Close ad

محمد عبد الحافظ ناصف يكتب: المفارقة في رواية "حافة الكوثر" (2 - 2)

4-1-2018 | 18:37
محمد عبد الحافظ ناصف يكتب المفارقة في رواية حافة الكوثر   "حافة الكوثر" لمحمد عبد الحافظ ناصف

من الأشياء التي تميز رواية "حافة الكوثر" للشاعر علي عطا هي المعلوماتية الدقيقة التي تعاملت معها الرواية، فنجد الرواية تعاملت مع المعلومات الطبية التي تخص المريض النفسي بصفة عامة والاكتئاب بصفة خاصة، ورصدت تشخيص الحالة جيدًا والأعراض التي تنتاب المريض وتدهور الحالة لو تم ذلك. 

موضوعات مقترحة

وأشارت إلى شخصيات أصيبت به مثل سعاد حسني وداليدا وصلاح جاهين، وكيف أنه أدى بداليدا إلى الانتحار، ودلل على أن الشيء نفسه أصاب الفنانة سعاد حسني، ثم وصف العلاج للحالة في النهاية و طريقة الاستشفاء منها. كما أن الراوي قدم لنا جغرافية الكوثر بشكل جيد وجعلنا نعيش فيها بعض الأيام التي قضاها بها، وعرفنا كيف يتم التعامل مع المرضى حسب خطورة أمراضهم وأنواعها، ومن يأتي برجليه إليها مثل حسين، ومن يأتي إلزاميًا، كما عرض لبعض أنواع المرضى الفقراء والأغنياء ومظاهر من أعراض مرضهم بكاميرا السرد الدقيقة. وجدنا ذلك في أماكن متفرقة وفي بعض الفصول كما في ص 64 وغيرها.

الجميل أن الكتابة كانت أحد أهم أصناف العلاج الذي اقترحته الرواية على لسان الطاهر يعقوب لصديقه حسين، وكان ذلك من خلال الايميلات التي يرسلها له كلما كتب شيئًا أو نصًا جديدًا، ورد عليه برسالة تشجعه على المواصلة في الكتابة تحت أي ظرف، وأقنع حسين نفسه بأن ذلك ليس من قبيل العلاج من الاكتئاب الذي يمر به فحسب - كما نصحه في وقت سابق - ولكنه كما أكد أنه يريد أن يكتب نفسه بعد أن سئم تحرير نصوص الآخرين لسنوات طويلة، فقد كان يعمل محررًا صحفيًا بإحدى الجرائد المهمة وأكد ذلك قائلًا: "نعم؛ شجعتني رسالة الطاهر يعقوب على مواصلة ما بدأت". وأكد الطاهر يعقوب على جودة النص الذي نشره على الفيس بوك يقول فيه: "مثل قنبلة ألقيت على حقل البلادة المائل فإذا العالم يبدو بعدها أكثر جمالًا أو قابلية للعيش".

وأشار الروائي علي عطا إلى أيام بطل روايته الأخيرة التي قضاها في الكوثر يكتب ويقرأ: "لكن الأيام التسعة تميزت بأني قرأت خلال المصحف وفي أكثر من كتاب، وكتبت قصيدتين وشرعت في تسجيل ملاحظات على ناس المكان والمكان نفسه، في رأسي وعلى هوامش الكتب".

وفي النهاية، يؤكد حسين أن الكتابة لم تكن خلاصًا لكثيرين وأنهم انتحروا في النهاية أو ماتوا منسيين في مصحات نفسية، "أنا: مخطئ من يظن أن في الكتابة خلاصًا" ويؤكد الطاهر يعقوب أن هناك أيضًا من نجوا بالكتابة وعددهم يفوق من لاقوا المصير المؤسف، الطاهر يعقوب ص151: "لكن هناك أيضًا من نجوا بالكتابة".

ولأن الراوي يكتب الآن نفسه ونصه الجديد الذي سيعطيه إحساسًا مختلفًا للحياة، ربما أكثر من أمله أن يكون هذا النص أداة فاعلة للشفاء، كان عليه أن يستعين بنصوص أخرى تدعم رؤيته للكوثر وتساهم في إثراء السرد العام من خلال نصوص تمنحها طاقة إضافية وتلائم السياق الذي تواجدت فيه، وهذا أمر مهم، فالعديد من المقولات والتناص المستخدم في بعض الأعمال يكون خارج السياق أحيانًا، ولكن علي عطا استفاد من النصوص التي ساقها لتلائم نصه، كما وجدنا ص7 لكازانتزاكيس "إنها لمعجزة إذن هذه الحياة، كيف تمتزج بها أرواحنا عندما نغوص داخلنا ونعود إلى جذورنا و نصبح شيئًا واحدًا". 

وقد عبرت تلك المقولة عن أجزاء كثيرة في الرواية، كما أكد أن بإمكان بعض الأدوية أن تصيبك بالهلوسة، وبعضها قد يؤدى إلى الانفصال، وذلك من كتاب "العلم الزائف وادعاء الخوارق"، وأكد مقولة "لا صحة حقيقية للجسد من دون صحة نفسية" لبروك كيشوك، أول من شغل مدير الصحة العالمية عقب تأسيسها. وأقتطف من أقوال ملك المغرب الراحل قوله: لا يهم العالم الذي نتركه من بعد موتنا بقدر ما يهم الأولاد الذين نتركهم لهذا العالم". ويؤكد صخب الحياة قائلًا: "صمت قبل الميلاد وصمت بعد الموت، والحياة هي مجرد صخب بين صمتين لا قرار لهما" لإيزبيل الليندي.

ورصد لنا الكاتب علي عطا جغرافية وتاريخ بعض الأماكن المهمة في القاهرة والمنصورة وتحرى الدقة عنها وعاد لأصلها التاريخي ولماذا سميت بهذا الاسم وما الحكاية التاريخية التي تعلقت بذلك كما في ص 38، قال: "وأنا أبحث عن معلومات عن المنطقة، عرفت أن الخلوتي هو الشيخ الصالح العابد شاهين المحمدي، ولد بمدينة تبريز بإيران في القرن التاسع الهجري"، وهنا نجد أن الروائي يرصد تاريخ الرجل بمعلوماتية وليس باجتهاد شخصي، ويحدد جغرافية المنصورة التي عاشها، يصف محطة السكة الحديد الفرنساوي والمقابر وسيدي العيسوي والمسرح القومي وتمثال أم كلثوم في ميدان المحطة وبعض الشوارع التي وطأها أثناء طفولته والسينمات التي كان يدخلها ومظاهر الحياة في تلك المنطقة من قلب الدلتا. ويقول للطاهر يعقوب ص 59: "الأماكن، أماكن الطفولة تناديني، ولا تكف عن اقتحام ذاكرتي، فهل يدخل هذا يا طاهر في نطاق حنين إلى الماضي؟"

ولم تنس الرواية الحالة السياسية للبلد وثورتي مصر 25 يناير و30 يونيو، وما بينهما من أحداث وما بعدهما من أحداث هزت الوطن كله وأثرت على الموقف في مصر والعالم العربي كله، وبخاصة فيما يعرف بالربيع العربي الذي تحول بعد ذلك بفعل القافزين على تلك الثورات والثورات المضادة ولعب مخابرات العديد من الدول إلى خريف عربي هدد مستقل ثلاث دول و فككها، وأضعف اقتصاد واستقرار العديد من الدول الأخرى بفعل الإرهاب الذي تصدر المشهد ببشاعة في مصر وسوريا وليبيا وتونس والحرب المشتعلة في سوريا واليمن، وكانت تلك الأحداث في الخلفية التي حركت العديد من الأحداث داخل الرواية بشكل مباشر أو غير مباشر.

وختامًا، استطاع الكاتب علي عطا في نهاية رواية "حافة الكوثر" أن يفضح المجتمع كله، المتمثل في شخصيات الكوثر / المصحة النفسية الكائنة في المعادي، و بعدد لا بأس به من الحكايات والنقائص التي تكشف عورات المجتمع، وأعطته الكوثر المبرر الكافي ليكشف لنا كل الفضائح، من رشوة وفساد مالي ومخدرات ومخالفات كثيرة تحتاج للتصدي والوقوف أمامها، والحيلة التي لجأ إليها والحجة المهمة أنه ليس على المريض حرج وليس على من يسكنون الكوثر - بالطبع- أي حرج ليكشف ويقول عنهم ما يشاء.## ## 

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة