على مدار 35 عامًا هم عمر مشواره الإبداعي، أصدر سعيد الكفراوي (1939)، 12 مجموعة قصصية، ولم يحاول ولو لمرة واحدة أن يصدر رواية، وربما كانت تلك هي الهدية التي يحتفظ بها ليهديها إلى نفسه، مع بلوغه عامه الثمانين، الذي أتمه اليوم، يقول الكفراوي، إن "الماضي كله كان احتشاد لكتابة 12 مجموعة قصصية قائمة على جدليات فلسفية مختلفة وتنتمى للروح المصرية".
موضوعات مقترحة
وفي يوم ميلاده، التقت بوابة الأهرام، الكفراوي، الذي أعاد في حوارنا معه، استعراض تجربته الأدبية الطويلة وحدثنا عن أمنياته للمستقبل، وروايته الجديدة الذي سيشهد عامه الجديد صدورها.
يقول الكفراوي، واصفًا منجزه: " مشوار كان يحلم بتعدد أشكال الكتابة فأكتب الرواية والقصة والسيرة الذاتية، لكن حتى الآن، انتهى المشوار بأني انتهيت إلى كاتب قصة، أنا واحد من الكُتّاب الذين كانوا يلوذون بمجالس أستاذنا نجيب محفوظ وكانوا جميعاً في ذلك الوقت بلا استثناء يكتبون القصة القصيرة، أنا وأصلان ومحمد مستجاب والبساطي ويوسف أبوريا والورداني ولم يكتب الرواية في هذا الوقت سوي عبدالحكيم قاسم وصنع الله إبراهيم ويوسف القعيد، وحين حدثت متغيرات في الواقع وبنية المجتمع بسبب الانفتاح وهجرة المصريين للخارج وسطوة الإسلام السياسي وتراكم الأموال القادمة من الخليج، أعتقد كثيرون أن الشكل الروائي هو الأقدر على التعبير عن تلك المتغيرات فهاجر الجميع إلى زمن الرواية، ذلك الشعار الذي أطلقه أستاذنا جابر عصفور، وتبقيت أنا وصديقي القاص البديع محمد المخزنجي نكتب القصة القصيرة".
لكن صاحب بيت للعابرين، يملك رواية، وإن كتبها كقاص، بحيث إنه بدا مرتابًا تجاه تصنيفها، أو ربما منحه أمله في كتابه رواية وروحه التي آلفت القصة هويات عدة، يقول: "أتمني أن أنجز كتاباً انشغلت به في السنوات الأخيرة ولم أنهيه لأسباب كثيرة، عنوانه "20 قمر في حجر الغلام"، وهو نص عن صبي يمكن التعامل معه على أنه نصاً روائياً أو سيرة غلام أو قصص قصيرة، بنيته الشكلية تعطي كل تلك الأشكال وهو كتاب بسبب صعوبة تناول ما يجري فيه، حيث يتتبع سيرة غلام قروي من القرية إلى مدينة فيها عشق للحياة، وفي النصوص شغف بالماضي على اعتبار الماضي أصدق الأزمنة يذهب إليه الحاضر والمستقبل وفيه قدر من الألم، ألم اليتم والرحيل، وفيه جدلية بين القرية والمدينة، وتتميز النصوص بالغرائب وبكسر الواقع والإيهام والبناء الشعري أتمني أن أنتهي منه بحلول شهر مارس وربما تفرغت لمسائلة عالم روائي".
يؤمن صاحب زبيدة والوحش، أن للقصة القصيرة متعة توازي تلك التي يحصل عليها القارئ من الرواية، وأن بعض الروايات لا تستطيع أن تجاري القصص القصيرة في التـأثير نظراً لتكثيف الحدث في القصة، لكن "20 قمرا في حجر الغلام"، ليست محاولت الأولى لكتابة رواية، فقد سبق وأن شرع في كتابة نص وضع له عنوان "بطرس الصياد" وأنجز منه حوالي 150 صفحة لكنه لم يكتمل، يقول:"دخلت على هذه الرواية بنية وإرادة أن أكتب رواية لا تُكتب فلم تكتب، الكتابة تطلب من الكاتب التواضع فكما قال بعض الزملاء "الكتابة أرزاق" هذه هي الأزمة، فالماضي كله كان احتشاد لكتابة 12 مجموعة كلها قامت على جدليات القرية والمدينة، الحياة والموت، الواقع والأسطورة، واستطاعت أن تغوص في تلك المجموعة الغامضة من الواقع المصري بشخوصه وأساطيره واستطاع ما كتبته أن يقدم منطقة اسمها منطقة الجماعات المغمورة عند سعيد الكفراوي، "النقد قال كده"، وكان من حظ هذه المجموعة أن تناولها أهم النقاد العرب منهم أساتذتي سيزا قاسم وشكري عياد وجابر عصفور وأدونيس والسوري العظيم صبحي الحديد والمغربي محمد برادة وغيرهم الكثيرمن النقاد الذين تناولوا تجربتي القصصية، وأحمد الله علي ذلك، وأعتبر نفسي في الركب الذي يقوده يوسف إدريس وإدوار الخراط نسير عبر أفق من حلم ونعتبر فيما أنجزناه أنجزنا صيغة في الكتابة تنتمي والحمدلله للروح المصرية في الزمان والمكان والمعني".
ويرتبط أدب الكفراوي بسيرته الذاتية: " كل ما كتبت كأنه سيرة ذاتية ودائما ملئ بالأطفال خاصة شخصية الطفل عبدالمولى المتواجد في خمس مجموعات تقريبا.. يقول أصلان، رحمة الله عليه، "نحن لا نكتب الدنيا لكن نكتب بها"، فنحن نكتب بسيرنا وبمعرفتنا وبعلاقتنا مع البشر وبالحكاوى التي سمعناها وبحكايات الجدات والخالات والآباء، كلنا بحياتنا كتبنا لذلك أنا أعتقد أن ما كتبناه يمتاز بدرجة من الصدق ويجب في ذلك مراجعة قاص لا يباري هو محمد مستجاب".
بدأ الكفراوي الكتابة في السيتينات إلا أن مجموعته القصصية الأولى نشرت في الثمانينات بعنوان "مدينة الموت الجميل"، وتوالت بعدها المجموعات القصصية منهم "ستر العورة" و"سدرة المنتهى" و"البغدادية" وصدر له عام 2015 "زبيدة والوحش" وهي مختارات قصصية من أعماله عن الدار المصرية اللبنانية، وحاز شيخ القصة على عدد من الجوائز منهم جائزة السلطان قابوس للقصة القصيرة عن "البغدادية" وجائزة الدولة التقديرية للآداب عام 2016.
ويتمنى الكفراوي في عامه الجديد: "أن يختلف عن العام الماضي في كل شيء على مستوى الحياة الشخصية والعامة، ففي العام الماضي لم تكن الأمور طيبة في كل الأحوال فقد رحلت شريكة عمري وزجتي السيدة أحلام في شهر إبريل وتركت جرحاً أعتقد أنه لن يندمل، وأتمنى أن أنجز كتابي الجديد، وأتمنى أن يرفع الله عن أصدقائي الراحلين وأن يؤجل فعل الموت، كما أتمنى للثقافة المصرية الخروج من عنق الزجاجة والخروج من سلطة الدولة التي لم تعد تهتم تماماً بالفعل الثقافي مع أن الثقافة طوال عمرها قاطرة للتحضر في مصر وإحداث الدور الرائد لها، فلم تكن مصر في الحقبة المدنية زمن الدولة الليبرالية موجودة وفاعلة وقادرة على التغيير ومؤثرة في الآخر سواء القريب اوالبعيد إلا عبر الفعل الثقافي، حيث وجدت نخبة في تلك الفترة في الأدب والفكر والفنون والعلوم، وكان التعليم قاطرة للانتقال من الضرورة إلى الحرية".
ويضيف "أتمنى أيضاً أن نتجاوز تلك الأزمة الاقتصادية الخانقة، والتي الاحظ أن التغيير فيها يأتي عبر الكلام وعبر العرض وليس الفعل الحقيقي، 6 سنوات ومن الثورة 8 سنوات والحال يزداد صعوبة علي مواطن يعاني في إيجاد ما يسد الرمق، أريد أن نخرج من الفعل الفردي المحلي نخرج علي الثقافة العربية والعالمية مثلما كنا بالملتقيات والندوات والجوائز حتى يحدث الجدل بيننا وبين العواصم العربية المزدهرة وحتى تسترد مصر دورها باعتبارها كانت المركز الوحيد للثقافة العربية تساعدها في ذلك العراق ولبنان والآن أصبحت أحد المراكز المتأخرة بعد الخليج والمغرب وبعض البلدان الأخرى".