-
الرئيسية
-
ثقافة وفنون
عزة رشاد لـ"بوابة الأهرام": الجوائز تزيد شهرة الكاتب وكورونا ستؤثر في الرواية| صور
22-6-2020 | 20:56
عزة رشاد
أمنية حجاج
حصلت عزة رشاد على جائزة الدولة التشجيعية فى الأدب فرع القصة عام 2010، وتتميز قصصها بأنها تلقى الضوء على حياة البشر المتنوعة والثرية، ومغزى وجودهم، والعلاقات المرهفة والمعقدة بينهم، والذكريات التي تشكل وجودهم، وأحلامهم بمجتمع أكثر رأفة وعدالة، والعذابات الصغيرة الروحية والمادية.. وتركز فى موضوعاتها على حياة البشر الاعتيادية التي يُعد استمرارنا فيها عملا بطوليا، ومن خلالها تمسح عزة رشاد عن أرواحنا غبار الحياة اليومية.. مجموعة "بنات أحلامي" هي العمل الرابع لمؤلفاتها، بعد صدور روايتها الأولى "ذاكرة التيه" عام 2003، ثم مجموعتها القصصية الأولى "أحب نورا أكره نورهان" عام 2005، و"نصف ضوء" عام 2009.. كما أن لها رواية "شجرة اللبخ"، "حائط غاندى".
موضوعات مقترحة
'text-align: center;'>اغلفة الكتب الخاصة ب عزة رشاد
متى اكتشفت موهبتك فى الكتابة، وكيف كانت البداية؟
هناك من قالوا إنني موهوبة: صديق للأسرة مولع بالأدب، مدرسو اللغة العربية في الابتدائية والإعدادية، حتى دخلت ثانوي يسبقني هذا الصيت. أما بالنسبة لي فلم أحاول تفسير ولعي باللغة، كنت مأخوذة بإيقاع الكلمات، وتباين المعاني، كلما تابعت كلمة، تفتح الباب أمامي لعشرات الكلمات ومئات المعاني، وعدد لا نهائي من الأفكار، بداية من كلمات الأغاني، الموالد، الروايات، وصولا للغة الأحلام المحملة بالإشارات والرسائل.
روايتك الأولى "ذاكرة التيه" حققت ردود أفعال قوية عن غيرها من الأعمال.. ما السبب برأيك؟
يسعدني أن حظيت، ومازالت تحظى، "ذاكرة التيه" بشعبية كبيرة، وبالتأكيد يصعب تحديد السبب: هل كان السبب هو ضمير المتكلم وحميميته الشديدة؟ أم الكتابة بلسان بطلة شابة تجترح واقعا قاسيا؟ أم لأن هذه البطلة الشابة تستذكر مع المحطات الرئيسية في حياتها أغلب الكوابح التي صبغت سلوكها هي ومثيلاتها بدرجة من العجز والحزن؟ أم بسبب ذلك كله فى آن واحد؟ لكن يبدو لي أن التباين ليس بين "ذاكرة التيه" وباقي الكتب، بل بين الروايات والمجموعات القصصية. فرواية "شجرة اللبخ" حظيت باهتمام نقدي كبير حقيقة، ولكن في درجة أقل منهما تأتي المجموعات القصصية، ما يشير لكون الذائقة الأدبية عندنا تميل، في الغالب، للرواية، وأن قارئ الأدب يرتبط ببطل الرواية، إذ تجمعه به عِشرة طويلة في عدد كبير من الصفحات.
اغلفة الكتب الخاصة ب عزة رشاد
قضايا المرأة في كتابات عزة رشاد:
فى كتاباتك تناولتى أوجاع مصر فى فترات مختلفة، فهل تميلين لمنح البطولة للنساء لقناعتك أنهن دائمًا اللائي يتحملن نتيجة الأزمات السياسية والاجتماعية؟
في مجموعة "أحب نورا.. أكره نورهان"، وفي "حائط غاندي" تظهر قدرة الواقع على دفع ذوات النساء لإفراز القسوة والتعاسة والرقة معًا، وعلى ملئها بالمتناقضات نتيجة ضغوط الأزمات السياسية والاجتماعية. وهذا يظهر أيضًا في "ذاكرة التيه" في شخصية الجدة والأم والابنة. أما رواية "شجرة اللبخ"، ففيها أبطال عديدون، منهم خمس نساء لهن خمسة مواقف من الواقع بكل صعوباته وتصدعاته، وبدرجات متفاوتة من الصمود. لهن أيضا خمسة مواقف وانجراحات من الحب، تكشف عن شخصية كل منهن.
تتحدثين عن الموروثات والعادات، ودائما ترصدى صوت المرأة بين رغبتها ومخاوفها.. كيف ذلك؟
نلقن البنت منذ ميلادها التعليمات والمحظورات، ونغذي مخاوفها من التصرف الطبيعي والاختيار الحر، ونذكرها في كل لحظة بأنها بنت: ما يعني أنها لابد أن تخاف. للأسف، هذه ثقافتنا، والمرأة تكون حاضنة أكثر وفاء لهذه الموروثات، وقد تستمر هكذا طيلة عمرها، أو تكون محظوظة بالذكاء والوعي والإدراك والخبرات الذاتية أو تأمل تجارب الآخرين لكي تكتشف أنه ليس حتميا أن تكمل حياتها تابعة لأفكار لم يعمل بها منتجوها، بل فقط استثمروها لاستغلال الآخرين، أي تكتشف معنى وقيمة حريتها.
معظم كتاباتك تنتمى للقصص الواقعية، وبعض قصصك تحكي عن تعرض المرأة للاغتصاب والعنف، لماذا تسلطي الضوء دائما على هذه القضية؟
ربما تكون فعلًا معظم كتاباتي واقعية، كما أن قسمًا غير قليل منها ينتمي للواقعية السحرية، أو التجريبية أو الرمزية، وكل مغامرة إبداعية تستحق أن يكون لها كيانها، ويحق لها أن تحدد مصيرها. كتاباتي الواقعية ليست تقريرية أو مدرسية، ليست فجة، وأزعم أنني أبذل جهدا فنيا وأسعى لتطويره.
وبالنسبة للكتابة عن العنف ضد المرأة، فالمبدع حقيقة لا يختار مواضيع، لكن هناك كلمة، أوموقف أو حدث يثير مخيلته فتأتي القصة، وبالنسبة لي فلم أكتب لأدين الإساءة للبنات الصغيرات (الأطفال) فحسب. بل لسبب إضافي هو الاحتجاج على بقاء الماضي (مهما تكن قسوته ورداءته) مُحدِدًا ومسيطرا على الحاضر كأنه أغلال في أقدامنا تعيق حركتنا الحرة وتقدمنا، أي كانت دعوة للتحرر من الماضي.
اغلفة الكتب الخاصة ب عزة رشاد
الثقافة العربية.. بين النمو والتأرجح
هل هناك سوق حقيقية لقراء الأدب العربى بلغات أخرى؟
قيل من فترة إن أغلب ما يترجم يكون بمواصفات مطلوبة لعمل أبحاث لباحثين جامعيين أجانب. حتى لو كان هذا صحيحا فلا بأس، قيل أيضا إن أديبنا الكبير نجيب محفوظ وحده من يثير فضول الأجانب، بالتأكيد، لا يمكن إنكار أن هذا حقيقي أو على الأقل هكذا كان الحال في البداية. مؤكدا أن الطلب على الأدب العربي مازال محدودا، لكنه يكبر تدريجيا. فقد تلت هذه البداية خطوات كثيرة، تُوجت قبل عام بفوز رواية عربية بجائزة المان بوكر الدولية. الأدب مجال إنساني، وكل عمل جيد في أحد طرفي الكرة الأرضية يثري بلا شك كتابات الطرف الآخر، فما بالك ونحن نستمتع الآن بمنجزات الثورة التكنولوجية ونقتني نسخة إلكترونية من الكتاب، الصادر في أبعد البلاد عنا، فور صدوره. وبالنسبة لي فأنا سعيدة بأن بعض قصص "أحب نورا.. أكره نورهان"، "بنات أحلامي" قدمتني لقراء الدوريات الأدبية المتخصصة: البريطانية ثم الإسبانية، وسعيدة باختيار قصتي "الياسمين الشائك" في أنطولوجيا أمريكية للقصة القصيرة ضمن أجمل 126 قصة في العالم لعام 2020، سعيدة أيضا بأن تحقق قصصي تواصلا مع القارئ عبر العالم.
تعيش الثقافة العربية مرحلة حساسة تعكس ما تعيشه مجتمعاتنا من الظروف، كيف ترين الواقع الراهن مع الثقافة بأشكالها وأنماطها المتعددة فى العالم العربى؟
مخاض لا يريد أن ينتهي. وهناك من يهتف بأن الجنين ميت "شر البلِّية ما يضحك"، لكنني لا أؤيد هذا الأمر، لديَ أمل أن نعبر عنق الزجاجة ويصبح لنا دور وإضافة في الخريطة الإنتاجية للعالم، بحثًا وعلمًا وأدبًا وفكرًا، بدل أن نظل مستهلكين، لكن هذا لن يتحقق إلا بالإقرار بأن قافلة الماضي لن تصل بنا إلى أي مكان، وبأننا لابد أن ننبذ فكر القطيع لأن التميز هو العملية المركزية في تطور البشر. لكن دعيني أؤكد أن الإبداع هو المجال العربي الوحيد الذي نجا. فكل فترة قصيرة نكتشف مبدعا واعدًا، كما تزداد مبيعات الكتب الأدبية، حتى لو توجهت لأدب التشويق والمغامرات، فاكتساب الشباب لعادة القراءة والحرص على اقتناء الكتاب هو بارقة الأمل برأيي.
اغلفة الكتب الخاصة ب عزة رشاد
يؤكد البعض أهمية الجوائز فى حياة المبدع، فيما يرى آخرون إنها طوق نجاة يلقى به إلى غريق بعد وصوله إلى الشاطئ، أى رأى تؤيدين؟
الجوائز تشجيع للمبدع، يد تربت على كتفه وتقول: نحن سعداء بكتابتك. بشرط أن تكون الجائزة قد حظت بتحكيم نزيه. أضيف أيضًا دور الجوائز في شهرة الكاتب وزيادة قرائه، وهو ما حدث معي في "نصف ضوء" فهي الأكثر قراءة بين المجموعات الأربعة لأنها نالت جائزة الدولة التشجيعية عام 2010.
كونك طبيبة، هل يوجد توافق بين الطب والأدب؟ فما أكثر أن نجد الآن طبيبا روائيا، أو أديبا.
أتصور أن بينهما توافقا نسبيا: الأصدقاء اللدودون، فكلاهما يتعامل مع الإنسان: الطب يتعامل مع الجسد والأدب مع النفس، لكن الدراسات الحديثة تؤكد أنه لا ينبغي فصل الإنسان لأقسام مستقلة: جسد ونفس وعقل.. إلخ. بل تراه كيانا واحدا، وإذا انتصرنا لهذا الأسلوب في التفكير فلن نرى تباعدًا بين الطب والأدب. فالأدب يبدع نماذج بشرية لم تخطر ببال أكثر الأطباء النفسيين حذقا، بينما الطب يمنح الأدب بعدا إضافيا للفهم: تأثير البيولوجي على السلوك، فتصلب الشرايين مثلا سبب أساسي لسرعة الانفعال ثم الغضب ثم العنف.. إلخ. لكن ما يغذي الصراع بينهما أن كلا منهما كمجال يتصور نفسه أرقى من باقي المجالات، كلا منهما أيضًا يحب الاستئثار بصاحبه، فلا يدع له وقتا للانشغال بشيء آخر، أي أن الويل لمن يجمع بينهما، وهذا مأزق بالنسبة لي لا يخفف منه إلا حقيقة أن تعلقي بالأدب يفوق أي شيء آخر، ففيما أقف كطبيبة في مواجهة كورونا.. أضبط مخيلتي تسجل المشاهد وتعقد حبكات صغيرة متخيلة، لا يعلم إلا الله إن كانت سترى النور يوما أم لا.
الكورونا والأدب.. تهديد وإلهام
بالنسبة لأغلب الأدباء، وباء كورونا تهديد، وبنفس الوقت مصدر إلهام.. أيهما أقرب لك التهديد أم الإلهام؟
بالنسبة لامتهاني الطب ولحالتي الصحية ومرحلتي العمرية أتصور أن التهديد أكبر، لأن كورونا ليس دور أنفلونزا أو نزلة برد، بل فيروس شرس، يضع الحياة البشرية كلها على المحك، لكن هذا لا ينفي أنني في بعض اللحظات والمفارقات العجيبة التي عايشناها بمواجهة المحنة ويتداولها جمهور مواقع التواصل أضبط مخيلتي تنفلت بإلهام من هذا الرعب ذاته أو تمد نقطة منه على استقامتها، فتنقلني إلى عالم متخيل، وتعقد حبكات.. لا يعلم إلا الله إن كانت سترى النور يوما أم لا.
اغلفة الكتب الخاصة ب عزة رشاد
على المستوى الشخصي.. هل كورونا برأيك محنة؟
أم فرصة لحياة أفضل؟ وكيف تنظرين للحياة الأدبية في وجودها وبعدها؟ دعيني أصارحك بأنني في الفترة الأولى لظهور الفيروس "فترة الرعب" كان أكثر ما أشعر بالأسف لأجله هو العدد الكبير من الروايات التي حفظتها بمكتبتي الإلكترونية، ولم تواتني الفرصة لقراءتها، أحسست بفداحة خسارة الوقت الذي ضاع في أشياء قليلة القيمة وأقسمت بألا أقع في هذا الخطأ ثانية إن نجوت بعد هذه المحنة وكأنني أعيد سيناريو فيلم "بين السما والأرض". وقتها لم أكن أضحك كما الآن.
أما سؤالك عن الحياة الأدبية، فغالبا ستستمر رغم التباعد الاجتماعي، بفضل وسائل الاتصالات التي جمعت قارات الأرض كلهم.. كأنهم في غرفة واحدة؟ وبالمثل فالعمل والتعليم عن بُعد كانوا موجودين من قبل كورونا لكنهم سيكون لهم السيادة والهيمنة على نمط الحياة مستقبلا، فالفيديو كونفرانس يوفر تذاكر الطيران وتكاليف بالفنادق، أي سيقل استهلاك الوقت والأموال، هذا ما كشفه الحجر. بالإضافة لكَون المصاعب بالفعل ملهمة، فالحاجة أم الاختراع، وليس مصادفة أن تظهر الآن تجمعات لعشاق الكتابة بأعداد هائلة على فيسبوك، ما كانت لتتجمع لولا الجائحة وهذا بالتأكيد سيكون له إنعكاسه الجيد على الأدب. لكن قبل كل هذا لابد تتكاتف الجهود لنعبر الجائحة.
كيف ترين موضوعات الروايات والقصص بعد كورونا؟ وما انعكاسات الواقع عليها؟
لا أتصور أن الحياة بعد الجائحة ستعود كما كانت قبلها، وبالمثل مواضيع الروايات، فالكوارث كانت من قبل كورونا موضوعا للعديد من روايات التشويق الأكثر شعبية، لكنها قد تصبح الآن ذات بُعد توجيهي وإرشادي سواء من جانب حماة البيئة أو من المتشددين دينيًا الذين يهتفون يوميًا بأن كورونا عقاب من الله، مستهدفين إدانة الحضارة الحديثة كاملة، ولا يفكرون بأن العلم الذي يحثنا الله على طلبه ويسخره ليكون طوقًا لنجاتنا هو أحد منتجات الحضارة، فلا يمكنني إدانتها كاملة، بل أدين وجهها المتوحش، الملطخ بالجرائم والحروب والصراعات لأجل بالسيطرة على العالم، بل وأطالب قواها الناعمة بالتواصل وحث الشعوب على الضغط على حكوماتها لتصحيح المسار، ووقف الإنفاق على التسلح، والاعتداء على البيئة، وتوجيه الإنفاق للعلوم الصحية، فقد كشفت المحنة أنهم لو أنفقوا جيدا على سارس لما ظهر كورونا، ولما تهاوى النظام العالمي، الجائحة تؤكد كل يوم أن ما يحدث في أي شبر من الكرة الأرضية يؤثر على كل أبنائها. فإما تصحيح المسار أو دمار للجميع.