كنت قررت ألا أكتب عن القوى الناعمة، لأن هناك سلسلة مقالات كتبت في الآونة الأخيرة، بعد ندوة مكتبة الإسكندرية عنها، هذا غير التغطيات الصحفية الواسعة التي نشرت، كما أن الدكتور هيثم الحاج علي رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب قرر أن يكون شعار معرض القاهرة الدولي للكتاب، في يناير القادم، عن القوى الناعمة، ولكنني فكرت في أن أكتب من أجل من لا يعرف، فإن كان لا يعرف فحقه أن يعرف، ولو متأخرًا.
موضوعات مقترحة
فقد فوجئت، عندما أقامت مكتبة الإسكندرية ندوتها عن القوى الناعمة، أن هناك كُتّابًا شبابًا لا يعرفون معنى الكلمة، ظننت في البداية أنهم يسخرون، ولكنني تأكدت، بعد ذلك، من أنهم فعلًا لا يفهمون، بل إن البعض كان يربط كلمة "الناعمة" بالمرأة، وظن أن الموضوع يخص المرأة !
والقوة الناعمة، لمن لا يعرف، هو مفهوم صاغه "جوزيف ناي" من جامعة هارفارد، لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه، أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، كما أن القوة الناعمة أو الليّنة مصطلح سياسي حديث العهد، عرفه الفلاسفة والسياسيون القدماء، بعدد من التعابير، منها "التأثير والإقناع والثقافة والنموذج".
ويرى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو أن القوة الناعمة تتضمن إجبارًا وإلزامًا غير مباشرين على التغيير، وتعتمد فى ظهورها على القوة الصلبة، وتقوم بأعمال تعجز القوة الصلبة عن القيام بها، والقوة الناعمة ليست دعاية سياسية، ولكنها سجال عقليّ يهدف إلى التأثير على الرأى العام داخل الدولة وخارجها، وقد استخدم هذا المصطلح للتأثير على الرأى العام، وتغييره، والضغط من خلال المنظمات السياسية، وغير السياسية، حيث قال جوزيف ناى إنه مع القوة الناعمة، تعد المصداقية أندر الموارد.
هذا عن التعريفات، لكن ماذا عن التنفيذ في مصر؟ أنا أزعم أن قوتنا الناعمة تتراجع بكل أسف، وتتهاوى، فالثقافة أصبحت ترفًا لا أهمية لها، ومع الأسف نحن نسير بسياسة الكم لا الكيف، فلو أحصينا عدد اللقاءات الثقافية التي تقام مثلًا داخل قصور الثقافة على مدار العام، لوجدنا أعدادًا هائلة، بينما لو بحثنا في جدوى هذه اللقاءات، وأهميتها، وعدد الحضور بها لصدمنا من الأرقام والنتائج.
وبالرغم من هذا الكم الهائل، فإن هناك أحياء كاملة على مستوى محافظات مصر لا تصلها أي خدمة ثقافية، ولا توجد أي نية لإدخال أي شكل من أشكال الخدمات الثقافية لها، ثم نتعجب من سيطرة تيارات أخرى على هذه المناطق، ونبحث أسباب ذلك.
وأنا، مثلًا، لست من مؤيدي موضوع الزمن الجميل، وأن زمان كان أفضل من الآن في الفن والثقافة والسياسة وغيرها، وأجزم أن لدينا الآن مبدعين في كل المجالات لا يقلون بأي حال من الأحوال عن مبدعي زمان، ولكن رغم كل التقدم، والتكنولوجيا الهائلة التي نعيش فيها، فإننا نفتقد التسويق الثقافي، لا نعرف تسويق بضاعتنا الثقافية، فيما نجح آخرون في تسويق بضائعهم، التي قد تكون أقل كثيرا من بضائعنا.
وأرى أننا لابد أن نتعامل مع الثقافة كسلعة، ونربطها بفائدة مادية، مع وضع ضوابط طبعًا، ولكن إذا تعاملنا بهذا المنطق، فسوف نطبق مبدأ المكسب والخسارة، وكأي تاجر شاطر بالتأكيد سيكون هدفه الربح.
وأمامنا تجربة هائلة، يعمل عليها الدكتور عاطف عبيد، وهي تجربة "بتانة"، التي قدمت حراكًا ثقافيًّا قويًّا خلال الأعوام الأخيرة، بخاصة الدوري الثقافي، الذي تقدمه "بتانة" باقتدار ، بالتعاون مع المجلس الأعلى للثقافة.
الموضوع ليس صعبًا، ولكنه يحتاج للتفكير بشكل مختلف عن التفكير الروتيني الحاصل الآن، والبعد عن الأفكار التقليدية، والتركيز على أننا رواد في الثقافة، بدون الأخذ في الاعتبار أن هناك كثيرين سبقونا، ونحن ما زلنا نظن أننا رواد، وهو ما حدث في الإعلام من قبل، وفي مجالات أخرى كثيرة.
وفي النهاية، أختم بكلمة سرية في أذن أي مهتم، وهي : "السوشيال ميديا"، أو "وسائل التواصل الاجتماعي".