Close ad

نقاد لـ"بوابة الأهرام" : الطاهر مكي "راهب الدراسات الأندلسية".. مازال بيننا بعلمه

6-4-2017 | 15:16
نقاد لـبوابة الأهرام  الطاهر مكي راهب الدراسات الأندلسية مازال بيننا بعلمه  الطاهر مكي
خالد عبدالمحسن

تراه مسكونًا بالعلم والعلم مسكنه، دائم الحب له والإخلاص والتفاني؛ فهو زاده والهواء الذي يتنفسه، حياته محبوبته ونبتته التي أينعت وأثمرت دررًا تحكي قصة الفتى الأندلسي عاشق الفكر والثقافة والأدب وقاعات الدرس، إنه الدكتور الطاهر مكي الذي فارقنا بجسده لكن علمه وتلامذته على دربه يواصلون طريقه في العطاء والدرس.

يقول الدكتور عادل ضرغام: "متعة أن تكون قريبًا من الطاهر مكي، هو الأستاذ الكبير للدراسات الأندلسية والأدب المقارن، وله إسهام كبير في الترجمة للأدب العربي، والخسارة التي تأتي لدار العلوم وللبحث العلمي كبيرة جدًا؛ لأن رحيله رحيل لمجموعة من القيم، فهو كان نموذجًا للعمل الجاد دون ضجيج، مؤثر من الثبات وليس من الحركة، مؤثر بالاستغناء وليس من خلال الطلب والسعي، وأي نظرة فاحصة لإنتاجه العلمي، سواء في التأليف أو التحقيق أو الترجمة في مجمل مناحيها، في النظرية الأدبية والأدب المقارن والمنهج النقدي، تثبت أننا أمام رمز من رموز الثقافة المصرية والعربية، رمز يشكل منهجًا قائمًا على البساطة المملوءة بالعمق".

"وأظن أن صفة الأديب هي الصفة الأكثر تعبيرًا عن مجمل إنتاجه. وإذا نظرنا إليه كإنسان فهناك متعة كبيرة يشعر بها كل من يقترب منه، لأنه يكون في صحبة واحد من الكبار، وقد اقتربت منه في فترات ليست طويلة، فهو يوجهك دون أن تشعر، وقد أدركت من خلال تلك الفترات أنني أمام إنسان عاشق محب للحياة. اختار من بداية حياته أن يكون فاعلًا لا منعزلًا، وصاحب رؤية سياسية والتزام أيديولوجي لا يحيد عنه مهما كانت المكاسب والمغانم؛ فالانحياز له ثمن، والثبات على المبدأ له ثمن، كل ذلك يمثله الطاهر مكي بفرادته وقيمته الكبيرة".

يقول الناقد والكاتب الصحفي عبد الهادي عباس: د.الطاهر مكي، الراهبُ حين تبكيهِ صومعتُه! ليس بعد الموت فقد، ولا بعد العلم نعمة! ربما يستقيم منطق هذه العبارة في أماكن كثيرة من الجغرافيا العالمية، وما هو بمستقيمٍ في وطننا العربي: فإن الحياة فقدٌ وإن العلم نقمة! شيخنا الطاهر مكي، رجلٌ أخلص لنفسه وكبريائها، كما أخلص لأمته المصرية ونافح عنها في الأماكن كافة، ثم هو أغير ما يكون على دينه ويفهم ألاعيب المستشرقين والمبشرين الغربيين وأحابيلهم في تدمير ثقافة الأمة العربية بتدمير دينها، وهو هو نفسه الذي صادق الكثير من المخلصين منهم ولاقى احتفاءهم عند كل زورةٍ جديدةٍ إلى إسبانيا أو إحدى دول أمريكا اللاتينية، ولو أنصفناه نحن كما أنصفوه هم واحتفينا بدراساته الفريدة لجعلناه رأس صناعةٍ وإمام جماعةٍ، ولأنصفنا أنفسنا ولغتنا قبل كل شيء آخر، وما نحن بمنصفين!

"جوانب حياتية ثرية في سيرة راهب الدراسات الأندلسية تُجبرنا أن نُلحَّ عليها لتكون وقودًا للدارسين، ومنبر هداية للجادين في طلب العلم من مظانه، ويعلم تلاميذه جيدًا مدى الجدية التي كان يأخذهم بها إذا توانوا أو قصَّروا في الطلب واستسهلوا بالحصول على النتائج الجاهزة من الدراسات السابقة دون اتباعٍ لخطة البحث العلمي والاكتواء بنيران المعرفة، نبشًا في المكتبات وسهرًا وراء معلومة، وما هي إلا نظرة واحدة إلى البحث ليعرفَ وتعرفَ بأي عين سينظر إليك: الرضا أو السخط، وأنت كاسب في الأولى صداقةً وودًّا وإعانةً، خاسرٌ في الثانية زرايةً وإهمالًا وجفاء، تود لو ابتلعتك الأرض دونه أو هوت بك الريح في مكان سحيق! أنقول إن صومعته، دار العلوم، تبكي راهبها الذي نذرها نفسه؟ أنقول إن الدار في مأتم لا ينقضي على أبنائها الأبرار؟ نعم نقول هذا ونشعر به وما هو كثير بكاء الدار لأبر أبنائها وأوفاهم شبهًا بها وحدبًا عليها، وخير من مثل شعارها: الأصالة والمعاصرة حين أتقن الإسبانية والإنجليزية والفرنسية وترجم عنها جميعها موازاة لكتاباته عن امرئ القيس والمصادر الأدبية العربية وتحقيقاته الفريدة في بابها: طوق الحمامة لابن حزم نموذجًا".

"وبعدُ، فإن العلم لا يموت بموت أهله إلا في الأمم الغافلة عن مواقع خطواتها، أين كانت وإلى أين تتجه إذ يكون غابة مرهوبة لا يطرقها الطراق، وإلا فهو غابة مأنوسة الطريق قد أزهرت حدائقها وفاح عبيرها، والاختيار لنا: طريقان شتى مستقيم وأعوج، كما يقول ابن الرومي. سلام على روحك العظيم يا شيخنا، وسلام على العربية بعدك إذا عز العزاء"!

يقول د.محمد السيد إسماعيل عن الأكاديمي الطاهر مكي: يعد د.الطاهر مكي أحد أعلام كلية دار العلوم؛ حيث تتلمذ على يديه العديد من الأجيال سواء فى سنوات الليسانس أو الدراسات العليا، فقد كان أكثر الأساتذة إشرافًا ومناقشة للرسائل العلمية داخل دار العلوم أو خارجها، وكانت كتبه مراجع أساسية في مجالها، ومنها: "الشعر العربى المعاصر"، "القصة القصيرة"، "امرؤ القيس"، "ابن حزم الأندلسي"، "الأدب المقارن". وكان الراحل الكبير مثال التواضع والزهد والاستغناء، كما كان يحمل هموم الفقراء مدافعًا عن حقهم في حياة حرة كريمة.

موضوعات مقترحة

يقول الناقد الدكتور أبواليزيد الشرقاوي:أجيال كثيرة رأت الأستاذ الدكتور الطاهر مكي، فقد طال عمره وحسن عمله ودرّس، وناقش في جامعات مصر كلها، تقريبا، وله تلاميذ مباشرون في كل أقطار الوطن العربي غير تلاميذه في العالم، فقد كان على علاقة واسعة جدا بكل الأوساط الثقافية والعلمية في العالم كله، وكان وراء ذلك كله بساطة متناهية منه في التعامل ومقدرة هائلة على استيعاب الآخر أيا كان هذا الآخر، ويقدر على امتصاص غضبه ببساطة ويحول هذا الغضب إلى تسامح، فلا ينهر شخصا ولا يتأفف ولا يزعج أحدًا ولا يقول لأحد لفظًا قد يفهمه بطريقة سلبية، بل كان يرد ببساطة ويختار ألفاظه بعناية ولفظ (يا ولدي) لا يفارق حديثه يقوله لكل من يحدثه ويمنحك الإحساس بأنك صديقه الأوحد،وخلف ذلك ثقافة علمية هائلة لكنها منظمة ببساطة ويقولها بعفوية وكأنه لا يقول شيئًا، وما من مرة حدثته في أمر عويص وإشكالية ثقافية يحار المثقفون في صياغتها إلا تحولت على لسانه إلى كلام بسيط ومعلومة سهلة فقد كان يبتعد عن تعقيد الكلام ميالًا إلى البساطة والوضوح، كان بيته مفتوحًا لكل أحبابه من كل المستويات وكل الثقافات وكل العالم، لا يرد أحدًا مهما كان توجهه الثقافي أو الأيديولوجي أو الديني، ويستعين به جمع غفير من مريديه في تيسير حوائجهم وحل مشاكلهم وهو يجيبهم بكل بساطة وعفوية وييسر الله على يديه قضاء حوائج الخلق بيسر وسهولة فقد كان أحبابه وتلاميذه ينتشرون هنا وهناك وكانوا في انتظار أي طلب منه يهرعون إلى رغباته، كان عفيف اللسان جدًا، عاصرته عشرة أعوام كاملة كنت أراه يوميًا على الأقل مرتين، فلم أسمعه يتلفظ بلفظ سلبي أو كلمة يمكن اعتبارها قبيحة، لم ينجب أولادا من ذريته لكن الله عوضه أبوة وحنانا وعطفا ربما لا يشعر به الآباء الحقيقيون، كان الطاهر مكي نموذجا للحسن والجمال الإنساني والأخلاقي والعلمي، كم سعى إليه الناس يقولون له إن فلانا نقل من كتابك أو سرق منك فكان يبتسم ويوهمهم بأنه استأذنه فأذن له، برغم ان هذا لم يحدث، وكم من مرة ذكر أحدهم شخصا يختلف مع الطاهر مكي بسوء في مجلسه، فكان أستاذنا يبتسم ويغير الكلام أو يصمت ولكن لا يتورط في ذكر شخص بسوء أبدا، زرت برفقته رموز الثقافة والفن والأدب والسياسة والصحافة، ومن لم أزرهم معه رأيتهم عنده في بيته، فكانوا يعتبرونه الأب الروحي لهم والملهم الثقافي وأجمع الكل على إنسانيته فكنت تجد في معارفه أمشاجا مختلطة من الناس والتوجهات لكنهم متحدون بشخصه وبرفقته فكنت تلاحظ أن له سحرًا غريبًا على كل هؤلاء.

بالفعل كان أستاذي نموذجا لكل ما هو حسن، وما تفرق من الحسن في الناس تجمع في شخصه، رحمه الله رحمة واسعة، وجعل مثواه الجنة، فالكتابة عنه بعد رحيله قاسية على النفس، فلم يكن أستاذًا جامعيًا او مثقفًا بل كان "إنسانا" بكل ما في كلمة "إنسان" من أبعاد جميلة، اللهم ارحمه واغفر له، وألهم أحبابه السلوان، وأخلفنا في أحبابه العوض. آمين

## ## ## ## ## ## ##

كلمات البحث
اقرأ ايضا: