منذ أواخر شهر سبتمبر وحتى ديسمبر من عام 1888م ظهرت حمى الضنك، التى كان يطلق عليها اسم حمى الدنج، في مصر. حيث أصيب بها معظم سكان وادي النيل، وأصيبت مصر بالفزع والخوف من انتشارها الغريب بين السكان.
موضوعات مقترحة
وكانت وزارة الصحة قد أعلنت في الأيام الأخيرة، عدة إصابات بمرض حمى الضنك بمدينة القصير بمحافظة البحر الأحمر، الأمر الذي دفعها لإطلاق قوافل طبية لمواجهة المرض، فيما أعلن الدكتور عمرو قنديل، مساعد وزير الصحة للطب الوقائي، في تصريحات صحفية، أمس الإثنين، أنه تم القضاء على يرقات البعوض المسبب للمرض بشكل كامل بالمدينة.
احتار الأطباء آنذاك في المرض الذي تمت تسميته بالدنج لمشابهته الحمى الدنجية الهندية، فيما أرجع البعض شيوع المرض لارتشاح فيضان نهر النيل، وهو الرأي الذي كذبه الطبيب الشهير حسن محمود باشا، الذي كتب رسالة: في حمي الدنج "الضنك".
وحسن محمود باشا من أنبغ الأطباء المصريين، كما تقول موسوعة علماء العرب والمسلمين وأعلامهم. ولد في قرية الطالبية من ضواحي القاهرة عام 1847م، وتعلم في بمصر وألمانيا وفرنسا، وتم تعيينه طبيبًا بقصر العيني، قبل أن يتولى نظارة المدرسة الطبية، وقد ألف ما يربو على 26 مؤلفًا طبيًا، وتوفي في القاهرة عام 1906م.
وأوضح محمود باشا في مجموعة مقالات نشرها بالصحف المصرية، منها مجلة "المقتطف" قبل أن يجمعها في كتاب شهير يحمل عنوان "رسالة في حمى الدنج" أن هناك أطباء شاهدوا حمى الدنج "الضنك" في سواحل البحر الأحمر عام 1834م، و"قد انتقلت من الحجاز لمصر عام 1845م"، لافتًا إلى أن "ارتباطها بارتشاح الفيضان لا أساس له من الصحة".
وأضاف الطبيب المصري أن حمى الضنك ظهرت في مدينة بورسعيد في شهري سبتمبر وأكتوبر 1871م، كما أصابت أهالي مدينة الإسماعيلية في شهري مايو ويونيو عام 1873م، وانتقلت لمدينة بورسعيد مرة أخرى في العام نفسه، وضربت مدينة الإسماعيلية لثالث مرة في عام 1877م، ثم اتجهت للقاهرة عام 1881م، ثم أصيب بها أهالي القاهرة مرة ثانية في عام 1888م.
وأكد الطبيب حسن محمود باشا أن مصر أصيبت بمرض حمى الضنك لمدة 6 مرات خلال 42 سنة، مشيرًا إلى أنه: "لو كان سببها نشع ماء النيل والفيضان لكانت أصيبت به مصر أكثر من مرة؛ لأن النيل يفيض كل عام، كما أن الحمى أصابت مدينتي بورسعيد والإسماعيلية دون أن تصيب سكان وادي النيل".
لا يصاب جميع المرضى بحمى الضنك بالدرجة نفسها، كما يقول الطبيب محمود باشا، لافتًا إلى أن الحمى قد تنقص عند البعض وتشتد عند الآخرين، أما أعراضها التي أصابت مئات المواطنين في عام 1888م، فقد كانت تتمثل في درجة حرارة مرتفعة وزيادة في النبض وتكسر في العظام، وثقل وألم في الرأس، وعدم قدرة على المشي، وجفاف في الجلد، وسرعة في التنفس، وأرق وأحلام مزعجة، حيث تشتد الحمى ثم تأخذ في الهبوط حتى تزول.
كما يحدث قيء وجفاف ومرارة في الفم، ويحدث غالبًا إمساك، ويشعر المريض بألم شديد في المفاصل، لا سيما في الركبتين، وقد تشتد عليه الآلام حتى تمنعه من النوم، كما يحصل تغير في الجلد، ثم يظهر عليه طفح شبيه بطفح الحصبة، أما مدة المرض فتختلف من يومين حتى 10 أيام، وقد يرجع المرض ثانية للمريض، وهو ما عبر عنه الطبيب بـ"النكس"، لافتًا إلى أن المريض "لو نكس ستكون مدة الإصابة أكبر من الإصابة الأولى".
كان على الطبيب المصري أن يشرح تجاربه وخبرته في معالجة مرضى حمى الضنك، حيث أكد أنه لا بد من إعطاء المريض مسهلًا مرة أو مرتين في اليوم، كما يعطى ملحًا من أملاح الكينا، كذلك مرويات الكينين بحسب شدة الحمى، بمقدار 20سم حتى 3 جرامات ثلاث مرات يوميًا. والكينين مركب شبه قلوي، أبيض بلوري، وله خصائص في خفض درجة الحرارة وتسكين الألم، ونصح محمود باشا بأنه: "إذا لم يستطع المريض احتساء موريات الكينين يحقن بها".
كما استخدم الطبيب المصري زيت البنج لدلك المفاصل، كما نصح بأن يتناول المريض السوائل الباردة والمرق، كما وضع تركيبة مكونة من ماء مقطر بمقدار 180 جرامًا وكربونات الصودا بمقدار 200 جرام وصبغة الزوائد المائية، وشراب زهرة البرتقال، بمقادير تؤخذ تدريجيًا لمدة 24 ساعة.
وقال الطبيب المصري إنه كان يلزم مرضاه بشرب مياه نظيفة مع الاغتسال بالماء والخل والكمادات لمن كانت الحمى بهم شديدة، حيث عالج نحو 160 مريضًا من الحمى.