عم يبحث يوسف الشريف؟ تساؤل لابد أن يرد بذهنك عند مشاهدة أعمال الفنان الذي بات صاحب الشعبية الأكبر خلال السنوات الأخيرة، ليس لكونه فنانا يبحث عن الشهرة بل أنه يبحث عن فكرة لكن الشريف هذه المرة في مسلسله "النهاية" تخطى هذه المرحلة ليبحث ويفتش عن المستقبل ومخاطره، وأقصد من ذلك أنه مهموم بقضية كبرى تشغله وتؤرقه وبالتأكيد أنها لم تظهر بين يوم وليلة بل أنها نتاج تراكم لكثير من الأحداث التي تعايشنا فيها.
موضوعات مقترحة
هذه الأحداث التي لربما تمر على الكثيرين لكنها لم تمر على يوسف الشريف مرور الكرام ليصيغ منها فكرة مسلسله "النهاية" ويضع يديه على قضايا المستقبل الشائكة التي لابد أنها ستحمل تهديدًا واضحًا ليس للقدس فقط التي تدور بها الأحداث بل للعالم أجمع ممثلة في القضية الرئيسية "الطاقة".
ربما اتخذ الشريف من هذه القضية التي صاغها السيناريست عمرو سمير عاطف نقطة الانطلاق لتلك الأزمة التي ستعصف بالعالم في المستقبل، فالحروب القادمة ستكون عن الطاقة في ظل أزمات ارتفاع الاستهلاك وعدم استغلال الموارد الطبيعية وهي تفاصيل ترد على لسان البطل في الحلقة الأولى تكشف عن الوضع الحالي وخطورة تأثيرها على المستقبل.
لماذا اختار الكاتب "القدس" محطة لتناول قضية الصراع على الطاقة؟
اختيار القدس لتكون محور أحداث قضية الطاقة له دلالة هامة وذكية، فالدولة الفلسطينية بشكل عام لها باع في مجال العمل بالطاقة الشمسية فكم من مشروعات قدمت بها من أعمدة إنارة في بعض القرى والمستشفيات ولكن مع هذا تشير الدراسات إلى أن توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية تجربة باتت ترتبط بمزيد من البحث والعلم وهو ما تحاول الدولة الفلسطينية العمل عليه خصوصًا وأن طبيعة تكوينها تسمح بذلك والسلطة الفلسطينية تحاول دعم كل المبادرات والمحاولات الفردية والجماعية في هذا الاتجاه، خصوصًا مع موقع الدولة المميز والذي يبعد ٣٣ درجة من شمال خط الاستواء ما يعني فرصا أكبر لتوفير الطاقة الشمسية ولكن الطريق ما زال في بدايته، ما يعني أنه بعد مرور مائة عام من الآن كما تشير أحداث العمل ستمنح فلسطين مكانة أخرى من العلم واستغلال الطاقة الشمسية والتي ستجعلها أيضًا محورا للصراع من قبل كيانات معروفة وأخرى مجهولة.
وهذا يعني أن دلالة اختيار القدس بأحداث "النهاية" والإشارة أكثر من مرة في حديث الأبطال عن اندلاع الحرب وتحريرها يشير إلى أنها ستظل كنزًا يصارع عليه الجميع من أجل البقاء خصوصًا وأن من يدير شئونها أمنيًا كما يبدو بالأحداث يريدون إفشال كل المخططات نحو التعليم والتعلم فهم يحاربون الأطفال في الملاجئ ويقومون بنفيهم لمناطق الإشعاع النووي إذا خالفوا القواعد حتى يصادروا العلم من منبعه "الطفل".
وهنا يؤكد الكاتب عمرو سمير عاطف على دلالة أخرى هامة ممثلة في اسم "يحيى" وهو الطفل الذي يولد للمهندس "زين" الذي يعمل في مجال الطاقة وقام باختراع "مولد طاقة" يوفر أكبر كمية من استهلاك الكهرباء، ف "يحيى" هو رمزية للنبي الكريم الذي ورد ذكره في القرآن للتأكيد على ما خصه به الخالق من حكمة وعلم، ما يعني أنه مهما حاول الأعداء التصدي للعلم فإنه سيظهر جيل جديد يواصل المسيرة، ولاشك أن قضية "العلم" هنا هي محور آخر يتماشى مع قضية العمل الرئيسية "الطاقة" المرتبطة بها.
واستكمالا لما نشير إليه من دلالة لاختيار القدس، فإن هناك جرأة ممثلة من فريق العمل في اختيار "القدس" ففي الأحداث يؤكدون على تحريرها ومع بداية الحلقة الأولى يشير البطل إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت في سابق "القدس عاصمة لإسرائيل" في مطلع القرن الحادي والعشرين تفتت، وربما يكون ذلك إشارة أخرى إلى أن المدينة ستكون محورا للصراع من قبل الدولتين الحليفتين "أمريكا وإسرائيل" بالمستقبل فصحيح كما تشير أحداث العمل انتصرت القدس وتفتتت الولايات المتحدة لكن تبقى القدس محورا للصراع الذي لن يكون سياسيًّا هذه المرة ولكن من أجل استمرار البقاء والدلالة هنا ممثلة في القوة الجديدة التي اختطفت يوسف الشريف المهندس "زين" من أجل تنفيذه لهم درعا كبيرا للطاقة لحمايتهم.
والإشارة هنا لهذا التحالف بين "أمريكا وإسرائيل" يبدو في هيئة الملابس وبعض الكلمات والأسماء مثل "سليمة" المسئولة عن مساعدة المهندس زين، وهي الشخصية التي ظلت تقاوم مرارة الحرب وقتلت والدتها بسببها ورفضت الحياة إلى أن جاءت إلى "الواحة" هذا المكان الذي أحياها من جديد ووجدت به ذاتها، و"سليمة"هو اسم يشير للسلام، وتظهر مرتدية للون الأسود طوال الوقت، وهناك أيضًا شخصية "أدهم" الذي أخذ المهندس "زين " إلى هذا المكان "الواحة" فقد كان صديقًا قديمًا له يعيش معه بمنطقة العريش إلى أن اختفى بعد تخرجه، ليظهر مجددًا وتبدو عليه علامات إيمانه بالكيان الجديد الذي يعمل لديه.
هناك محور ثالث شديد الأهمية أفرزت عنه الحلقات الأولى ل "النهاية" ممثلة في تحول العالم تكنولوجيًّا لدرجة تحذر بكثير من المخاوف، ألا وهو "صناعة الروبوتات" والحصول على وعي الأشخاص وهو خطر يمكن أن يفرز عن مصائب كبرى للعالم ولعله سيتضح في الحلقات القادمة عندما يصطدم وعي المهندس " زين" الحقيقي بنظيره "الروبوت" الذي صممته له "صباح" التي عشقته لدرجة أنها صممت إنسانًا آليًا بنفس مواصفات شكله لتعيش معه قصة حبها.
ورغم تصنيع سهر الصايغ "صباح" لهذا الروبوت في منزلها المتهالك وبصحبة صاحب ورشة الكهرباء "عزيز" الذي يلعب دوره عمرو عبد الجليل يبدو أمرًا غير منطقي بالأحداث لكونه يتطلب مزيدا من التحضيرات الخاصة داخل كيان يعمل بالتكنولوجيا إلا أنه يمكن قبول الأمر لكونه عملا مستقبليا ولا نعرف وسط سيطرة التكنولوجيا على حياتنا حاليًا ماذا ينجم عنها لاحقًا فقد تكون صناعة الروبوتات قريبة لهذه الدرجة وبهذا الشكل.
لكن الأخطر من ذلك يتمثل في فكرة نسخ وعي الأشخاص الحقيقيين وتوظيفها على حسب رغبة كل شخص من الممكن أن يمتلك إنسانًا آليًا وربما يكون ظهور روبوت "صوفيا" في الفترة الماضية سببًا لتفكير صناع العمل من صاحب الفكرة يوسف الشريف وكاتبها السيناريست عمرو سمير عاطف دافعًا لاستشعار خطورة الأمر لاحقًا.
وثمة أمر آخر غير منطقي ممثل في طريقة الحديث المستخدمة بعد مرور مائة عام فليس من المنطقي وسط هذه التحولات التكنولوجية أن يظل الأفراد على شاكلتهم لكن يمكن قبول ذلك في دلالة على احتفاظ العرب بهويتهم فاللغة هي أصل الهوية والشخصية العربية.
مسلسل "النهاية" بعيدًا عن الحديث عن الاحترافية في تنفيذ تقنيات الجرافيك المستخدمة به وطريقة أداء الأبطال التي لا تسع هذه السطور للحديث عنها، فإنه عمل يضع نفسه في صدارة أهم الأعمال الدرامية ليس فقط المقدمة بالموسم الرمضاني الحالي بل في العقد الثاني من القرن العشرين وسط تغييرات سياسية متعددة ومعارك تبتعد عن الحروب بالأسلحة، ويحسب لصناعه الجرأة في التناول والاشتباك مع ملفات شائكة شديدة التعقيد لعلها تزداد خطورة بالمستقبل.
ولهذه الأسباب يبقى يوسف الشريف في منطقة خاصة من أبناء جيله، فنان يفتش ويقرأ ويستشعر المخاطر ليقدم مشروعًا يدعو للنقاش والتحليل، ويعي جيدًا كيف يختار من يساند مشروعه ويترجم أفكاره ممثل في الكاتب عمرو سمير عاطف الذي شاركه في سلسلة من الأعمال الناجحة، وحتى بالرغم من أحاديث البعض عن الاقتباس من أعمال أخرى أجنبية فإن اختيار القدس وربطها بهذه الصراعات وفي هذا التوقيت أمر يستدعي التوقف والانتباه أننا أمام مشروع درامي هام.