قال الناقد الدكتور يسرى عبد الله، إن قصة "مستعمرة الجذام" تتسع بها مساحات السرد التحليلى، حيث نرى ما يُسمى بالوظيفة التحليلية للسرد، فالسرد يتوقف عن أن يقدم لنا نسقاً إخباريا ويبدأ فى تحليل احداث القصة نفسها والتعقيب على النسق القصصى احيانا.
موضوعات مقترحة
وأضاف عبد الله، خلال اللقاء الذى عقُد بمنتدى المستقبل بحزب التجمع، لمناقشة المجموعة القصصية "مستعمرة الجذام" للكاتب فتحى إمبابى والصادرة حديثاً عن دار ابن رشد، أننا أمام نص يشير إلى مجموعة من المقولات التى تحمل أفكارًا ولا تعتمد على اليومى والمعيش إلا فى بعض النصوص فى مستعمرة الجذام والتى تعتمد بنائياً على المحاكاة التهكمية.
ويستكمل: تحيلنا هذه المجموعة التى تتشكل من خمس قصص إلى رواية "شرف الله" للكاتب ذاته، التى كانت مسائلة للمثقف المتخلى عن موقعه الذى يوجد دائماً فى خدمة السلطان حيث لا ولاء لشيء أو قيمة.
ويستطرد: إن عوالم القوة المدججة بسلطة المعرفة وتطويع الإيديولوجيا وعن أزمنة التفسخ وللمعنى واضطراب القيمة وثنائيات الشرف والخسة، العدل والجور، الضمير والتداعى تتسرب كل تلك السرديات الكبرى فى متن المجموعة القصصية مرتهنًة برهان التفاصيل الصغيرة والمحاكاة التهكمية وأحيانا البناء الرمزى. كما فى قصتى "مستعمرة الجذام والرجال الطبيعيون".
ويتابع: ستبدو القصة المركزية "مستعمرة الجذام" التى تُشكل أربعين صفحة من 100 صفحة إجمالى الكتاب، معنية "بتأبير" معنى المثقف التقنى، هذا المثقف التقنى الذى يتاجر بالناس والأحلام والثقافة والتنوير فى القصة، والذى يسأله الكاتب.
ورأى عبد الله أن "مستعمرة الجذام" مستعمرة للتشوهات اللانهائية والتى يتأخر ذكرها فى النص. وأضاف: العنوان يدفعنى إلى استدعاء ميشل فوكو باعتباره واحداً من أنباء الحداثة. كما يقف فتحى إمبابي على تخوم ما يُسمى بالسرديات الكبرى مدافعاً عن المقولات الكبرى والتى لم تمت ولكن أعُيد إنتاجها عبر عناصر ذاتية وتفاصيل صغيرة.
ويضيف: فى قصة "عزيزى تيمور"، يحيلنا العنوان إلى السبعينيات حيث المناضل تيمور الملوانى. كما تحيلنا إلى جملة مركزية تتواتر طول هذه القصة هى عزيزى تيمور. كما تلعب الهوامش دوراً فى تكملة القصة التى تبدأ من الراهن. فضلاً عن قيامها بأنسنة التفاصيل الصغيرة مثال التعاطى مع تيمور ليس بوصفه زعيما سياسيا ولكن بوصفه انسانًا.
ويواصل: وفى قصة "الرجال الطبيعيون" إحالة إلى المعنى ونقيضه، بين أن تكون أنت أو تكون محمولاً على سلم الصعود إلى الهاوية.وسنرى أيضا لعبة تبادل الأدوار بين أولئك الرجال الطبيعيين الذين يشيرون إلى الشرف والنبل والكرامة وبين أؤلئك الرجال الصاعدين الذين صاروا فى زمن التفسخ هم الرجال الطبيعيون. ويؤكد على أن القصة تحمل مزيداً من الأسئلة والتأمل لواقع شائن ومهلهل.
وفى قراءة الشاعر والناقد جمال القصاص لمستعمرة الجذام أشار إلى أن رمزية الجذام هذا المرض الفتاك لا تقتصرعلى سكان البرك والمستنقعات الذين تحولوا تحت وطأة المرض إلى زواحف وقوارض، بل تمتد هذه الرمزية إلى سُكان الأطراف المحيطين بحواشى الحكم والسطلة، السُدة العليا حيث تتحول الحياة إلى مهرجان من الأضواء الفسفورية بحد تعبيرالكاتب نفسه.
وتابع: ثمة إحساس دائماً بالخوف والهلع يطارد الجميع بينما تبرز الغرابة المقلقة وكأنها قانون لعبة التى يتسابق أبطالها فى صناعتها لتصبح على مقاسه فقط وطوع مصالحه ونزواته. يطالعنا هذا فى القصة الأولى "الرجال الطبيعيون"، حيث يحدد صراع السطح والأعماق طبيعة الشخوص نظرتهم إلى المستقبل وواقع الحياة من حولهم.
ويستكمل: يقول الكاتب وهو الراوى العليم فى إحدى قصص المجموعة: لعنة الله على الذين ملأوا عقولنا بالآلهة الأبطال وصراع الطبقات والأخلاق المستقيمة وتلك الأساطير المسماة بالوطن والشعب والطبقات الكادحة. الان يتخبط الجميع هرباً من ذلك الانحدار الدامى وطلباً للصعود. الآن لا التقى سوى بالنوع الجديد من الرجال الصاعدين. ونحن لا نزال نتمسك بما يثقلنا عن الصعود لضوء شمس جديدة. إذا قيل لنا إن الشمس التى أمدتنا بالضوء لم تكن سوى شمس كاذبة.
ويتساءل: من يملك الحقيقة بالضبط ومن يصنع الوهم بها ؟ الرجال الطبيعون وحدهم قادورن أن ينقذوا الحياة من المستنقعات على جثث الضعفاء حين تغرق السفينة. الرجال الطبيعيون هم الذين يستطيعون أن ينشدوا الحياة حتى لو كان الفساد طريقهم. اما أؤلئك الذين يقضون حياتهم فى سبيل الغيب فهم المنكبون بالبلاد والمباعون فى أسواق الوهم والنخاسة.
ورأى القصاص أن الكاتب ينطلق من فكرة أساسية وهى الولع بفكرة القفز خارج المكان. وأن هذا الولع ليس مجانيًا ولكنه يوظفه لضرورة فنية لاستحضار الشبيه أو الضد للمكان نفسه ليضفى على أجواءه الواقعية والتخيلية مسحة من المصداقية تصنع بدورها ما يشبة المقارنة الضمنية وتوسع من رقعة المشهد ليشتبك مع حياة إنسانية تمنحه صفة الدوام والتماثل والنسخ والتكرار وهذا يبدو فى قصة تيمور.
جانب من الندوة جانب من الندوة