تنشر بوابة الأهرام، مسودة وثائق نادرة، في اليوم العربي للوثيقة، كتبها مؤرخ مجهول من الخمسينيات، عن حروب محمد علي باشا مع الدولة العثمانية في بلاد الشام، بناء على ما اطلع عليه من أوراق حفظت في دار الوثائق القومية.
موضوعات مقترحة
حيث زيل المؤرخ مجهول الاسم، أرقام الوثائق والمراجع التي تتحدث عن هذه الحقبة المهمة من تاريخ مصر والمنطقة العربية، كما استخدم عدة ألون للكتابة مثل اللون الأسود الذي كتب به معظم مسودات الوثائق التي تتحدث عن حقبة مجهولة فى تاريخنا العربى، وهى فترة الوجود المصري فى بلاد الشام، بالإضافة إلى الأزرق الذي استخدمه كخطوط يضعها على الكتابات، والأحمر في ملحوظات وأسئلة ضرورية كان يكتبها حين ينتهى من كتابة مسودة الوثيقة.
حين سيطر إبراهيم المصري على فلسطين أصدر أمراً لأرباب الأمر والنهى بيافا، في 15 جمادى الآخرة سنة 1247هجرية، وتسجل الوثيقة التاسعة والعشرون، دخول قوات إبراهيم المصرى ليافا وقصبتى الرملة واللد وباقى البلاد التابعة لها فى طاعته، حيث قرر إبراهيم المصرى إبقاء المتسلم السابق إبراهيم أغا فى منصبه لوثوقه من خدمته، كما ذكر فى الوثيقة الخدمات المنوط على الأغا القيام بها بصفته يحكم مدينة يافا، كما أمر إبراهيم المصرى بعدم التعرض للرهبان والكنائس فى ربوع فلسطين.
وأرسل إبراهيم باشا المصرى كما يطلق عليه أهالي الشام رسالة إلى مشايخ حيفا فى جمادى الأولى – الوثيقة الرابعة والعشرون – وأنذرهم بعدم التعرض لراهب دير الكرمل حيث بلغه أن الأهالى أخذوا من أتباعه دراهم وسخروا دواب الدير مؤكداً لهم بصيغة جازمة أنه لابد من تسليم كل المأخوذ من أتباعه وأنهم لايعودون لمثل هذه الأعمال ثانية وختم وثيقته بلقب "الحاج إبراهيم مير ميران كتخدا والى مصر والى النعم" أما مسودة الوثيقة الثالثة والثلاثين فكتبت فيها إبراهيم باشا قراره باستجابته لأهالى القدس وعلمائها فى تنصيب يحيى بك واليًا على المدينة لثقتهم فيه واستحسانهم له.
وتتحدث الوثيقة رقم 30 عن الفرسان الصعايدة كما كتبها محرر مسودة الوثائق بعنوان "من إبراهيم باشا إلي الشيخ محمود والشيخ سليمان عبدالهادي" 20 جمادي الآخر 1247 هجرية، إرسال هواري باشا حسين أغا قازان وصاحبه 130 خيالًا لأجل محافظة الناصرة وطبرية، وأمرنا لتكون يدًا واحدة في أمر المحافظة علي الأهالي ومنع ضرر العربان عليهم مع إرسال 94 خيالاً برئاسة علي أغا عون الله هواري لتقييم لمحافظة المرج، كما نصت مسودة الوثيقة علي وجود حامية ثالثة من 50 خيالاً لتقيم في جسر الجامع للمحافظة علي البلاد برئاسة هواري باشا محمد أغا، بما أن هذه النواحي بالقرب منها فيلزم أن يكون من الهواري باشا قوات الحاميات بيد واحدة .
كما كان على والى مصر الأكبر أن يقوم بجمع الصوف لكسوة الجنود بسبب برودة الشام وبعد نجاح القوات المصرية فى فتح عكا أرسل لها مجموعة من الزراعيين مع التقاوى والشاتلات اللازمة من حديقة إبراهيم باشا كما تضم مراسلات بالتركية والعربية، مثل طلب إرسال أحد قواصة الجيش المصرى بنفقاته بسبب سفره لديار بكر الثانى، كما تعج الوثائق بدور الإدارة المصرية فى منع الظلم وحفر الترع والقنوات واستصلاح الأراضى وإعادة تعمير القرى التى انسحب منها أهلها مع تطويرها وإدخال صناعات جديدة لها.
نجحت القوات المصرية بقيادة إبراهيم باشا المصرى فى الاستيلاء على عكا بعد حصار دام نحو ستة أشهر حيث سقطت فى مايو عام 1832م ليواصل قسم من الجيش المصرى بالزحف نحو حماة وحلب، . فيما قام السلطان العثماني بإصدار فتوى شرعية بأن محمد علي باشا ونجله إبراهيم مارقان وخارجان عن الشريعة ويستحق قتالهما.
المؤرخ أحمد غسان سبانو، أحد المتخصصين في حقبة التواجد المصري في بلاد الشام، أكد في دراسته أن إبراهيم باشا المصرى كان يرد على منتقديه حين يرفع شعار "القومية العربية" بأنه ولد غير عربى لكنه عاش فى مصر العربية وقد حولت مصر العربية دمه إلى دم عربى، حيث كان إبراهيم باشا المصرى يتحدث عن اقتناع كامل بضرورة قيام دولة عربية موحدة تحمى الحرمين الشريفين، كما قام بنشر التسامح بين كل الطوائف فى بلاد الشام من مسيحيين ودروز وموارنة ومسلمين وغيرهم، وأوضحت مسودة الوثيقة رقم 58 الصادرة فى 21 ذى القعدة عام 1247م "أن إبراهيم باشا تخطى حدود الدولة الخاقانية وضبط غزة ويافا وطرابلس وغيرها من السواحل البحرية وما يليها من الممالك البرية، وهذا يعد خروجًا على السلطان العثمانى، لذلك وجب على أعيان دمشق الاتفاق ومعاهدة أولى الأمر لسحقه، وذلك طبقًا للفتوى الشرعية الشريفة الصادرة بحقه والوارد من السلطان بمجازاته وسحقه.
واجه إبراهيم باشا الذى أطلق عليه السوريون إبراهيم المصرى، الكثير من الصعوبات أثناء فترة الحكم المصرى لبلاد الشام التى استمرت لمدة 3 سنوات ومنها دخوله فى حرب مباشرة مع الدولة العثمانية لإزالة الوجود التركى من بلاد الشام التى كانت تعيش فى فوضى عارمة وأراد بقدر المستطاع أن يضبط الأمور السياسية والاجتماعية والاقتصادية بل والزراعية فيها، كما تظهر الوثائق المتواجدة فى دار الوثائق القومية "قيام إبراهيم باشا بتكوين فرقة من المسيحيين فى فرقة كبيرة، ففى وثائق عابدين يستشير إبراهيم باشا والده محمد على فى تجنيد مسيحيى الشام بعد أن قام الأتراك بتجنيد الأرمن فى فرقة أطلق عليها بلطجية ويسمح له والده ويقول له سر على بركة الله" حيث تظهر الوثائق جرأته الكبيرة فى التقدم نحو آسيا الصغرى وشجاعته فى إعلان الانفصال عن الدولة العثمانية بعد أن سيطر على بلاد الشام.
تكشف وثائق محافظ الشام مثلما يوضح كتاب "دراسة نقدية تحليلة لمصادر الحكم المصرى فى بلاد الشام"، إزعاج القناصل الأوروبيين لإبراهيم باشا فالقناصل الأوروبيون الذين حازوا على امتيازات كثيرة من الدولة كانوا يعرقلون كل الإصلاحات التى يقوم بها فى بلاد الشام وقاموا بفتح الخمارات بدون إذن من الحكومة ورفضوا دفع الواردات وأطلقوا العنان لأتباعهم لمضايقة الإدارة المصرية، مما جعل إبراهيم المصرى يرسل لوالده قائلاً "إن هؤلاء القناصل مصدر ألمى، إنهم يعرقلون كل خطوة تخطوها الحكومة، إن السلطان والطاعون لايبدو شيئًا مهمًا أمام القناصل، إنهم يزعجوننى ولا أستطيع أن أفعل شيئا تجاههم".
واتجه إبراهيم باشا بعد سيطرته على بلاد الشام لمحاربته الدولة التركية العثمانية حيث اتجه نحو مضيق بيلان قرب القوات التركية لتبدأ الحرب بين القوات المصرية والقوات التركية حيث انهزمت القوات التركية أمامه وفر قائد القوات التركية حسين باشا مع بعض قواته نحو أضنة.
تابع إبراهيم باشا ملاحقة القائد التركى الهارب نحو أضنة واستولى على أضنة مما اضطر السلطان العثمانى لتغيير القائد التركى حسين باشا وقام بتنصيب رشيد باشا قائدًا للقوات، الذى قام بجمع 30 ألف مقاتل فى قونية ليواجه القوات المصرية ولكن براعة إبراهيم باشا المصرى جعلت النصر حليفه.
بعد هزيمة الأتراك من القوات المصرية حاول السلطان العثمانى مساعدة الدول الأوروبية للوقوف ضد القوات المصرية وانتهت بمعاهدة صلح كوتاهية فى 1833م حيث أصدر السلطان العثمانى فرمانًا بتثبيت حكم محمد على باشا على مصر والجزيرة العربية والسودان وجزيرة كريت، ويكون هذا وراثياً لمحمد على باشا، أما بلاد الشام فتبقى تحت حكم إبراهيم باشا لمدة 4 سنوات شريطة جلاء قوات إبراهيم باشا المصرى عن الأناضول، إلا أن بعض المصريين استقروا في بلاد الشام ليمثلوا عصب الحياة الاجتماعية لإخوانهم في بلاد الشام، ليطلق على بعضهم من أهالي الشام عائلة المصري، نسبة لجذورهم المصرية الخالصة.