ناقشت كلية الآداب بجامعة جنوب الوادي بقنا، اليوم الإثنين، رسالة ماجستير بعنوان (الموقف الأمريكي السوفييتي من حرب الخليج الأولى 1980-1988)، للباحثة مها كمال عبدالسلام النجار، والتي اعتمدت على المنهج التاريخي، والمنهج الوصفي التحليلي، كما اعتمدت الدراسة علي قائمة متنوعة من وثائق وكتب وصحف ورسائل علمية، تأتي في مقدمتها الوثائق غير المنشورة والمنشورة، وأهمها الوثائق الأمريكية التي تم الإفراج عنها خلال العام الماضي 2017م.
موضوعات مقترحة
وتناولت الدراسة التي حازت درجة الامتياز مع مرتبة الشرف، الأوضاع السياسية والعسكرية فى إيران والعراق قبل الحرب والموقف الأمريكي السوفييتي منها، ومجريات الحرب، وموقف المنظمات الإقليمية والدولية منها، والموقف العربي، والموقف الإسرائيلي، وتناولت دواعي التدخل وآليات التنفيذ التى طبقتها الولايات المتحدة، من خلال موقفها في الحرب، وأثر حرب الخليج الأولى على أمن الخليج والمصالح الأمريكية السوفييتية، وتناولت إثر الحرب على العراق وإيران، ومن ثم تأثيرها على أمن الخليج، ومدى تأثر المصالح الأمريكية السوفييتية بذلك.
وكشفت الدراسة عن مدى تطبيق الولايات المتحدة لـ "عقيدة الصدمة"، باستغلال كل الأحداث لصالحها، كما بينت مدى تأثر السياسة الخارجية السوفييتية بـ "البيريسترويكا" التى جاء بها جورباتشوف؛ للوقوف على الثابت والمتغير فى السياسة الخارجية الأمريكية والسوفييتية.
وقالت الدراسة إن المتغيرات السياسية الداخلية فى كل من العراق وإيران، أثرت على موقف كل من الدولتين العظمتين، فبالنسبة للسياسة الخارجية الجديدة لإيران قبيل وأثناء الحرب، مثلت مسألة تحول إيران الشاه من دولة صديقة للولايات المتحدة - باعتبارها شرطي الخليج-، إلى عدوة لها بقيادة "نظام الثورة الإسلامية"، الذي نظر للولايات المتحدة باعتبارها "الشيطان الأكبر"، والنقطة الفارقة في تحول سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، وكانت تلك المتغيرات الإيرانية ذاتها، منبع تأويلات عدة بالنسبة للسوفييت، التي جعلت موقفهم مزيجا من التفاؤل والحذر، بسبب اختلاط مسألة انتهاء التعاون الإيراني - الأمريكي، بمسألة وصف الخوميني للاتحاد السوفييتي بـ "الشيطان الأصغر".
كما أثرت المتغيرات السياسية فى العراق، على تقاربه من إحدى القوتين العظميين بالتناوب، فقبل الحرب نجد أن العراق كان أقرب "أيديولوجيا" للاتحاد السوفييتي، وكون النظام القائم به بعثيًا "اشتراكيًا"، ولكن بمجرد أن قامت الحرب، سعى العراق للتقرب من الولايات المتحدة، وكان ذلك التقرب نظرا لوجود مصالح مشتركة بينهما، كأرضية صلبة للتقارب، وهي مسألة العداء المتبادل بينهما من ناحية، وبين إيران من ناحية أخرى، بالإضافة إلى طمع صدام حسين في انتزاع دور "شرطي الخليج" من إيران، إضافة إلى طمعه فى الزعامة العربية.
وأوضحت الدراسة، أنه بالرغم من نية الولايات المتحدة المبيتة بالتواجد العسكري في الخليج العربي، منذ حدوث أزمة النفط في حرب أكتوبر عام 1973م، إلا أن هذا الأمر لم يكن من ضمن أولويات إدارة الرئيس جيمي كارتر الذي رسخ جهوده من أجل عملية السلام، حتى وقوع أزمة رهائن السفارة الأمريكية، التى كانت بمثابة نقطة التحول فى سياسة كارتر الخارجية بإعلانه عن مبدأه "مبدأ كارتر" الذى تبني فيه مهمة الدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة فى الخليج، مع الاستعداد للتدخل العسكري إذا ما واجهت مصالحهم تهديدا مباشرا، وجاء مبدأ ريجان "الإجماع الإستراتيجي" امتدادًا لمبدأ كارتر.
تمثلت الدوافع الأساسية للتدخل الأمريكي فى حرب الخليج الأولى، في الرغبة فى تأمين وصول النفط إليها، وإلى المعسكر الغربي، كما أن وقوع هذا النزاع فى فترة الحرب الباردة، دفعها إلى العودة إلى سياسة "احتواء السوفييت"، حتى لا يتعاظم نفوذهم فى الخليج على حساب الوجود الأمريكي، وخوفا من اتساع النفوذ السوفييتي اندفع الأمريكان إلى سياسة احتواء دول الخليج بصفة عامة، مع العمل على تطبيق الاحتواء المزدوج لطرفي الصراع (العراق وإيران)، وقد نتج عن ذلك أن استخدمت الولايات المتحدة عدة آليات لتحقق استفادة قصوى من تدخلها فى الحرب، فعلى الرغم من كون الحرب مباغتة في توقيتها بالنسبة للأمريكان، إلا أنهم نجحوا عبر نظرية "عقيدة الصدمة" في استغلال تلك الحرب بتمرير استراتيجيات اقتصادية وعسكرية إلى العراق ومنطقة الخليج، كان من الصعب تطبيقها فى ظروف عادية.
ولم تعتمد الولايات المتحدة فى آلياتها على التعاون مع طرف واحد فى المعادلة، حيث سعت إلى مواصلة العلاقات مع إيران، ولو بصورة غير مباشرة، حتى لا تفقد إيران كليا لصالح السوفييت، وحتى لا تصبح العراق القوة الوحيدة المسيطرة على منطقة الخليج العربي، لذا عملت على الاتصال مع إيران عن طريق طرف ثالث، وكانت إسرائيل ذلك الطرف الثالث فى قضية إيران كونترا خاصة.
كما أن الولايات المتحدة عملت على التحرك دوليا، لإيقاف الحرب، عندما بدأت الحرب فى التأثير بطريقة مباشرة على مصالحها فى الخليج، ومنعت تصدير الأسلحة لإيران وفقا لما أسمته "عملية وقف النزف" التى تبناها ريجان، وفي خضم تصاعد حرب الناقلات، تدخلت واشنطن بصورة فعالة من أجل التوصل لقرار مجلس الأمن 598، الذي قبلته إيران في النهاية، وأوقفت الحرب.
على الجانب الآخر، فقد عانى الاتحاد السوفييتي من مشاكل اقتصادية وسياسية داخلية، أثرت في قدرته على دعم حلفائه في الشرق الأوسط، ومثلت مسألة مجيء جورباتشوف إلى الحكم، وإعلانه عن سياسة "الجلاسنوست، والبيريسترويكا"، حلقة جديدة من حلقات السياسة الخارجية السوفييتية، التى بلا شك تأثرت بالتغيرات الداخلية، التى بدورها دفعت قادتها للجلوس مع الولايات المتحدة للتكاتف من أجل السلام، هذه الصورة أعطت فى النهاية شكلا جديدا لموقف كل من الدولتين العظميين تجاه الحرب القائمة؛ حيث تحول موقفهما من حرص كل منهما على مصلحته الخاصة، إلى شكل تعاوني في النهاية لإنهاء الحرب.
تمثلت أهم الدواعي التى دفعت الاتحاد السوفييتي للتدخل في الحرب، في رغبتها بتأمين طرق الملاحة البحرية والنفط، وعملت على تحييد الخليج، ومنع أي قوة غربية أو حتى شيوعية كالصين، من السيطرة علي مقدرات هذه المنطقة الحيوية، واتخذ موقف الاتحاد السوفييتي فى البداية شكلا حياديا، نظرا لحساسية موقفه، فهو لم يرد إثارة إيران الواقعة على حدوده الجنوبية والتي تمثل خطرا أيديولوجيا على الجمهوريات الإسلامية السوفييتية، وفي ذات الوقت لا يريد السوفييت خسارة العراق، الحليف التاريخي وقد استخدم الاتحاد السوفييتي عدة آليات، لدفع مخاطر هذه الحرب عنه، فقد عملوا علي إعادة العلاقات مع إيران، إلا أن العلاقات الإيرانية السوفييتية تذبذبت خلال فترات الحرب المختلفة.
وأكدت الدراسة أن الحرب أثرت على النسيج الاجتماعي في العراق، حيث أدت إلى تفاقم الأزمة الكردية، بالإضافة إلي العدد الكبير من الشهداء، الذي جعل كل الأسر العراقية تعاني مرارة الحزن جراء وقوع شهيد أو مصاب بها و بخروجه بكم هائل من الديون التي عجز عن سدادها وأدخلته فى دوامات من الصراعات خليجيا ودوليا، ورغم الخسائر الاقتصادية التي لحقت بالعراق جراء الحرب، إلا أنه على الجانب العسكري، خرج بقوة عسكرية هائلة، تمتلك أكثر من مليون جندي لديه الخبرة الحربية الميدانية، مما يعني جاهزيته للدخول في أي صراع، وهذا ما أقلق دول الجوار العراقي، إضافة إلى الولايات المتحدة التي خشيت من تنامي قوة العراق فعملت على نصب الفخاخ لاستنزاف قوته، بإدخاله في عدة أزمات أولها أزمة الكويت، وصولا إلى الاجتياح الأمريكي - البريطاني للعراق 2003م، خاصة بعدما تنامت القوة العسكرية للعراق لتصبح القوة الرابعة فى الترتيب العالمي.
رغم خروج إيران من الحرب بخسائر كبيرة فى الأرواح، إلا أن جيشها كان نحو مليوني مقاتل، إضافة إلي نجاح إيران في الخروج من الحرب بأقل الخسائر اقتصاديا مقارنة بالعراق، حيث خرجت بدون أي ديون خارجية، كما مكنت الحرب النظام الثوري في إيران، من صرف انتباه الشعب عن مشاكل النظام الجديد، ونجح النظام الجديد في استغلال هذه الحالة الاستثنائية في تصفية كل المعارضين، وترسيخ نظام الملالي.
كان أثر الحرب علي منطقة الخليج وأمنها كارثيا، حيث أصيبت دول الخليج بحالة من الهلع التي دفعتها إلي المبالغة في عملية شراء الأسلحة، والاستعانة بالقوى العسكرية الأجنبية لتأمين الخليج، خوفا من الانتقام العراقي أو الإيراني.
بتقييم مدى استفادة الولايات المتحدة من الحرب، نجد أنها استفادت اقتصاديا، عبر "عقيدة الصدمة"، فى تمرير سياسات اقتصادية كارثية للعراق، أدت إلى وقوعة فريسة للديون الأمريكية، كما سمحت عملية التبادلات التجارية للولايات المتحدة بالتغلغل في الاقتصاد العراقي، كما استفادت الولايات المتحدة مالياً من عمليات بيع الأسلحة للعراق، إضافة إلي بيع الأسلحة سرا لإيران.
بتقييم نتائج الموقف السوفييتي من الحرب، نجد أنه حقق بعض المكاسب الاقتصادية جراء بيعه الأسلحة لكل من العراق وإيران، ولكن في المجمل كانت مكاسب الولايات المتحدة أكبر، نظرا لتردي الأوضاع الداخلية في الاتحاد السوفييتي، التي حجّمت موقفه من المساعدات الاقتصادية لحلفائه، وعملت على دفع حلفائه إلى حل مشكلاتهم سلميا، واستغلت الولايات المتحدة هذا الوضع، الذي أعطاها حرية في اتخاذ المواقف دون عراقيل، بالتدريج منذ بداية تدهور الاتحاد السوفييتي، وحتى تفككه، وهذا الحدث أضحت بعده الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم.
تكونت لجنة مناقشة الرسالة من كل من، الدكتور فرغلي طوسون، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بقنا، والدكتور عبدالرحيم عبدالهادي أستاذ التاريخ المعاصر بكلية الآداب بقنا، والدكتور محمد سيد إسماعيل مدرس التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بقنا، والدكتور عاصم أحمد الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة حلوان، وخلف عبد العظيم الميري، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية البنات جامعة عين شمس.
كلية الآداب بجامعة جنوب الوادي بقنا كلية الآداب بجامعة جنوب الوادي بقنا