فى أواخر ديسمبر الماضى وقبل حلول الذكرى الثانية لتوقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان،فى 4 فبراير 2019 فى الإمارات، توجه مندوبا مصر والإمارات بمبادرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان الرابع من فبراير يوما عالميا لـ «الأخوة الإنسانية». وأقرت الأمم المتحدة المبادرة، التى انضمت لها السعودية والبحرين، بينما شاركت 34 دولة من الدول الأعضاء لدى الأمم المتحدة فى رعاية القرار. كانت تلك خطوات تاريخية مهدت إلى الاحتفال غدا بأول يوم عالمى للأخوة الإنسانية.
موضوعات مقترحة
معروف أن فلسفة الأمم المتحدة فى تحديد الأيام العالمية، تقوم على السعى لجذب اهتمام دول وشعوب العالم إلى القضايا المرتبطة بهذه الأيام، وتثقيف الرأى العام العالمى بشأنها، فضلا عن تعبئة الموارد والإرادة السياسية لمعالجة المشكلات العالمية والاحتفال بالإنجازات الإنسانية وتعزيزها.
اليوم العالمى بطبيعته، وكما ذكرت الأمم المتحدة، ليس تاريخا فقط، بل تسعى مؤسسات ومكاتب الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الحكومات وقطاعى المجتمع المدنى والخاص والمؤسسات التعليمية، والمواطنين بشكل أعم، لجعل ذلك اليوم نقطة انطلاق لأنشطة التوعية الخاصة بموضوع اليوم وأهدافه. ويقاس التفاعل الشعبى مع الأنشطة المرتبطة بالأيام العالمية المختلفة كمؤشر على اختلاف مقدار الاهتمام بقضية «يوم عالمى» بعينه من مجتمع إلى آخر.
أما فيما يتعلق بالتجربة المتفردة لليوم العالمى «للأخوة الإنسانية»، فيتطلب إحياؤها لأول مرة بمراجعة اللغة المستخدمة فى إتمام « وثيقة الأخوة نفسها. فيلاحظ أن الإمام الأكبر يميل فى الأغلب إلى «لغة التاريخ»، وإلى توثيقه، ولذا أطلق على ذلك الإنجاز «وثيقة» وليس « مبادرة» أو « قرارا»، لتحتفظ بها خزائن التاريخ.فقد سبق «وثيقة الأخوة الإنسانية» عدد من الوثائق التى أطلقت فى عهد شيخ الأزهر، ومنها: «وثيقة مستقبل مصر» فى 2011، «وثيقة الأزهر لنبذ العنف» فى 2013، «وثيقة الأزهر لتجديد الخطاب الدينى» فى 2016، و«وثيقة الأزهر للمواطنة والعيش المشترك» فى 2017، وكلها تخدم مبادئ الإنسانية وبقاء رابط الأخوة كأعلى الروابط فى التاريخ.
والحال نفسها فيما يخص البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، فمنذ تنصيبه فى مارس 2013، وهو يدرك ثقل مكانته وأهمية جهوده فى صياغة التاريخ. ولذا لا تمر مناسبة أو حدث إلا ويكون للبابا موقف وبصمة واضحة. ففى عام 2018 ، يطلق نداءً عالميا من أجل «الإخاء»، ونداء لـ»عالم خال من الأسلحة النووية»، وكذلك يطلق مبادرة لـ» تحقيق السلام» أو يبعث برسائل إلى لبنان وجنوب السودان، أو يدشن صندوقا لمساعدة الدول الأكثر فقرا فى التصدى لكورونا.
وعودة إلى وثيقة الأخوة الإنسانية، ومرور عامين على إطلاقها، فإنها لم تقصر تنفيذ ما ورد بها على رجال الدين من الجانبين، بل دعت الوثيقة «المفكرين والفلاسفة ورجال الدين والفنانين والإعلاميين والمبدعين فى كل مكان ليعيدوا اكتشاف قيم السلام والعدل والخير والجمال والأخوة الإنسانية والعيش المشترك، وليؤكدوا أهميتها كطوق نجاة للجميع، وليسعوا لنشر هذه القيم بين الناس فى كل مكان» وأن نجاحها وتحقيقها لأهدافها مرتبطان بمن سبق ذكرهم وتحملهم مسئوليتهم تجاه العالم.
وعلى عكس وثائق الأزهر السابقة، ونداءات ومبادرات الفاتيكان، جاءت « وثيقة الأخوة الإنسانية» جامعة شاملة لم تقتصر على التقريب بين المسلمين والمسيحيين، أو الحوار الإسلامى المسيحى كما كان يحدث فى السابق بين أكبر مؤسستين للدين فى العالم، بل شملت ضمن ما شملت قضايا عالمية تشغل المجتمع العالمى وتؤرقه، كالفقر والتهميش، والمهاجرين، والحروب، والتعصب الدينى، والصراعات الدولية والتقدم العلمى والتكنولوجى ومخاطره، وافتقاد عدالة التوزيع للثروات الطبيعية، والإرهاب، والحرية والتعددية والاختلاف فى الدين. والعلاقة بين الشرق والغرب، وحقوق الفئات المستضعفة مثل المرأة والطفل والمسنين.
كما دعت الوثيقة قادة العالم وصُنّاع السياسة والاقتصاد للعمل معا على «نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فورا لإيقاف سيل الدماء البريئة، وإيقاف ما يشهده العالم حاليًّا من حروب وصراعات وتراجع مناخى وانحدار ثقافى وأخلاقى».
وإدراكا لمحورية هذه الأهداف بالنسبة للمسيرة الإنسانية، ورغم التضييقات التى يفرضها فيروس كورونا المستجد، فإن شيخ الأزهروبابا الفاتيكان سوف يشتركان فى احتفال افتراضى عبر شبكة الإنترنت غدا لإحياء أول يوم عالمى للأخوة الإنسانية.