب إلى الله سبحانه وتعالي، وأداء فريضة من فرائض الإسلام؛ مما يشعره بأن الله قد رضِى عنه، وأنه سيقبل دعائه إن شاء الله تعالي. كما يعلم الصيام الإنسان، كيفية الارتقاء بتكوينه النفسى البشري، ليصل إلى مرحلة التسامي، وهى إحدى الدفاعات النفسية المهمة، فالإنسان يصوم لأنه قادر على الانضباط، والالتزام بأوامر القوة العظمى فى حياته وهو- الله عز وجل -.
وبصيام الإنسان يصبح أكثر قدرة على تقدير نعم الله عليه من: صحة، وطعام، وشراب، كما يجعله الصيام أكثر إحساس بما يعانيه الفقراء، والمحتاجون، مما يجعله أكثر عطاء منه فى غير أيام الصيام. ومن المعروف أن الصيام موجود فى كل الأديان السماوية، وهو يساعد على تنمية الصبر عند الإنسان، وبالتالى تحمل مصاعب ومشكلات الحياة، كما أنه يساعد على زيادة التواصل الاجتماعى داخل المجتمع، وتتجلى فيه معانٍ عظيمة من الصبر والتـراحم والتسامح والقدرة على الإصلاح والتغيير .أن الذين يؤدون الصيام كما أراده الإسلام، يمتازون خلال هذا الشهر بزيادة صبرهم وتحملهم المسئولية واحترامهم للآخرين