Close ad

12 ساعة (قصة قصيرة)

16-4-2018 | 16:26
 ساعة قصة قصيرةنهاد عبد الملك
نهاد عبد الملك‎

انتابتها حالة من التوتر الشديد بسبب ضغوط العمل والحياة، وخطرت لها فكرة، وقررت تنفيذها.. قررت أن تقضى 12 ساعة كاملة، من أحد الأيام، بدون فعل أى شىء، وبدون أى نوع من التكنولوجيا، سوى سماع مقطوعات موسيقية، تمثل الأولى فترة زمنية قديمة جدًا، والثانية فترة وسطى، والثالثة حديثة، توزع على مدار الساعات فى ثلاث فترات، واختارت غرفة بالطابق الثانى بفيلتها، أغلب أثاثها ومفروشاتها يغلب عليه اللون الأخضر، وأسدلت الستائر، وأضاءت الشموع.

موضوعات مقترحة

فى الفترة الأولى، أرسلتها الذاكرة لأيام الطفولة؛ حيث كانت تذهب للريف مع جدتها، وتنقلها الذاكرة سريعًا لطريق، اعتادت أن تمشيه حتى تصل لترعة صغيرة، يدور حولها طريق طويل ليصل من يريد للجهة الأخرى، ولكن كان يطيب لها العبور فوق الترعة، من خلال شجرة جميز عملاقة، تمتد بفرع عتيق فوق المياه، ليصل للجهة الأخرى، وكثيرًا ما كانت قبل أن تبدأ رحلتها فى المشى تذهب لدكانة صغيرة، صاحبها يدعى عم خليل، تشترى منه حلوى منوعة، وعندما تصل للجميزة تجلس عليها فوق المياه، لتأكل ما أتت به فى سعادة بالغة، قبل أن تكمل المسير.

أحست بانتعاشة، وهى تتذكر تلك الفترة من عمرها.. انقضت الفترة الأولى سريعًا، وبدأت الثانية.. أخذتها الموسيقى لفترة الصبا والشباب.. سحبتها لشوارع مصر الجديدة، حيث الأشجار الكثيفة، وحدائق العمارات التى تفوح برائحة الياسمين، وهى تتنزه بكلبها بافتخار، وقت العصارى فى جو جميل هادئ، إلا من صوت المترو، يمر بجوارها، ثم تجمعها مع صديقاتها، لاختيار تسريحات الشعر حسب موضة العام الجديد بالأخص، لحضور حفل.

وبمجرد دخولها مع نظيراته، وسماع بعض كلمات منه، تعبيرًا عن جمالها كانت كفيلة بإحمرار وجهها، وتلعثم الكلمات على شفاهها، ضحكت كثيرا جدًا، وهى تنظر للساعة، لتجد وقت الفترة قد أوشك على الانتهاء.. بعد لحظات دقت الساعة، معلنة بدء الفترة الثالثة والأخيرة لتلك الفكرة.. وجدت نفسها تقود سيارتها على الطريق، تحاول أن تسرع حتى لا تتأخر عن موعد عملها بدون جدوى، لازدحام الطرق، مع ضوضاء غير مسبوقة، تتخللها بعض المشادات الجانبية بين سائقى السيارات، أو حتى بين الناس فى الشارع، ووفرة من الشحاتين من مختلف الأعمار، وأصوات أغانٍ، أقل ما يقال عنها أنها هابطة وملوثات سمعية.. موبايلات ترن بكل مكان.. جو خانق من الحرارة، وعودام سيارات، وشبه اختفاء للخضرة والأشجار، مع إحساس بصداع شديد، فلم تنم جيدًا، لسهرها أمام برامج القنوات التى لا تحصى.

سحبت نفسها بشدة من استرسال ذاكرتها، لتعود ناظرة فى الساعة.. بدت الساعات كحمل ثقيل، تجره بعناء شديد، لا تقوى على تحمله.. تلك ما آلت إليه الحياة.. وكأن الوقت يتثاقل ولا يمر.. تلك كانت أثقل الفترات وأبغضها.. حياة صاخبة، ونبض زائف.. نحن ننتحر ببطء.. ضاع الهدوء، والسكينة، وضاعت الروابط بين الناس..
انتفضت قائلة: "فى رأسى أسراب فراش يتصادم، وفى صدرى صحراء قاحلة"
وهنا.. أعلنت التمرد، والخروج لآفاق أرحب لتحيا، وتستنشق عبق سلام النفس الذى ضاع منها، وزاد فوق عمرها أعوامًا وأعوامًا ثقالًا.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: