طرق عدة استخدمها المصريون قديمًا لمقاومة موجات الحر الشديدة، وضربات الشمس، التي كانت تؤدي للموت، والتي لم تكن مرتبطة بفصل معين من فصول السنة. ومثلت ظلال شجرة الجميزة، التي تندر زراعتها في الوقت الحالي، والتي كانت تنتشر زراعتها قديمًا بكثرة في قرى ومحافظات مصر كافة، أهم الطرق التي كان يلجأ لظلالها المصريون للهروب من الحر الشديد.
موضوعات مقترحة
كما مثلت مراوح الريش التي وجدت في مقابر الفراعنة، ومرورًا بالقبعات والمظلات والمشروبات، أهم الطرق التي استخدمها المصريون للتغلب على الحر الشديد أيضًا.
يقول الأثري فرنسيس أمين لــ"بوابة الأهرام" إنه :"من أشهر المراوح في التاريخ مروحة توت عنخ آمون، وهي إحدى المراوح المصنوعة من العاج وريش النعام، حيث يتخذ مقبضها زاوية قائمة، ويعتقد الكثيرون أنها أكثر عملية في الاستخدام، غير منهكة لليد".
أبدع المصري القديم في استخدام أشكال مختلفة من المراوح، التي كان يصنعها من سعف النخيل، وتلفها الأيدي بحركة خفيفة، كما يقول أمين، لافتًا إلى أن مرواح النخيل "انتشرت صناعتها في الطبقة الوسطى في القرن التاسع عشر، وحين قامت ثورة 1919م، قام المصريون بصناعة مراوح من النخيل على شكل علم مصر، وانتشرت بعض الكتابات بالخط الكوفي عليها، وكانت تحمل كتابات مثل: "الله أكبر"، و"الله محبة"، وكانت تهدى للعروس باسمها كنوع من مقاومة المحتل.
أما المراوح التي كانت تستورد من اليابان وفرنسا، والتي كان يستوردها الأثرياء، فقد انتشرت صناعتها من عظام الجمل، وكانت تأخذ أشكالًا فرعونية، وانتشرت بعد الحرب العالمية الأولى.
وأضاف أمين، أنه "في العصر الحديث ذكر الرحالة الأجانب مهام القناصل في محافظات الصعيد، حيث يذكر الرحالة براين، الذي كانت رحلته في عام 1857م، أن مصطفي أغا، الذي كان يتولي مسؤلية القنصل الإنجليزي، كان من مهامه أن يشرف على دفن الأجانب، الذين كانوا يموتون من ضربات الشمس".
وأوضح أمين، أن مستشفى الأقصر الميري القديم، الذي تم بناؤه في عام 1880م، "كان من مهامه أن يعالج المصابين بضربات الشمس"، لافتًا إلى أن "المظلة ظهرت بشكلها المعروف وقت افتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل، حيث أضفت المظلات البهجة على رسومات الافتتاح".
وحظيت المظلة بشيوع كبير في مصر، حتى ارتبطت بصورة المفتش الزراعي، الذي كان يجوب القرى، وهو يحمل مظلة تقيه الحر الشديد.
وكشف أمين، عن صور نادرة لأهم محلات المظلات في مصر، لها من العمر 112 سنة، وهي محلات "هرس راف"، وهو روماني الجنسية، حيث كانت محلاته مقصدًا للأثرياء والأجانب في بدايات القرن العشرين في عام 1905م، وكانت مؤسسته الفريدة بها أداور كاملة للعصي والخردوات والمظلات، وأنشأ فرعًا في تركيا، وحاز النيشان المجيدي من الدولة العثمانية آنذاك.
وأضاف أمين، أن محلات هيرس راف "كانت مثل عشرات المحلات التي كانت متخصصة في بيع المظلات والقبعات، وكان مشهورًا عنه أنه ينفق ببذخ على المسابقات الرياضية في الجري وسباق الخيول، وكان يمنح الفائزين ميدالية عليها صورة لمحلاته التي كانت مشهورة ببيع المظلات والقبعات".
كانت الدعاية السياحية في ذلك الوقت، تنصح السائح بأنه لن يحتاج في سفره لمصر سوى لمظلة تقيه من الشمس، ومنشة لطرد الذباب، وكانت تضيف الدعاية بنوع من الفكاهة، أن المنشة أيضًا لطرد المتطفلين.
ويشير فرنسيس أمين، إلى أن "التكييفات الحديثة ظهرت مصر في عام 1910، حيث تم إدخال التكييفات الحديثة للفنادق التي عملت الموسم كاملًا بدلًا من العمل 6 أشهر فقط، فيما انتشرت المراوح الكهربائية في سبعينيات القرن الماضي، لتقضي على مرواح سعف النخيل، وعلى صورة الموظف الذي كان يحمل مظلة يطلق عليها اسم الشمسية".
يذكر أن مصر، تشهد موجة من الحر الشديد، وقالت هيئة الأرصاد الجوية، إن الموجة تستمر حتى يوم الثلاثاء المقبل.