لم يكن "كورونا" أول وباء يصاب به البشر، ويتم توجيه الاتهام للحيوانات بأنها ناقلة للعدوي، فقد حدث ذلك تزامنا مع عدة أوبئة ضربت مصر في أزمنة قديمة ، ومنها الكوليرا أو الطاعون، حيث تم التخلص من الكلاب ببشاعة، وتم تعليق جثثها علي الحوانيت والدكاكين، خاصة خلال حقبة الغزو العثماني، الذي أصدر قانونا عام 1518م بقتل الكلاب في شوارع القاهرة وأحيائها كافة، وهو مارفضه المصريون، الذين كانوا يعتبرون عادة قتل الكلاب فألا سيئا.
موضوعات مقترحة
تقول الباحثة "ليلي السيد عبدالعزيز" في كتابها "الأمراض والأوبئة وآثارها على المجتمع المصري": في طليعة الحكم العثماني تم إصدار قرار بقتل الكلاب، بل تم إصدار قرار آخر بقيام الأهالي بكنس الشوارع ورشها بالمياه، ومن لم يقم منهم بتنظيف مكان في عهدته، ويتركه ملوثا، يعاقب أشد العقاب، وأكدت ليلى السيد أن العثمانيين نقلوا المعتقدات الشائعة لديهم، فعندما حدث الطاعون في عام 1524 بمصر تم قتل الكلاب وتعليق جثثها أمام الحوانيت .
كان العثمانيون يعتقدون أن بعادة قتل الكلاب يقومون بإخافة الطاعون، حسب ما أوردت الباحثة ليلي السيد عبدالعزيز ،مؤكدة أن المصريون رفضوا قتل الكلاب حيث كان يعد فألا سيئا لذلك تدخلوا بشتى الطرق للحيلولة دون قتل الكلاب، رغم ما كان يعتريهم من وباء الطاعون وعدم الاهتمام بالصحة في هذه الحقبة.
جاء الطاعون الذي حصد آلاف الأرواح من المصريين في حقب زمنية مختلفة، في وقت عانت فيه مصر خلال الحكم العثماني، حيث لم تنل أي اهتمام في شئون الصحة، فانتشرت الأمراض والأوبئة ومنها طاعون عام 1695م، والذي جعل عادة دفن الموتي تتم بإجراء الكشف علي الأموات، وأن كل من مات له ميت يدفنه من غير كشف، حيث كان الشائع من ملتزمي الأموال في هذه الحقبة امتناعهم عن إعطاء التصريح بالدفن قبل حصر تركات المتوفين، وقد يمضي عدة أيام حتي تتعفن الجثث، وتزداد احتمالات نشوب العدوى، مما جعل أصدر القرار مهما للتغلب على الوباء في هذه الفترة.
في عصور ماقبل التاريخ كان الحيوان هو المعلم الأول للإنسان، فمن خلال الحيوان عرف الإنسان شكل هيكله العظمي الداخلي، وما يضمه من أعضاء داخلية، ومن خلال الحيوان عرف الإنسان الأول أن الرغبة في الشفاء هي غريزة طبيعية، كما يؤكد الدكتور حسن كمال في كتابه "الطب عند المصري القديم" والصادر في عشرينات القرن الماضي، مؤكداً أن الطبيب في العصور السحيقة هو الساحر والكاهن كان يمثل عند بعض الشعوب البدائية، بالإنسان ذي الرأس الغزال.
ولأن الشفاء من الأمراض غريزة طبيعة، لذلك يتمرغ الحيوان في التراب لقتل الجراثيم، ثم يلعق جرحه ليقتل الجراثيم الضارة، فللعابه خاصية قتل الجراثيم، ويبحث الحيوان عن إقليم ليسد فيه نقص غذائه.
يقول المؤرخ والأثري فرنسيس أمين في تصريحات لــ"بوابة الأهرام" إن المصري القديم هو أول الشعوب التي تعاملت برفق مع الحيوان وعرفت خصائصه، حيث اهتدي المصري القديم لأن قرون الخرتيت تطرد الجراثيم، وأن التاريخ البشري يؤكد أن المياه الغنية بالكبريتية والراديومية والتي يستخدمها الأنسان في العلاج كان الفضل فيها للحيوان قبل الإنسان، الذي اهتدى إليها واستخدمها.
وأوضح أمين أنه حدث في حقبة زمنية قديمة أن أصيبت الحيوانات في إفريقيا بوباء غريب، حيث بقيت الأغنام التي تغذت على أوراق شجر مدقوق فيه قضيب نحاس، حيث الشجرة امتصت النحاس ووزعته علي أوراقها فلما أكلته تم شفاؤها فأبعد عنها الموت ،حيث الحيوان يميز بين الطعام النافع فيأكله والسام فيتجنبه وقد ورث الإنسان عن الحيوان هذه الخاصية.
نشرت الصحف الأجنبية في نهايات القرن التاسع عشر أن التخلص من الكلاب وقتلها تسبب في وباء الكوليرا كما يؤكد فرنسيس أمين ،وأن بعض الشعوب في حقب زمنية متأخرة أعتقدت أن المرض هي روح شريرة تتلبس الأنسان، وأن الروح تتقمص جرو فيتم وصف لحم الجرو من خلال الساحر للمريض لكي يتم التخلص من المرض، وكذلك إذا كان مريضا بالكبد، وقد استمرت هذه الوصفات في أوروبا حتي قرون متأخرة.
وأثبت الأطباء المصريون أن الحيوانات غير ناقلة لوباء الكوليرا في حقب زمنية مختلفة، وأنها تصيب الإنسان فقط، وأنه قبل اكتشاف ميكروب الكوليرا لاحظ الأطباء علاقة الأحوال الجوية بانتشار المرض، حتي أنهم سموه بالهواء الأصفر، وكان أول من ذكر ذلك هو الطبيب اليوناني "أبو قراط"، أما في وباء الكوليرا العاشر عام 1947م فقد تم نشر صور لسيدات يقمن بتربية الحيوانات المنزلية، للتأكد أن الحيوان غير ناقل لوباء الكوليرا.
الاوبئة والحيوانات الاوبئة والحيوانات الاوبئة والحيوانات