Close ad

الإسكندرية في "موسوعة وصف مصر"

5-9-2017 | 12:38
 الإسكندرية في موسوعة وصف مصرغلاف الكتاب
أحمد فضل شبلول

احتلت الإسكندرية حيزا كبيرا في موسوعة "وصف مصر" التي وضعها علماء الحملة الفرنسية، تلك المدينة التي أصبحت في عهد البطالمة – خلفاء الإسكندر مؤسسها الذي منحها اسمه – عاصمة لمصر ومركزا لتجارة الهند وارتفعت في عهد الإمبراطورية الرومانية إلى مرتبة المدينة الثانية في العالم، وظلت تحتفظ بمكانتها، ما ظل لها من مجد وعظمة كأغنى مستودع للمعارف الإنسانية.

موضوعات مقترحة

ولم ينس علماء الحملة الفرنسية أن نابليون بونابرت دخل مصر من بوابة الثغر بعد مقاومة شعبية كبيرة قادها حاكم الإسكندرية في ذلك الوقت المناضل محمد كريم الذي أعدمه بونابرت بعد ذلك في 6 سبتمبر عام 1798، إلا أن المقاومة الشعبية وإرادة أبناء البلد، لم تصمد أمام أسطول نابليون ومدافعه والأسلحة الجديدة التي أتى بها إلى الشرق.

وقد تم تقسيم الكتاب - الذي قدمته منى زهير الشايب والمستخلص من موسوعة وصف مصر التي ترجمها زهير الشايب - إلى ثلاثة أقسام: الحالة الحديثة للمدينة تحت حكم إمبراطورية الباب العثماني، والحالة القديمة لمدينة الإسكندرية في عهد إمبراطوريتي الإغريق والرومان مع مقارنة هذه الحالة بحالتها الراهنة (وقت الحملة). وأخيرا فحص موثق عن حالة مدينة الإسكندرية بشكلها القديم مع مقارنتها بحالتها في شكلها الراهن (وقت الحملة).

أما الحالة الحديثة لمدينة الإسكندرية وقت الحملة فقد كانت تحت حكم إمبراطورية الباب العثماني، وكان عدد سكانها يبلغ حوالي ثمانية آلاف نفس، تناقص إلى سبعة آلاف نفس عند جلاء الحملة عن مصر. وكان شعب الإسكندرية يتكون في تلك الحقبة من مصريين خُلّص، ومن أتراك وعرب ومغاربة وأروام وسوريين ويهود، ومن بعض المسيحيين الأوروبيين.

وكان أهل الإسكندرية الذين يعملون بالصيد أو بتجارة الشط، بحارة شديدي المراس، ومن بينهم سباحون مهرة، وغطاسون ذوو مهارة كبيرة، وتروى عنهم حكايات تثير الدهشة.

ويؤكد الكتاب أن طقس الإسكندرية صحي إلى حد كبير، وعلى الرغم من شدة حرارته صيفا فإنه يكون معتدلا عن طريق نسيم الليل.

ويصف الكتاب أرض الإسكندرية - في ذلك الوقت - بأنها تتكون من صخرة جيرية ضاربة إلى البياض، تغطيها في جزء منها كثبان رملية متحركة تمتد من جزيرة رأس أبي قير في الشرق وحتى برج العرب في الجنوب الغربي.

أما حركة مد البحر وجزره فهي ليست ملموسة، كما أنها ليست دورية على الإطلاق على سواحل الإسكندرية، كما هو شأنها في كل البحر المتوسط، وهي ترتبط بالرياح أكثر من ارتباطها بأي شيء آخر محسوس ودائم، ولا يبلغ أقصى ارتفاع لهذه الحركة التي تتم عند محاور الرياح القادمة من الغرب والشمال الشرقي لأكثر من 18 إلى 24 بوصة (49 – 65 سم).

وعن الموقع الجغرافي للإسكندرية وقت الحملة الفرنسية يقول المؤلف جراتيان لوبير إن الإسكندرية تلامس في الشمال البحر الأبيض، وجنوبا بحيرة ماريوتيس القديمة (مريوط) التي كان حوضها الواسع قد جف تماما في المدة التي استولى فيها الفرنسيون على مصر، بينما تغزوه الآن مياه البحر.

وعن الميناء الشرقي وقت الحملة يذكر لوبير أنه يتكون من خليج صغير شبه دائري تبلغ فتحته من جهة الشمال 1789 مترا، وهو محصور بسلسلة من الشعب الصخرية أو الصخور التي لا تبلغ مستوى سطح الماء، ويقلل هذا من اتساع الممر القابل لمرور السفن إلى حوالي 500 متر، وحيث هو مفتوح كلية أمام رياح الشمال والشمال الشرقي فليس بإمكانه أن يستقبل سوى بعض الفرقاطات والسفن الحربية الصغيرة.

أما الميناء القديم، الواقع عند الطرف الشرقي للخليج (من رأس الشيخ العجمي وحتى رأس التين، وفي جزء منه أقيمت الترسانة البحرية في عصر محمد علي) فيحده الفضاء الدائري الواقع بين رأس التين والساحل في الجنوب، وتجعله مرتفعات شبه جزيرة الفنار كلية في حمى من نوائب رياح الشمال الغربي، وكذا رياح الشمال والشمال الشرقي. وهذا الميناء فسيح عميق، والرسو مضمون فيه، وتستطيع أكبر السفن التجارية أن ترسو هناك على مسافة من الأرض تعادل نصف طول قلسها (حبالها أي حوالي 100 متر فقط) وهو واحد من أصلح الموانئ مثل ما هو، طبيعيا، واحد من أجمل مواني العالم.

أما عن مياه الشرب فيذكر لوبير أن هذه المدينة محرومة بشكل طبيعي من المياه الحلوة، ويوجد بها آبار تمتلئ سنويا حتى نصفها عن طريق مياه الأمطار التي يعتمد عليها، أما النصف الآخر فيجئ عن طريق نقل المياه.

ويوضح أن لكل منزل خزانه الصغير، يعمل المالك على ملئه بواسطة القرب المحمولة على ظهور الجمال أو البغال أو الحمير. ويذكر أنه لا يوجد في هذه المدينة أية طاحونة هواء تقع على شط الخليج إلى الشمال من شبه جزيرة الفنار، غير أنه يذكر أنه بنيت طاحونة منذ حوالي 20 إلى 30 عاما على يد واحد من أبناء رودس، وهي الطاحونة الوحيدة من نوعها في العالم (في ذلك الوقت).

وعن التجارة في الإسكندرية أيام الحملة الفرنسية يقول لوبير: يمكن القول إن تجارة الإسكندرية اليوم لا تشتمل إلا على تصدير الحبوب والأرز والنطرون من مصر، في مقابل بُن الجزيرة العربية وبعض بضائع من الهند تصل إليها عن طريق البحر الأحمر. وعن طريق موانئ هذه المدينة تتبادل مصر وأثيوبيا الأصواف والحراير والآنية الزجاجية وأشياء أخرى من مارسيليا وليفورنيو والبندقية والقسطنطينية وموانئ الشرق الأخرى.

ويذكر لوبير أنه قبل مجيء الحملة كان يوجد في الإسكندرية 88 مسجدا من بينها 46 مسجدا من الدرجة الأولى و42 من الدرجة الثانية، و200 نول لصنع المنسوجات الحريرية الخفيفة والخاصة بملابس الطبقة الميسورة من كلا الجنسين، و400 نول لنسج قماش التيل المسمى مغربين لصنع القمصان التي يرتديها أبناء الطبقة الشعبية، و50 نولا لصنع منسوجات صوفية خشنة لملابس العربان، و30 مصنع صابون تستورد الزيوت اللازمة له من المورة وكريت وسوريا، كما يصنع بها الجلد المراكشي الأحمر، وهي جلود ثمينة بالغة الجودة وتحظى بإقبال كبير في القاهرة ومدن مصر الأخرى وفي داخل إفريقيا.

كما يتحدث لوبير تفصيلا عن أسوار الإسكندرية وخرائبها وموقعها وموانيها وخلجانها وممراتها وصخورها ورياحها وزراعاتها وطيورها وحيواناتها وحماماتها والزمردة أو الماسة (وهي صخرة بمستوى سطح الماء تقع بالقرب من حصن الفنار وإلى الشمال منه، وتكون مكشوفة في الأوقات الهادئة، ويلاحظ أن على سطحها آثار مبان قديمة، ويقال إنها كانت تستخدم في الأصل كقاعدة للفنار القديم).

كما تحدث عن حي المقابر والأحياء الأخرى مثل حي أبي قير وحي الروم وعمود سبتيموس سيفيروس (المعروف باسم عمود بومبي ثم عمود السواري) وحمامات كليوباترا ومسلتي كليوباترا، وهما مسلتان من الجرانيت الشرقي إحداهما مقلوبة، أما الأخرى فلا تزال تنهض على قاعدتها، وحجم هاتين المسلتين يتماثلان على وجه التقريب، ولكل منهما وجوه أربعة مليئة بالنقوش الهيروغليفية (ويبدو أن هاتين المسلتين قد خرجتا من مصر بعد ذلك).

ثم ينتقل لوبير إلى وصف الحالة القديمة لمدينة الإسكندرية في عهد إمبراطورية الإغريق والرومان، مع مقارنة هذه الحالة بحالتها الراهنة (وقت الحملة) ويؤكد أن "راكوتيس" (قرية راقودة) لم تكن بالضرورة كبيرة في الوقت الذي ظهر فيه الإسكندر فاستقبلته مصر كمنقذ ومحرر لها من الفرس، وأوضح إن شوارع الإسكندرية خُططت بطريقة تسمح باستقبال نسيم رياح الصيف القوية، وكان هناك شارعان رئيسيان هما شارع كانوب (وهو شارع طريق الحرية حاليا) والشارع الكبير الآخر يبدأ من موانئ النهر في ماريوتيس (مريوط) لينتهي عند مباني الترسانة البحرية في الميناء الكبير (وهو شارع النبي دانيال حاليا).

وكانت الإسكندرية وقتها تنقسم إلى خمسة أقسام تحمل الحروف الخمسة الأولى من الحروف الهجائية الإغريقية، وقد أطلق اليهود اسمهم على اثنين من هذه الأحياء، حيث كانت توجد مساكنهم الخاصة بهم، فكانوا يسكنون جزءا من حي القصور على شواطئ البحر، وقد أطلقت أسماء أخرى على هذه الأحياء التي كان أقدمها وأكثرها أهمية، هو حي القصور أو حي بروخيون أو بروكيون، وحي راكوتيس أو سيرابيوم.

ويرى المؤلف أن السوما (ومعناها الجبانة الملكية وتقع عند تقاطع طريق الحرية مع شارع النبي دانيال) كانت تضم قبر الإسكندر.

كما يتحدث المؤلف عن القناة التي تربط بحيرة ماريا (مريوط) بميناء أونوستوس عن طريق الكيبوتوس (الميناء الصغير الداخلي) فتعبر الطرف الغربي من المدينة، وكانت القناة تسمى ترعة ماريا، وفيما بعد ترعة شيديا.

وكان هناك حديث أيضا عن جزيرة فاروس التي كانت مأهولة قبل مجئ الإسكندر بوقت طويل، وقد حصنها البطالمة قبل يوليوس قيصر فلقى الكثير من المصاعب لكي يستولي عليها.

كما تحدث لوبير عن مدينة نيكوبوليس على شاطئ البحر، وكانوب (أبو قير) تلك المدينة التي اشتهرت بمعبد سيرابيس المقام فيها، وبورعها وفجورها، وقرية نكروبوليس أي مدينة الموتى حيث كان هذا المكان مخصصا كلية لدفن موتى الإسكندرية.

لم يكتف لوبير بذكر حالة الإسكندرية بين القديم والحديث ولكنه قدم تقريرا به فحص موثق عن حالة المدينة بشكلها القديم مع مقارنتها في شكلها الراهن، وكان يدور حول اتساع هذه المدينة، واختلاف المؤرخين حول أطوالها، ويرى أن كل المؤلفين القدامى الذين كتبوا عن الإسكندرية كانوا إما إغريقا أو رومانيين، ويذكر أن عمرو بن العاص قلب سور الإسكندرية الرئيسي رأسا على عقب في حوالي سنة 22 هجريا – 632 م، وأن ابن طولون حاكم مصر أمر بتشييد أسوار جديدة لهذه المدينة بعد 233 سنة، كما أمر صلاح الدين ببناء أسوار ضخمة لمدينة الإسكندرية. ويذكر لوبير أن المؤرخ سترابون لم يقدم عن الإسكندرية إلا مقاييس خاطئة.

وفيما يشبه الأساطير يقول المؤلف إن المؤرخين ينسبون إنشاء فنار الإسكندرية إلى الفرعون العاشر مصراييم بن بوصير، وهو نفس الفرعون الذي أسس "راكوتيس"، كما ينسبونه كذلك إلى الملكة دوليكا، وإلى دارا (داريوس) الفاتح، وإلى بطليموس فيلادلفيوس، وإلى كليوباترا، ويؤكد أن ما يقوله هؤلاء المؤلفون هو بلاشك أمر مبالغ فيه.

ويؤكد لوبير في نهاية بحثه عن الإسكندرية أنه لو قدر لهذه المدينة أن تؤول إلى حكم إمبراطورية أو دولة قوية متنورة، كما كان شأنها في عهد البطالمة فسوف يكون بمقدورها أن تجعل منها مركزا لتجارة كل من أفريقيا والهند مع أوروبا.

ولا نود أن نغادر هذا العرض لكتاب لوبير عن الإسكندرية ومشاركته في "موسوعة وصف مصر" إلا بعد إلقاء الضوء عن ما ذكر عن حريق مكتبة الإسكندرية القديمة، فماذا قال عنها؟
يقول: "تكونت المكتبة على يد بطليموس فيلادلفيوس وتوسعت على يد خلفائه، وكانت تضم 400 ألف مجلد، وقد أحرقت جزئيا أثناء حصار الإسكندرية على يد يوليوس قيصر في العام 37 ق. م (العام 706 من تأسيس روما) حيث وصلت نيران السفن الراسية في الميناء إلى حي الملوك، وأحرقت جزءا كبيرا منه، وكذلك من المكتبة.

غير أن يذكر بعد ذلك أن المكتبة الثانية أقيمت بعد وقت قصير من حريق مكتبة المتحف في عهد يوليوس قيصر، وكانت تضم 500 ألف مجلد عندما تحولت إلى رماد تنفيذا لأوامر عمرو بن العاص في العام 642 (22 من الهجرة) وبعد الرجوع إلى الخليفة عمر بن الخطاب الذي قال له "إذا كانت هذه الكتب لا تضم ما جاء به القرآن فأحرقها، إذ لا حاجة لنا بها".

ويذكر الكتاب أن المؤرخين يجادلون في وجود هذه المكتبة الثانية قائلا: "وجود هذه المكتبة أمر يجادل فيه عن سوء نية بعض المؤرخين المحدثين".

وينهي جراتيان لوبير كتابه بمقولة فولني في كتابه "تأملات حول سقوط الإمبراطوريات" والتي افتتح بها الكتاب، وفيها يقول:
"لقد أصبحت قصور الملوك مأوى للحيوانات الضارية
وأضحت مذابح الآلهة مرتعا للزواحف الدنسة
آه ..
كم من مجد أفل نجمه
وكم من المنشآت قد اندثر
هكذا تفنى أعمال البشر
وهكذا ..
تغرب شمس الإمبراطوريات والدول".##  ## ## ## ## ##

كلمات البحث
اقرأ أيضًا: