للموز رمزيته فى الحروب التجارية والعنصرية وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات
موضوعات مقترحة
الشاى بالحليب مرادف للديمقراطية وحقوق الإنسان لدى شعوب جنوب شرق آسيا
الطماطم تدافع عن حقوق المهاجرين والأجانب والعمال بالمزارع فى جنوب إيطاليا
المكرونة الإسباجيتى أداة الأوكرانيين ضد روسيا خلال الاستفتاء على القرم
قد تبدو رموزا غير مألوفة الاستخدام، لكنها تطفو على الساحة السياسية والاقتصادية والاجتماعية من حين إلى آخر، مما يطرح تساؤلا عن الرابط بينها؟ الحقيقة أن الرابط كبير وله دلالاته القديمة، فالموز بات رمزا أساسيا فى الحرب التجارية والتعبير عن أوضاع العاملين به، كما لكوب الشاى باللبن رمزيته فى دول جنوب شرق آسيا، لكن الأمر يختلف فى جنوب إيطاليا التى تستخدم الطماطم كرمز لما يتعرض له العمال الأجانب، بينما نجد للمكرونة الإسباجيتى رمزيتها فى أوكرانيا فى أثناء الاستفتاء حول انضمام القرم إلى روسيا.
إنها رموز قد تبدو غير مألوفة للكثيرين، لكن البعض يعتبرها إبداعا فى استخدام أدوات تبدو عادية لكن تحمل معانى خفية. ففى تقرير إخبارى مثير للدهشة، خرجت علينا الشبكة التليفزيونية الأمريكية «بى بى إس» بمعلومات جديدة عن الموز، يقول إنه فاكهة وليس فاكهة! ففى حين أن نبات الموز يسمى شجرة أو نخيل الموز، إلا أنه فى الواقع ينتمى للفصيلة العشبية، لأن النبات يحتوى على عصارة وليس جذعاً خشبياً، بل إنه أكبر عشبة على الأرض. ويقال أن كلمة «Banana” جاءت من الكلمة العربية “بنان” نظرا للشبه الكبير بين شكل الموز وأصابع اليد.
وفى حديثنا عن الموز، نجد أن فى كل دولة أو مجال معين هناك رمزيات كثيرة للموز، خصوصا فى دولة تايلاند، حيث نجده ذا جذور عميقة فى ثقافة شعبها على مر التاريخ، كما يمثل وجبة مغذية وبسيطة ورخيصة. ولا يقتصر دوره على إثراء أصناف المأكولات هناك، بل إن لديه استخدامات ديناميكية للغاية، فالاعتراض بالموز محبب لدى التايلانديين، ففى رسالة للحكومة، قام التايلانديون بزراعة أشجار الموز فى وسط الشارع اعتراضا على أعمال تمهيد إحدى الطرق التى طال أمدها دون إنجاز، كما يستخدمون الموز كرمز فى التعبير عن مطالبهم السياسية من الحكومة. وقبل سنوات وتحديدا فى عام 2014، شبه البعض تايلاند بجمهوريات الموز، لما له من دلالة سياسية، فضلا عن دور الموز فى اقتصادها.
وتاريخيا وقديما كان للموز دلالة على تدخل الولايات المتحدة فى أمريكا الوسطى والكاريبى، منذ 1846 وبداية سياسة حسن الجوار فى 1934، من أجل الحفاظ على مصالحها التجارية وبالتحديد زراعة الموز والتبغ وقصب السكر، كما أصبح الموز رمزا اقتصاديا للتجارة غير العادلة والظروف السيئة لمن يعملون به، ففى عام 1928 ظهر الموز كرمز للعنف الذى تعرض له عمال مزارع الموز فى كولومبيا، بعد سلسلة الاحتجاج على أوضاعهم السيئة، ولم تكن الولايات المتحدة وقتها بعيدة عن هذه الأحداث، حيث امتلكت المزارع شركة “الفواكه المتحدة” الأمريكية وسيطرت من خلالها على مقدرات البلاد، ووصفوها بأنها النموذج الأمثل لتأثير الشركات متعددة الجنسيات على السياسة الداخلية لجمهوريات الموز. وحديثا وتحديدا فى 2012 استخدمت بعض الصحف المصطلح القديم “حروب الموز”، لوصف الصراع التجارى بين الصين والفلبين على تصدير الموز.
وفى 2019، ظهرت صورة لموزة عادية متصلة بشريط لاصق على الحائط، من أعمال الفنان التشكيلى الايطالى الساخر موريسيو كاتيلان، عرضه فى مهرجان الفن العالمى فى ثلاثة معارض بثلاثة نماذج أحدها فى ميامى بيتش بحسب ما نشره موقع “بيزنس إنسايدر” الأمريكى، وأطلق على اللوحة عنوان “كوميدى”، فبعدما اشترى الموزة من متجر فى ميامى ولصقها على الحائط باع القطعة الأولى بمبلغ 120 ألف دولار، وكذلك النموذج الثانى، والثالث بـ 150 ألف دولار، وقال الفنان إن الموز هو رمز لسوق التجارة العالمى!
كما ظهرت أيضا حركة “بانانا بلوك” أو كتل الموز، وهى حركة عالمية معارضة للفاشية والنازية والرأسمالية والنيوليبرالية واليمين المتطرف، ويعتنق أغلب أعضاؤها الأفكار الشيوعية والاشتراكية والفوضوية مع بعض الأفكار الليبرالية ويرتدون أزياء على شكل موزة، ويرون أن فكرة “بانانا بلوك” تشبه التجمع فى مناسبة فرح كعائلة مشتركة من البشر، وأن الموزة عليها رعاية الموزة التى بجانبها!
وفى ثقافة أخرى، يعد الموز رمزاً عنصرياً يستخدم فى تشبيه فئة عرقية معينة بالقرود، كما يتم استخدامه فى أفعال رمزية فى إطار خطاب الكراهية. ففى أوروبا يقوم الجمهور المتعصب بإلقاء الموز على لاعبى كرة القدم السود، مثلما استهدفوا البرازيلى دانى ألفيش مدافع نادى برشلونة الأسبق، فى 2014 أثناء مباراة فريقه أمام مضيفه فياريال (3-2) فى إطار مباريات الدورى الإسبانى “لا ليجا”، فرد بطريقته الخاصة وأخذ ببساطة هذه الثمرة اللذيذة وأكلها بشهية، ولعب الكرة بدلا من تسليم الموز لحكم المباراة. كما يشير الموز أحيانا إلى الآسيويين ويقال على شخص “أصفر من الخارج وأبيض من الداخل” بمعنى متفرنج، سواء من خلال سخرية الآسيويين من بعضهم البعض أو من الآسيويين الأمريكيين لاندماجهم مع الثقافة الأمريكية.
ومن الموز إلى كوب “الشاى بالحليب”، وهو تحالف أو حركة تضامن بين هونج كونج وتايوان وتايلاند وميانمار ضد الصين، ويعتبر الشاى مع إضافة الحليب من تقاليد شعوب جنوب شرق آسيا لكنه غير موجود فى الصين، وتحول كوب الشاى بالحليب هناك إلى رمز يحمل فى مجمله المطالبة بالديمقراطية وإرساء حقوق الإنسان.
فى 2018، ظهرت رمزية الطماطم فى المظاهرات عندما لفتت الانتباه إلى إساءة معاملة العمال الأجانب، فخرج المئات من عمال المزارع المهاجرين من حقول الطماطم فى جنوب إيطاليا احتجاجا على ظروف عملهم بعد حادثين على الطرق أوديا بحياة 16 عاملا أفريقيا خلال 48 ساعة، وارتدوا القبعات الحمراء التى تحمى جامعى الثمار من أشعة الشمس، وأصبحوا رمزا لمعركتهم ضد الاستغلال فى العمل فى مقاطعة فوجيا.
كما لفت النظر موقع “بون آبيتى” الالكترونى النظر إلى الأوكرانيين فى 2014، وهم يلقون المكرونة الإسباجيتى على القنصلية الروسية فى مدينة أوديسا، الأمر الذى فسره الصحفى ألكسندر كليمينوف، بأنهم يهدفون من وراء هذه الرمزية إلى التأكيد على أن وسائل الإعلام الروسية لا يمكن أن تكون جادة حقا بشأن ما تنقله، خلال الاستفتاء حول انضمام القرم إلى روسيا، كما اختار بعض الأوكرانيين الامتناع عن التصويت بالبقاء فى المنزل وطهى الزلابية الأوكرانية التقليدية!
وبشكل عام يعد استخدام أنواع معينة من الغذاء كرمز للتعبير له تاريخ طويل، وربما حدث أول احتجاج بالطعام فى عام 63 ميلادية، عندما قام سكان حضرموت القديمة فى تونس برشق الإمبراطور الرومانى فيسباسيان بنبات اللفت، حيث كانوا غاضبين من نقص الغذاء.
والسؤال: لماذا يعبر بعض الناس عن مطالبهم باستخدام الطعام؟ يقول أندرو جيلمان، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كولومبيا: «أعتقد أن الناس يرمون الطعام لأنه رخيص الثمن ومرئى ويسهل الوصول إليه»، ويضيف، الطماطم غير مكلفة وسهلة لرميها وتثير إعجابا مرضيا. من السهل رمى البيض وترك فوضى كبيرة. كما أن إلقاء الطعام طريقة غير عنيفة بشكل أساسى.