كل من عرفوا "مكاوي سعيد" كاتبًا وإنسانًا، على المستويين الأدبي والشخصي، لا أجدهم اليوم إلا في حالة يرثى لها كما التائهين. صدمة الرحيل المفاجئ، والشعور بانتزاع "ميكي" - كما كان يحب دائمًا أن يناديه أصدقاؤه - من وسط الجميع، قبل أن يفرح بصدور كتابه الجديد، أوجعت القريب والبعيد عن عالم مكاوي سعيد، وعاصمته وسط القاهرة.
موضوعات مقترحة
سنفتقد "مكاوي سعيد"" كثيرًا، وستبقى كل لحظة مرور عابر على مقهى "زهرة البستان" بوسط القاهرة، تحمل غصة في القلب، ولا ندري إلى متى، ستظل عيوننا لا شعوريًا تبحث عنه وسط الجالسين، قبل أن نتذكر ما حدث اليوم، والمقلب الذي فعله فينا صاحب "تغريدة البجعة" برحيله المفاجئ.
ولكن ما يدفع إلى الصبر قليلاً على وجع الغياب، هو ثقتي وثقة كل من دخلوا لعالم مكاوي سعيد، أن مشروعه الأن أصبح راسخًا كما كان يحلم دومًا، وأصبح هناك صعوبة أن يغيب برحيل صاحبه.
عمل "مكاوي سعيد" بشكل منظم ودقيق في السنوات الأخيرة، على فتح الباب لتوثيق القاهرة وأحداثها وشخوصها الخفية، وظل يبحث في مقالاته بصحيفة "المصري اليوم" عن الحكايات التائهة على هامش التاريخ، والتي كان يخشى عليها بقلب مصري حقيقي، أن تذهب إلى طي النسيان دون الالتفات لها.
كنت أشاهده يوميًا، متنقلاً ما بين مقهى زهرة البستان، وأتيليه القاهرة، وأحد مقاهي الإنترنت بمول البستان المجاور للزهرة والأتيليه، في عملية تحضير وبحث كاتب مخلص لمشروعه، يعمل بروح الباحث المقدام وليس بترفع الروائي والأديب الذي يرفض بذل أي مجهود بعيدًا عن إنتاجه الأدبي، خاصة عندما يصل إلى مرحلة القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز الأدبية الكبرى.
وما لا يعرفه الجميع، حتى لحظة الرحيل المفاجئ التي أدهشتنا وأوجعتنا جميعًا اليوم، وأصابت الوسط الثقافي المصري بحالة من الحزن العميق، هو أن "مكاوي سعيد" أنجز في الشهور الأخيرة حجر الأساس الذي يرتكز عليه مشروعه، أو الكتاب الجامع كما وصفه لي، "القاهرة" عن حكايات المدينة التي عشقها وداب في شوارعها، فأحتضنته ورفعت اسمه، حتى أصبح علامة من علامات شوارعها العتيقة، وفي معرض الكتاب المقبل مع صدور الكتاب، سنعرف رسالة مكاوي الأخيرة، التي ظل يعمل عليها بجهد الرهبان حتى الأسبوع الأخير من حياته الحافلة.
والحديث عن الأستاذ "مكاوي سعيد" روائيًا وإنسانًا، فسيكون هناك لنا فيه حكايات لا تنهى، نتمنى أن لا يكون فيها الحزن مخيمًا على أجواء محبي ميكي، بشكل يعوق علينا الرؤية كما نشعر الآن.
أما مكاوي سعيد الكاتب والمؤرخ، الذي نقض إتفاقاته مع كل محبيه، ورحل قبل أن يحتفل معنا بمشروع عمره في كتاب "القاهرة"، فنحن لن ننقض عهدنا وتقديرنا الكبير لمشروعه في البحث عن حكايات المصريين الغائبة في دهاليز النسيان.