Close ad
28-5-2017 | 11:11
التفجيرأرشيفية
عبد المجيد محمد خلف

تحت وطأة المطرقة لم يتحمل الحديد، فتناثر أشلاءً، لتتناثر معه أشلاء لبشر كانوا في لحظة ما بشرًا، يتنفسون ملء رئاتهم الحياة على عجلة من أمرهم، فصاروا خبرًا عاجلًا تكتظ به الأفواه في كل مكان، اختلفت فيه صور نقل الوقائع، أربعون، خمسون، مائة، مئتان، وتتالت أخبار الحديد الذي مر على وجه السرعة في هذه الأنحاء، حاملًا معه قصصًا وذكريات تحفل بالشموع كل سنة في النهاية.

هي لعبة الموت إذن، حلبة النزع الأخيرة مفتوحة على مصراعيها، والكل يرقص منتشيًا في هذا الحي، وأخيرًا النرجس والياسمين والنارنج يسقطون تباعًا، حملت جسدي الممزق، ومشيت. الحجارة والبازلت هي الأخرى كانت تشارك المشهد احتفاله الغجري المخيف، بأصابع من نار ترفع راية القلق عاليًا، لتعلن الهزيمة. وفود النهر على أشدها، مصابيح، قناديل، أشرطة مقطوعة لذاكرة متعبة، وفي الأسفل بقايا ارتعاشات وأنفاس لمسافر يحمل حقائبه، يحاول التمسك بقبضة من حديد شرفات محطة القطار كي لا يرحل إلى الغد المجهول.

لي وحدي المسافة، لي وحدي تراجيديا المأساة، ولي وحدي السقم. الأنقاض تتراشق بسهامها كلٌّ في اتجاه. تعلن عن بدء الهجوم في غفلة النعناع الذي رفع الستارة هذا الصباح عن رحيل الشمس ليسطو الغبار على المكان كله. خطوط مبعثرة هي ما تبقى من هواء ثقيل جثم على الصدور، ليلك يركض بكل طاقته نحو المياه ليشرب نخب الموت، والأنقاض ما زالت تتراشق بسهامها. الأصوات تأتي من بعيد، هي للكراكي واللقالق والهدهد، واللحظات تتراسل مع ساعة تختصر اللعبة التي كانت على أشدها منذ البدء. المصاريع فتحت، وتناسل الآدميون نحو السماء، نحو ملك الموت الذي وكل بهم في لحظة عشقية، حين أشعلوا المصباح منذ بدء التكوين، وخرجوا من فردوسهم المفقود، يدورون حوله حتى انفجار ساعة الأبد.

الألوان متشابكة، والدرب متعرج، وألف من أفراس النهر يجتازون العتبات نحو الزوايا المنكسرة. معراج هو إذًا إلى عوالم أخرى، ونهاية بانتظار من يطرق بابها. لتفتح الرتاجات مستقبلة وفود البحر الهائج. الكل مشدوة، صامت، ومازالت الأنقاض تتراشق بسهامها في نهار دائر، له رائحة الزنك والعفونة، ليغدو أنينًا في قلب الحبق، الذي يرتجف هو الآخر عند بدء معراج الآدميين نحو الأبدية.
----
عبد المجيد محمد خلف
(كاتب من سوريا)

كلمات البحث
اقرأ ايضا: