Close ad

"سابع جار".."عقدة الخواجة" ومأزق التسويق

19-12-2017 | 23:44
سابع جارعقدة الخواجة ومأزق التسويق أبطال مسلسل "سابع جار"
سارة نعمة الله

الجدل المثار حول مسلسل "سابع جار"، الذي يعرض حاليًا على قناة "سي بي سي" المصرية، يمكن تلخيصه في كلمة واحدة "عقدة الخواجة"، تلك العقدة التي تجعلنا نرحب بكل ما يحمل في هويته "غربنة" أي الشكل الغربي، لمجرد أنه مصدر لنا من الخارج، في مقابل طردنا لكل ما هو مصري الصنع لمجرد حصره في إطاره الشرقي.

موضوعات مقترحة

منذ عشر سنوات، عندما بدأت القناة الثانية بالتليفزيون المصري عرض المسلسل التركي الشهير "نور" استقبله المجتمع المصري بالأحضان الكبيرة، لكونه دراما تختلف طبيعتها عن مقومات الشكل التقليدي للمسلسل المصري في ذلك الوقت، ورغم ما حمله العمل من علاقات غير شرعية بين أبطاله، لكن الجمهور كان شديد الاستمتاع بهذه الحالة التي كان يتابعها بشغف كبير، ليصبح المسلسل التركي بعد ذلك، في صدارة المشهد بالنسبة للمعروض لدى القنوات المصرية الأرضية والفضائيات، التي اعتبرته ورقة الربح الأساسية لديها.

ومنذ ذلك الوقت ٢٠٠٧، وحتى اللحظة الآنية، بات المسلسل التركي جزء لا يتجزأ من وجبة المشاهدة الأساسية لدى العديد من الأسر المصرية، وتحديدًا الأمهات وربات المنزل، والذين لم نسمع عن ثورتهم أو غضبهم تجاه عرض هذه الأعمال الخارجة عن نطاق مجتمعتنا الشرقية وأفكارنا، بل على العكس أصبحت هذه الأعمال هي صاحبة نصيب الأسد من مشاهدات المصريين عن دراما مجتمعهم الشرقي.

ومع عرض مسلسل "سابع جار" الذي يفند لمثل هذه العلاقات، نكتشف العوار الحقيقي في مسألة "عقدة الخواجة" من خلال موجة الهجوم والانتقادات التي وجهت له بسبب تفنيده لمثل هذه النوعيات من العلاقات والمشاكل بشكل صريح، بل صادم للمشاهد الذي يعرف أغلبه، حتى وإن لم يكن شديد الاختلاط بالآخر، وجود مثل هذه النماذج والعلاقات بالمجتمع، لكنه يحاول إيهام ذاته بغير ذلك.

في البداية، لابد من الإشادة بفكرة اختزال جميع الشخصيات في عمارة سكنية واحدة، هذه الفكرة التي منحت ثراءً وتعددًا في الموضوعات والأفكار المطروحة بشكل لم يكن صناعه يجيدون صنعه في أي توظيف آخر، فمن خلال هذه الأبواب المغلقة، يختفي وراء كل منها نسيج من الحكايات داخل العائلة الواحدة، طبقًا للمثل الشهير "للبيوت أسرار" بل إن هذا المجتمع المغلق ينجح في رصد طبيعة الفجوات داخل العلاقات العائلية للأسر وللأزواج والأبناء وأخرى.

وتكتمل إجادة صياغة هذا العمل، بكونه يحمل رؤية نسائية خالصة، بداية من الكتابة التي قامت بها المؤلفة هبة يسري، والتي شاركت أيضًا في الإخراج بصحبة المخرجتين نادين خان وآيتن أمين، هذه المؤسسة النسائية التي أثبتت جدارتها في التحكم في عمل يجمع العديد من النجوم بتعدد فئاتهم العمرية وعلاقاتهم، تحت خط درامي واحد مشترك، ويزداد تفوق هذه المؤسسة مع عدم انحيازها لقضايا المرأة والاهتمام بها على حساب الرجل، كما شوهدت بعض الأعمال التي قدمت في السنوات الأخيرة عن دراما المرأة مثل المطلقات، جراب حواء، حكايات بنات وآخرى.

فالرجل في مسلسل "سابع جار" هو حدث هام وفاعل في جميع حلقات العمل بشكل متوازن بجانب المرأة، وهو ما يثبت تفوق الكاتبة التي استطاعت التفتيش عن واقع الرجل المعاصر بأفكاره المتحررة، والبعيدة عن صورته التقليدية بالدراما المصرية.

نموذج نجاح آخر في هذا العمل، يتمثل في التعرض لشريحة الطبقة الوسطى، والتي كادت لا تختفي فقط من المجتمع بل من الأعمال الدرامية تحديدًا في السنوات الأخيرة، والتي انحصر اهتمامها إما في مجتمع الكومبوندات الفاخرة، أو في تلك الحارات العشوائية الضيقة، فنحن هنا أمام عمل يتشابه مع فصيل حياة أعداد مجتمعية ضخمة، طرأ عليها كثير من التغيرات في الأفكار غير المستهان بها في أنماط الحياة والثقافة، لكن مع الاحتفاظ بالقوام الأساسي في كل منزل "الأم" رمانة الميزان داخل كل بيت، ويتمثل ذلك في نموذج دلال عبدالعزيز، وشيرين بالعمل.

وربما لم يتقبل المشاهد أية تغييرات، كان من الممكن تعديلها على صورة الأم التي ظهرت بها كل من الفنانتين، وذلك للتأكيد على الشكل الذي تبدو عليه هذه النماذج المنتمية لهذه الطبقة، والتي مازالت في مرتبة متراجعة لفكر الأبناء المعاصرين في عصر الانفتاح والتواصل مع الآخر.

نحن هنا أمام نماذج متوازنة ومتعددة لصور تعدد الرجل والمرأة في مراحل عمرية مختلفة، فالبداية مع أصغر طفل بالعقار

"عبدالرحمن" الذي يجسده الطفل أحمد داش، وهو الشاب الذي يمثل فئة المراهقين الذين يبحثون عن فرصة لإرضاء رغباتهم نحو الحب، حيث ينسج قصصًا رومانسية بخياله مع العديد من الفتايات، و"مجدي" الذي يلعب دوره محمود البزاوي، رب العائلة الهارب، والذي تدخله مشاريعه الفاشلة في العديد من المصائب والقضايا، وهو زوج شيرين أو "ليلى" كما هو بالأحداث.

وتستكمل النماذج الذكورية تحديدًا تلك التي تفند فجوات العلاقات الزوجية الفاشلة، كما في شخصية "طارق" الذي يلعب دوره نيكولا معوض الزوج، ويسأم العلاقة مع زوجته بسبب روتينها المعتاد في حياتهم المشتركة، وهاني عادل "عمرو" الزوج الذي يعشق زوجته لكنه يرفض الإنجاب منها، وأحمد الأزعر "أحمد" الزوج الذي يستعيد أنفاس حبه مع جارته القديمة "مي"، ويستمتع في علاقته بها بالسر بشكل يبدو أكثر أنانية، و"علي" الذي يلعب دوره الفنان محمد علاء الزوج الذي يقبل بصفقة مع "هالة" من أجل تحقيق رغبتها في الإنجاب ويتفقا على الانفصال بعد تحقيق الغرض، وأخيرًا اللواء المتقاعد الذي يلعب دوره الفنان أسامه عباس، ويعيش وحيدًا بعد وفاة زوجته وهجرة ابنه.

وبخلاف هذه النماذج الذكورية الرئيسية بالعمل، يوجد عدد من الشخصيات التي تبرز نماذج مجتمعية أخرى، ومنها شخصيات "العريس" التي تظهر في نماذج مختلفة بين ملتح يغازل أخت خطيبته، ولعب دوره المخرج عمرو سلامة، وآخر وقع في غرام "خادمة وفتاة ليل سابقًا" وغيرها ولعب دوره المخرج تامر عزت.

أما العناصر النسائية، فشهدت هي الأخرى ثراءً في نماذجها، فبخلاف شخصيتي الشقيقتين دلال عبدالعزيز "لمياء" الأرملة، التي تربي ثلاثة أبناء، وشيرين "ليلى"، واللذين يديران أسرتهما، ويلعبان أدوار "الأب والأم" معًا، وهيدي كرم "نهى" الزوجة التقليدية، وسارة عبدالرحمن "هبة" الفتاة المنطلقة التي تعاني ملل البطالة، وشقيقتها فدوى عابد "دعاء" الفتاة الملتزمة والمتفوقة دراسيًا، ورحمة حسن "هالة" التي تهتم بأناقتها وترفض فكرة الزواج، لكنها تريد الإنجاب قبل أن تفوت فرصتها في ذلك، حيث إنها بمنتصف العقد الثلاثيني، وشقيقتها نسرين طلعت "هند" التي قبلت بالزواج من رجل ذي مستوى اجتماعي متدن، لإيمانها بأنها لن تحصل على فرصة أفضل من ذلك، وهديل حسن "مي" الفتاة التي تقبل بإقامة علاقة مع حبيبها القديم برغم من زواجه بأخرى، و"جيلان" التي ترفض مواصلة حياتها من زوجها الرافض لفكرة الإنجاب.

وأخيرًا "كريمة" التي تلعب دورها الفنانة صفاء جلال، فتاة الليل التي تدخل عالمًا جديدًا مع بداية عملها لدى اللواء المتقاعد، تحاول أن تنتشل ذاتها بعد سنوات من الانحراف الأخلاقي، لتسكن في حياة إجتماعية هادئة تحاول الاختلاط فيها بالجيران، والتقرب منهم، وتقع في غرام نجل إحدى الأمهات بهذا العقار، لكنها ترفضه في اللحظات الأخيرة بعد أن عادت لرشدها، وحكمت عقلها باستحالة الأمر.

كل هذه النماذج النسائية والذكورية المذكورة سابقًا، هي جزء ملتحم داخل عدد لا يستهان به في البيوت المصرية في الوقت الحالي، وتكمن الصدمة الحقيقية لدى أغلب المشاهدين، في استمرار عدم تصديقهم لمثل هذه العلاقات، والنماذج، في الوقت الذي لم يعد فيه شيئًا مستحيلًا، والحقيقة أن "سابع جار" مكاشفة صريحة لواقعنا الإجتماعي، بل إن فكرة التغلغل داخل عمق كل شخصية موجودة بالعمل هو الأهم والأخطر، فالأمور في العلاقات الأسرية والزوجية تبدو سوية وجيدة المشهد في شكلها العام، كما في الحياة الطبيعية لكنها في حقيقتها خلاف ذلك، فهي مشوهة، ويحيطها كثير من النواقص والمقومات الآساسية لتكوين علاقات صلبة وناجحة.

والحدث الأهم في هذا العمل، أن نموذج الأم سواء التي تعيش لتربية أبنائها، كما هو في دلال عبدالعزيز، أو المرأة العاملة مثل شيرين، أو حتى من قررت منح فرصة الحرية لـ"مي" التي تترك فيلا والديها، وتعيش بمنزلها القديم، كلهن لم يستطعن سد حالة الفراغ، وملء حياة بناتهن بصفة الصداقة، برغم ثقافتهن وتأديتهن لأدوارهن الأمومية على أكمل وجه.

أما أسامه عباس، فهو رمانة ميزان لصورة الرجل في هذا العمل، فهو الرجل المخلص الذي يعيش حزنًا بعد وفاة زوجته، في الوقت الذي تبدو فيه نماذج أزواج أخرى بالعمل ما بين شاب يخون زوجته مع جاراته القديمة، وآخر يمل حياته الزوجية، وإن كان نموذج "طارق" هذا من أهم النماذج الذكورية التي رصدها العمل، لكونه أصبح السمة المجتمعية الغالبة الآن، ويوازيه بالأهمية شخصية "عمرو" الرافض للإنجاب.

بدون قصدية مباشرة كعادة الدراما في أعمالها، نجحت المخرجات الثلاث في رصد فجوات تفكير وتعامل الشباب والفتيات، طبقًا لتدرجات العصر، ومقارنتها بالماضي، ممثلة في نموذج الأمهات واللواء المتقاعد، ما يكشف عن افتقاد إلى لغة الحوار التي جعلت العلاقات الاجتماعية تصل لهذا الشكل المتهلل.

كادرات التصوير الضيقة والتركيز على اللوكيشنات الداخلية، هي الأقرب لشكل هذه الطبقة المجتمعية "المتوسطة" في مراعاة لأدق تفاصيل الديكور، حتى في "كالون الدرج المخلوع" أو في "لصق صور استيكرات" على الدواليب وغيرها.

لكن الأزمة الحقيقية في هذا العمل، بالرغم من محاولات استبيان فجوات الأفكار بين جيل ماض، وآخر يعيش بحريته بعصرية بغير مباشرة، تتمثل في فكرة تسويق العمل بعبارة "الدراما العائلية تعود مجددًا" مما وضعه في أزمة حقيقية من وجهة نظر الكثيرين، فهو وحتى مع وجود نماذج للأم أو الأب دراما شبابية شديدة العصرية، ما جعل العديد من المشاهدات تتابع العمل من منطلق هذا العبارة.

مأزق آخر في هذا العمل، يتمثل في الدفع بكل هذه الأفكار المتحررة والخارجة عن المألوف في عمل واحد، ما مثل صدمة للمشاهد، وكان من الممكن أن يتم تخفيفها، حتى لا يتعرض العمل لهذه الموجة الكبيرة من الانتقادات من ناحية، ومن ناحية أخرى مازالت هناك آراء الكثيرين لا تصدق وجود هذه العلاقات المتحررة، وهي شريحة لا يستهان بها بالمجتمع، كان لابد من وضعها في الاعتبار.

لكن ربما يكون ذلك مقبولًا مع التأكيد على نموذج "دعاء" الفتاة الملتزمة المتمسكة بكل تعاليم دينها، والتي تعمل في الجهات الخيرية، وكذلك نموذج الزوجتين "نهى" و"هند" المحجبتين، وإن كان الرصد الأكبر لشكلهم داخل هذا العمل ممثلًا في علاقاتهم بأزواجهم، وليست فكرة التدين، لكنهم في النهاية نماذج متوازنة أمام غيرها المتحررة.

خطأ آخر وقع فيه صناع العمل، عندما جاءت عمة شيرين "ليلى" التي لعبت دورها هناء الشوربجي بعريس لها، وهي لا تزال على ذمة زوجها، فحتى إن كان الرجل هاربًا، فهذا أمر غير منطقي طبقًا لشخصية "ليلى" ذاتها، والتي تحب زوجها بجنون برغم كونها لا تعيش معه، وكذلك شخصية سارة عبدالرحمن "هبة" التي ترفض في البداية الذهاب لصديقها بالمنزل، وتقولها صراحة "مينفعش" ثم نفاجىء بأنها تذهب إليه وتجلس معه ساعات، فأين المنطقية هنا، ليس لتغيير وجهة نظر البطلة في قناعاتها، ولكن لأن هذا يتعارض مع الحصار الذي تفرضه الأم عليها، كما ظهر مثلًا في إجراء أولى حواراتها الصحفية، عندما تتصل بهاتف ابنتها أكثر من مرة، خلال إجرائها له، كما أنها تعلم جميع تحركات أبنائها، كما يظهر على لسان "هبة" في إحدى المشاهد "إنتي لازم ياماما تعرفي إحنا رايحين فين ومع مين هو إنتي بتسيبنا".

بالإضافة إلى ذلك، أن نموذج "هبة" الفتاة التي تقضي أغلب وقتها بالمنزل، طبقًا لحالة البطالة التي تعيشها، لن تقبل بهذه الجرأة في التعامل بعلاقتها، فربما يأتي ذلك في مرحلة متقدمة من سنوات عملها، بعكس نموذج ابنة خالتها "هالة" الفتاة المنطلقة في دائرة العمل والاختلاط فهي الأكثر تصديقًا في هذا الأمر.

من يبحث عن المقارنة بين مسلسل "سابع جار" و"ساكن قصادي" أو "العائلة" أو "ليالي الحلمية" سيضع نفسه في مأزق كبير، لاختلاف التناول بين هذه المراحل الزمنية وطبيعة الانفتاح على الآخر، وتطور مشاكل هذه العلاقات الاجتماعية، ولكن المؤكد أن حالة الجدل والانتقاد المثارة عبر مواقع السوشيل ميديا، بين مؤيد ومعارض، تثبت تفوق العمل في الاستحواذ على نسب المشاهدة في موسم خارج الزخم الرمضاني، بل النجاح الأعظم له يتمثل في النقاشات الفكرية والتأويلات التي يثيرها العمل بين آراء الجمهور، مما يصنفه في مراتب الأعمال الأكثر جدلًا خلال سنوات مابعد الثورة.

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: