Close ad

الراحل يوسف الشاروني.. أهمله النقاد في بداياته.. ومهد الطريق لجيل أكثر حظًا

20-1-2017 | 15:47
الراحل يوسف الشاروني أهمله النقاد في بداياته ومهد الطريق لجيل أكثر حظًا الأديب يوسف الشاروني
محمد فايز جاد

يعد يوسف الشاروني أحد الأسماء التي قدمت إبداعات كبيرة لم يتح لها أن تلقى الاهتمام الكافي، سواء عبر النقاد أو حتى القراء أنفسهم؛ لعدة أسباب، منها ميل المناخ الثقافي إلى اتجاه معين جاء هو ليخالفه، ومنها أيضًا ظهوره خلال وجود أحد عمالقة القصة، يوسف إدريس، الذي أجبر الجميع على الالتفاف حوله.

وكان الشاروني قد رحل عن عالمنا أمس الخميس، عن عمر يناهز 92 عامًا، بعد رحلة مريرة مع المرض.

نشر يوسف الشاروني أولى مجموعاته "العشاق الخمسة" 1954، وربما لم يكن ذلك هو التوقيت الأمثل لنشرها، حيث ظهرت مجموعة "أرخص ليالي" ليوسف إدريس، التي تعد إحدى أهم مجموعاته، وإحدى أبرز علامات الواقعية الاجتماعية في القصة القصيرة المصرية.

كانت الواقعية الاجتماعية قد ثبتت أقدامها كطريق للساردين، وكان ذلك تطورًا طبيعيًا بدأه نجيب محفوظ في الرواية، ونقله إدريس إلى القصة القصيرة، بعد فترات من الكتابة الرومانسية الذاتية، وبعض الكتابات "المدرسية".

لم تكن إذن الواقعية الاجتماعية قد بلغت ذروتها، فلم تكن التناقضات التي تدفع إلى التغيير قد ظهرت، لذلك واجه الأسلوب الجديد الذي حاول الشاروني، وصديقه الراحل إدوار الخراط في "حيطان عالية"، تقديمه صعوبة في إثبات نفسه كطريق جديد.

وكأن الشاروني أراد تأكيد أنه يريد تغيير خريطة السرد؛ فأخذ بعض الشخصيات التي كتبها رواد الواقعية ليضعها في قالبه الجديد، المعروف نقديًا بالاتجاه التعبيري، فاستلهم شخصية "عباس الحلو" التي قدمها محفوظ في "زقاق المدق"، كما استلهم شخصية "صناع العاهات" من الرواية نفسها أيضًا.

في الوقت الذي كان فيه كتاب الواقعية الاجتماعية يحاولون قراءة المجتمع واستحضاره على الورق، كان الشاروني ورفاقه يحاولون التمرد على هذا الواقع، والتمرد على السائد في المجتمع، وتقديم صورة لما هو قادم لا لما هو قائم، فاتجهوا إلى وصف الإنسان المغترب عن عالمه المزدحم بعد حرب عالمية قتلت ملايين الأشخاص، وبعد "ازدحام العالم" كما يقول الشاروني في أحد حواراته.

واستكمالًا لحالة التمرد على السائد أخذ السرد منحنى جديدًا، فقلل الشاروني من أهمية الحبكة التقليدية، بل وحتى أهمية الحدث نفسه، فربما تخلو بعض قصصه من الحدث، لتكتفي بتصوير حالة شعورية خلال فترة زمنية قصيرة، وهو الأمر الذي لم يكن ليقبل خلال ازدهار المدرسة التي كانت في طريقها لتثبت نفسها كمدرسة قائمة وراسخة، "الواقعية الاجتماعية".

القارئ لأعمال الشاروني، ومن ساروا في طريقه نفسه من مجايليه، يستطيع أن يلمح بذرة تيار الوعي الداخلي، هذه المدرسة التي ظهرت عند الجيل الذي سيليهم، من أمثال الراحل علاء الديب.

ربما يدين الديب ومجايلوه بالفضل لكاتب مثل الشاروني الذي مهد لهم الطريق، وكأنه أراد أن يمتص التجاهل بل والانتقاد اللذين كانا لابد أن يوجها نحو هذا اللون من الكتابة، حتى إنه حكى في أحد حواراته أن د.طه حسين في الوقت الذي قدم فيه مجموعة يوسف إدريس تجاهل مجموعته هو – الشاروني- تجاهلًا كاملًا، في حين وصف أنور المعداوي أعماله بـ"التهجيص".

وبالرغم من أن طه حسين أو المعداوي لم يكونا من أنصار الواقعية الاجتماعية في بداية ظهورها، ويذكر أن حسين دخل في معركة شرسة على أوراق المجلات مع الكاتب الشاب آنذاك محمود أمين العالم، بالرغم من ذلك فإنهما انحازا للواقعية على حساب الكتابة الجديدة، التي سيصفها الخراط بعد سنوات بالحساسية الجديدة، في مقابل الحساسية التقليدية.

وفي الوقت نفسه لم يقف أبرز أنصار الواقعية الاجتماعية ضد هذا اللون الجديد؛ فمحفوظ مثلًا قال إنه انتهى في القصة القصيرة إلى ما بدأ منه الشاروني، بل إن محفوظ نفسه سيلجأ فيما بعد إلى ما يشبه هذا النوع في كتابات كـ"حديث الصباح والمساء"، "أصداء السيرة الذاتية"، وغيرها من الأعمال الحداثية، التي تجاهلها النقاد أيضًا، وأصروا على حصره في الواقعية الاجتماعية.

ومن شدة استغراق الشاروني في محاولة استكناه الذات، وسبر أغوارها، بطريقة تختلف، وتخالف، الطريقة التقليدية الرومانسية –مثلًا عند الرافعي أو المنفلوطي- اتجه إلى الكابوسية، إلى الحد الذي دفع بعض النقاد للقول إنه تأثر بكافكا، ولكنه صرح بعد ذلك بأنه لم يكن قرأ لكافكا بعد، ولكنه عندما قرأ كافكا عرف أن هنالك قدرًا كبيرًا من التشابه بينهما.

سنوات عاشها الشاروني دون يرى الناس يحتفون بكتاباته، وحتى عندما احتفى الناس بها احتفوا به هو ككاتب ذي تاريخ، دون الوقوف على نوعية الكتابة نفسها، كتمرد على السائد، وتمهيد للمقبل من أعمال، فهل ظلم النقاد الشاروني، أم ظلمه القراء، أم ظلم نفسه بتقديم جديد في وسط يخشى الجديد؟

كلمات البحث
اقرأ ايضا: