Close ad

وعد بلفور ووعد ميسرة

7-12-2017 | 17:59
 وعد بلفور ووعد ميسرةغلاف كتاب - 100 عام على وعد بلفور
حسام عبد القادر

أدهشني عندما قرأت له ترجمة كتاب "الجبل العميق" الذي تحدث عن مذبحة الأرمن، وزادت دهشتي عندما تصدى لموضوع سياسي بالدرجة الأولى وهو كتاب "100 عام على وعد بلفور.. قراءة عبر الأدب والتاريخ" الذي صدر في نوفمبر الماضي عن دار "الياسمين" بمناسبة مرور مئة عام على هذا الوعد.

موضوعات مقترحة

هو الشاعر والكاتب المسرحي ميسرة صلاح الدين، الذي دخل بقوة في مجال البحث التاريخي والكتابة السياسية منذ فترة ليست ببعيدة، وأستطيع أن أقول إنه أبدع، بخاصة لأنه صاحب لغة سلسة تسهل على الشباب قراءتها وفهمها سريعًا.

وقد نحتار في تصنيف الكتاب؛ هل هو سياسي، تاريخي، أدبي، فلسفي، إلا أن هذا غير مهم، رغم أن القضية سياسية بالأساس، فهو يقدم رؤية أدبية وتاريخية حول وعد بلفور الشهير الذي أطلقه اللورد أرثر بلفور لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وذلك من خلال مجموعة من الوثائق التاريخية والمذكرات الشخصية وكذلك الأعمال الفنية والأدبية على مدار التاريخ.

ولا يمكن أن نتحدث عن وعد بلفور من منظور ميسرة صلاح الدين، قبل أن نتذكر هذه الجملة الشهيرة "أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق"، والتي بمجرد ذكرها يقفز إلى الذهن مباشرة هذا الوعد الذي أطلقه اللورد أرثر بلفور في 2 نوفمبر 1917 لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

أدى هذا الوعد إلى هجرة وطرد حوالي 750 ألف فلسطيني فيما أصبح يعرف بالنكبة الفلسطينية، وتضاعف عددهم خلال السبعين عامًا الأخيرة ليصل إلى أكثر من 12 مليون فلسطيني يعيش أكثر من نصفهم في الشتات.

وفي الوقت الذي تحتفل فيه إسرائيل بالذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور الذي مهد لقيام دولة إسرائيل عام 1948 على 78% مما كان يعرف بفلسطين، ينظم الفلسطينيون مظاهرات ومسيرات تطالب بريطانيا بالاعتذار عن منح اليهود حق إقامة وطن في الأراضي الفلسطينية.

وفي بريطانيا لا ينتهي الجدل حول وعد بلفور، فبينما يدعو فريق الحكومة البريطانية إلى الاعتذار عن إصدار الوعد، يرى فريق آخر أن ذكرى الوعد المئوية فرصة للاحتفال.


ويبدأ الكتاب في استعراض المرحلة التي بدأت بهجرة القبائل العبرانية من أرض كلدان لفلسطين وأرض كنعان، وبداية تكوين عقيدتهم الدينية والفكرية، ورؤيتهم لتلك الأرض في مقابل إمبراطوريات خارجية؛ الدولة المصرية الفرعونية، ثم البابلية، والفارسية، وما تعاقب على القدس من حكام مختلفين على مر التاريخ، وكيف نجح بنو إسرائيل في تكوين مملكة صغيرة ومحدودة لفترة قصيرة من الزمن قبل أن ينتهي وجودهم بالمرسوم الروماني الذي منع دخلوهم القدس والاقتراب منها، مما كان بداية لعصر الشتات اليهودي في دول العالم وبخاصة أوروبا.
ويحرص الكتاب على استعراض أبرز الأمثلة للكتاب والفنانين العالميين الذين تناولوا الوجود اليهودي في بلادهم، وملامح الصراع والوفاق بين الديانة اليهودية والديانة المسيحية عبر التاريخ، وكيف استطاع النفوذ اليهودي الإعلامي والصهيوني من ناحية والمالي والاقتصادي من ناحية أخرى تشكيل جبهة قوية تطالب بإنشاء وطن لليهود، ذلك الأمر الذي قابلته حكومة انجلترا نظرًا لظروف الحرب العالمية الأولى بالإيجاب، وإن كانت قد عرضت عليهم في البداية أماكن أخرى غير فلسطين.

ويستعرض الكتاب أيضًا ردود أفعال اليهود الذين رفضوا تلك الفكرة بل وعارضوها بشدة، ثم ينتقل الكتاب لفترة الحرب العالمية الثانية، وعلاقة ألمانيا النازية باليهود، ومعسكرات التعذيب، ودور الولايات المتحدة الأمريكية في تشكيل توازن عالمي جديد بعد الحرب مكن اليهود من تحقيق أهدافهم، الأمر الذي مهد لإعلان قيام دولة إسرائيل 1948.

يتميز الكتاب بلغته السهلة التي تقدم للقارئ وجبة دسمة من المعلومات التاريخية والأعمال الأدبية في مزيج يعبر عن حقيقة تلك القضية من وجهه نظر من عاصروها وبأقلامهم.

يتكون الكتاب من 8 فصول، وهي: العبرانيون وميراث من الأدب الخالد، مدينة الرب المخضبة بالدماء، ويسألونك عن الشتات، السيف الصهيوني والدرع الأحمر، بريطانيا.. ثلاثة وعود وجائزة واحدة، وعد بلفور..المقدمات التي لاتشبه النتائج، قوانين نورمبرغ وقيام الدولة، الاستقرار تحت ظلال المدافع.

ويجب أن أشير إلى أن المؤلف قدم محتوى الكتاب كأنه يقرأ حواديت للتاريخ، باعدًا نفسه كعربي وكمسلم وباعدا كل انتماءاته فبدأ كأنه راوٍ يحكي ما حدث، ونلاحظ هذا في حديثه حتى عن المسلمين وعن الكعبة وعن ظهور محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته.

ويحسب لدار الياسمين إصدار هذا الكتاب الذي أرى أن توقيته في غاية الأهمية، خاصة للأجيال الجديدة التي لم تقرأ التاريخ ولم تدرسه.

ولفتت نظري فقرة مهمة في المقدمة التي كتبها المؤلف وهي: "مئة عام على وعد بلفور" هي قصة يجب أن نقرأها بعناية لا لغرض إلا لاكتساب العلم وتحقيق المتعة فاتحين عقولنا وقلوبنا للتساؤلات التي لعلها تكون دليلًا لنا في فهم أنفسنا والعالم من حولنا وطبيعة العلاقة مع الآخر في المنطقة بشكل ربما يكون أفضل وربما لا يكون كذلك، فهو في النهاية محاولة أتمنى أن تكون في الاتجاه الصحيح.

وبالتأكيد هناك وعود أخرى كثيرة بعد وعد بلفور، تحتاج إلى كتب أخرى، ونحتاج إلى وعد من ميسرة صلاح الدين أن يتناول هذه الوعود إذا تمكن من ذلك.

كلمات البحث
اقرأ ايضا:
الأكثر قراءة