في المرحلة الابتدائية، حصلت على جائزة المدرسة الأولى في مسابقة القصة القصيرة، لم يكن هذا الحدث، خبرًا مفرحًا لوالدها الكاتب الكبير الذي ورثها موهبة الكتابة عن قصد ودون قصد، فعندما علم بذلك، قال لها والحزن في عينيه "للأسف أنتِ موهبة بالكتابة، فقد كُتب عليكِ الهمُ يا ابنتي".
موضوعات مقترحة
تشرّبت الكتابة وتشكّل كيانها من خيوط الحكاية، إذ نشأت على حروف صاغها والدها، وقصص ومسرحيات وروايات نسجها بحرفة الناسك المتعبد في محراب الكتابة، فكان قدرها أن تسير على دربه، وتتعقب خطواته في الإبداع، فيالحظ مثل حظها، إنها نسمة يوسف إدريس ابنة الأديب الراحل يوسف إدريس، أمير القصة القصيرة.
أحيانًا يثير فضولي تساؤل، هل بالضرورة أن يصبح ابن الأديب، أديبًا، كأن يكون هذا الشبل من ذاك الأسد؟ تسمعني "نسمة"، فتقاطعني: "ليس بالضرورة أن يكون ابن الأديب أديبًا، لكنني كنت أكثر الناس حظًا في أن أكون ابنة الأديب الكبير يوسف إدريس، فقد منحتني أبوته، تسرّب حب الكتابة إليّ، ففي الخامسة من عمري، كنت أتردد بصحبته على المسارح، وكأنه يزرع في نفسي عشقًا سيلازمني طيلة حياتي، لكن هذا العشق أحزنه كثيرًا عندما تيقن أنني ورثت حبه الأول (الكتابة)".
خوف يوسف إدريس على ابنته الوحيدة، كان مدفوعًا بالهم الذي سببته له الكتابة، هم الوطن، والانشغال بقضايا المجتمع والسياسة التي شغلت جزءا كبيرًا من وعيه الأدبي، لكن نسمة طمأنته بقولها "أنا في الأول والآخر، امرأة، والكتابة بالنسبة لي متعة".
في مسرحيتها الصادرة حديثًا عن مؤسسة "بتانة"، وعنوانها "طاقة القدر انفجرت"، تجد نسمة إدريس نفسها في الكتابة المسرحية، بعد تجارب سابقة في القصة القصيرة، لكن هذه التجربة، تُشكل محطة أساسية في مسيرة أدبية، تحلم بأن تستكملها بسلسلة من المسرحيات الاجتماعية، التي تناقش قضايا كبرى من منظور اجتماعي، تكون المراة أيقونة أساسية فيها.
وتقول في حديثها لـ"بوابة الأهرام": "أحلم بأن أتزعم حركة مسرحية نسائية في الوطن العربي، تساعد في تشكيل الوعي المصري ككل، باعتبار أن المسرح أداة وصل جماهيرية، تأثيرها مباشر وقوي".
حلم "نسمة" - التي تعد رسالة دكتوراه في المسرح؛ يواجه تحديا كبيرا في رأيها، أبرزه أن الكاتبات المسرحيات قليلات، لأن الكتابة المسرحية ليست هينة، إذ تستلزم الإلمام بالشخصيات وبكل جوانبها وأبعادها، حتى تلتبس الكاتبة الشخصيات، بمختلف أبعادها، وكذلك يجب أن تكون على وعي بالمشكلات الاجتماعية والنفسية في المجتمع، كذلك يقتضي أن تحقق الكاتبة المسرحية، معادلة جذب الجمهور بشكل أكثر وعيًا، وهي إشكاليات كبيرة بخاصة في ظل تراجع المسرح.
هذا التراجع في المسرح، تتصور "نسمة" أن له علاقة بالأحداث السياسية، إذ أنها ترى أنه أول نوع من الأنواع الفنية تأثرًا، لأن المسرح في أصله فن سياسي، وهو السبب الأساسي الذي جعل الكاتبات مقلات فيه، وتضيف "المسرح يشكل عقل وضمير وفكر المتلقي، فهو أبو الفنون، وثمرة للحركة الثقافية كلها، وفي الستينيات وأوائل السبعينيات، عندما كانت الحركة الثقافية في مصر، مستمرة وناضجة، كان المسرح متفجرًا".
وتؤكد أنه أكثر الفنون التي تتأثر بالسياسية، لذلك عندما يحبط الشعب سياسيًا أو ثقافيا لابد أن يفجر طاقته ويخرجها عن طريق المسرح.
ونسمة يوسف إدريس، تنتمي إلى خط الاجتماعي الكوميدي في المسرح، فهي ترى أن هذا الخط مناسب جدًا، ومهم، يجعل الجمهور في حالة تفكير دائمًا، يضحك ويفكر، فتجمع بين الضحكة والرسالة، مشيرة إلى أن مسرحية "طاقة القدر انفجرت"، تناقش موضوع الإرهاب، من زواية اجتماعية، تستلهم حياة القدماء المصريين وعاداتهم وتقاليدهم وفكرهم المتحضر الذي نحن أحوج إليه الآن، من خلال بطلة المسرحية الإلهة سخمت التي كانت مسئولة عن حماية مصر.
وتسلط المسرحية الضوء على المرأة المصرية، ميزان المجتمع المصري - كما تعتبرها - تلك التي عندما تراجع دورها، تراجع المجتمع من بعدها، إلا أن هذا التراجع سببه الأعباء الاجتماعية التي تتحملها وتثقل كاهلها، حتى فقدت الرغبة في أن تجد لنفسها دورا وكيانا، لكن في الوقت نفسه لا تعتبر "نسمة" المرأة المصرية، ضحية، فهي مخيرة وليست مسيرة.
وتقف نجلة يوسف إدريس، في موضع محايد من النسوية، في المنتصف مثلًا، فهي لا تشبه نسوية الكاتبة نوال السعداوي، التي تراها مبالغة أحيانًا، وكذلك لا تنحاز إلى المجتمع الذكوري الذي يكبل المرأة.
وتعود لتؤكد أهمية المسرح بقولها "الشعب المصري متعطش للمسرح، لانه جزء من الوعي المصري، فنحن في حالة تمسرح مستمر، لأن المسرح حكاية".
وكما بدأت حديثها لـ"بوابة الأهرام"، عن ابيها يوسف إدريس، تختم حديثها عنه وتقول "ظُلم والدي في حياته وبعد مماته، ظلمه النقاد والمسئولون، وأنصفه القراء الذين كانوا يرسلون له خطابات شكر وعرفان من كل حدب وصوب، وللأسف أصحاب القرارات، لا يعرفون أو يقرأون ليوسف إدريس، لأن الكتابة والفكر عندهم ليس لها قيمة، والحل إما نتعطر بذكراهم أو نترك إبداعهم يموت ويندثر".
وختمت "المجتمعات لا تنهض إلا بالقامات ومفكريها، وتغييب هؤلاء القامات، يرجع لقلة الوعي، فهي أمورلا تحدث مع يوسف إدريس فقط، وإنما مع كُتّاب وقامات أخرى كبيرة"، وقالت "تراثنا يطمس وينمحي عن عمد".