ثلاث طلقات نارية تلقاها الكاتب الأردني والناشط السياسي ناهض حتر، في رأسه، من شخص مجهول، طرحته أرضًا وسط شلال من الدماء، صباح اليوم الأحد، أمام المحكمة بعمان، حيث كان من المقرر امتثاله لمحاكمته بتهمة ازدراء الأديان أو إثارة النعرات الدينية.
موضوعات مقترحة
وذلك إثر كاريكاتير نشره على صفحته بموقع "الفيسبوك" اعتبره البعض "يحمل إساءات للذات الإلهية".
أوصاف القاتل المجهول القادم من دولة مجاورة، أوردتها الصحف الأردنية، يرتدي "دشداشة" وهو ذو لحية طويلة، تبدو متشابهة مع بطل الكاريكاتير الذي نشره "حتر" على صفحته الشخصية، وكأن القاتل يقتص من "حتر".
يشير الدكتور حسين المناصرة، وهو صديق وزميل ناهض حتر في أثناء الدراسة الجامعية في مرحلة البكالوريوس، المعروف بتأييده لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، ومعارضته للجيش الحر وداعش معًا، إلى أن حتر معروف باتجاهه اليساري وصاحب فكر ثقافي يختلف معه الآخرون بكل تأكيد.
ويضيف: لكن قتل المفكرين مهما كانت رؤاهم هو جريمة كبرى لا يمكن السكوت عليها، وبكل تأكيد هذه الممارسات التكفيرية هي جزء من الفوضى والتشرذم في العالم العربي في زمكانية الفكر الداعشي، ولا بد من إدانة ثقافية شاملة لهذا الوعي الإجرامي الذي يمارس في لجم أقلام المبدعين والمفكرين.
ويرى المناصرة أن الاختلاف في الرأي لا يسوغ القتل؛ "بل هو رحمة ومودة عند من يفهمون الحرية والتساهل والإنسانية، واغتيال ناهض حتر عمل إجرامي بكل المقاييس الدينية والمدنية، ولابد من تجريم هذه الجهات التي تعودت على مثل هذه الممارسات الكارثية في مجتمعاتنا".
أزمة الكاريكاتير، الذي نشره حتر، أثارت ردود أفعال صاخبة، على مستوى المثقفين والكُتّاب، بخاصة أن الكاريكتير تضمن تجسيدًا صريحًا للإله، وهو ما دفع الكاتب العراقي محمد حياوي إلى أن يكتب مقالًا ينتقد فيه الكاتب الراحل ناهض حتّر، لكنه لم يُنشر.
يقول حياوي لـ"بوابة الأهرام": لقد شاءت الصدف أن أكتب مقالًا أنتقد فيه أسلوب الكاتب الراحل ناهض حتّر، لا سيما في مجتمع ما تزال العادات وضيق الأفق منتشرين فيه، لكنّني مضطر الآن لحجبها بعد أن تحوّل إلى ضحية يتطلب منا الضمير الإنساني مناصرتها واستنكار الجريمة الشنعاء التي ارتكبت بحقّه.
وفي جميع الأحوال، لن يسكت هذا الفعل الشائن الأصوات المنادية بالحريّة والإصلاح والتسامح، وستفرض قوانين الحياة والطبيعة على البعض التأقلم، شاءوا أم أبوا.
ويرى حياوي، أن هذا الحادث "المؤسف يذكر بحادث اغتيال المفكر الكبير فرج فودة، وهو استمرار لنهج العنف ومقارعة الفكر بالسلاح نتيجة لإفلاس الجماعات الإسلامية المتشدّدة وعدم تمكنها من مناقشة الأفكار وانغلاقها الأسطوري، وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع حتر في الأسلوب الذي انتهجه لتوصيل أفكاره فإن القتل قد جب كل ما قبله، ولم يعد بالإمكان انتقاد حتّر بعد أن تحول إلى ضحية".
ويعتبر حياوي أن حالة الالتباس والتداخل وانتشار العنف في عالمنا العربي اليوم لهو "مؤشر خطير على مدى التراجع المهول والمشين في السلوك المجتمعي وتشوه الكثير من النفوس وازدياد النعرات الجاهلية والتناخي الكاذب والمصطنع لما يسمى الانتصار للرموز الدينية، وفي الوقت الذي تنزه الذات الإلهية عن العجز وقلّة الحيلة ينبري بعض الجهلة للدفاع عنها بطريقة ساذجة ومتخلفة".
ويقول الكاتب رءوف مسعد مدافعًا عن حتر: "الله سبحانه وتعالى لم يفوض أحدًا من البشر الذين خلقهم من طين بالدفاع عنه دفاعًا يصل إلى حد قتل، من يظن من هؤلاء البشر أن أحدًا من الناس يهين الذات الإلهية، وفعل إجرامي كهذا يجعل الناس يظنون – والعياذ بالله – أن الله غير قادر على الدفاع عن ذاته الإلهية".
ويتابع: وبعض القضاة أيضًا يرون أنفسهم يمثلون "السماء"، ويظنون أنهم اخذوا تفويضًا من السماء من المتعصبين دينيًا وسياسيًا، والأمثلة واضحة مثل الحكم بالتفريق بين د. نصر حامد أبوزيد وزوجته بصفته كافرًا، لأنه انتقد رؤية ومنهج الإمام الشافعي في رسالة دكتوراه جامعية، أو القاضي الذي حكم على بضعة مئات من الإخوان بالإعدام ونقضت محكمة النقض حكمه لما به من عوار.
ويضيف: إن أبازيد وأحمد ناجي والقمني وفاطمة ناعوت ونوال السعداوي، وهذا المفكر الأردني، ضحايا التعصب.
ويستطرد: موقفي واضح ضد محاكمة المبدعين، وموقفي صريح ومعلن ضد إحالة النشطاء السياسيين السلميين إلى المحاكم العسكرية، وموقفي واضح ضد خطف النشطاء من الشوارع وإخفائهم أو قتلهم، وموقفي واضح أمام "تلبيس" المبدعين والنشطاء تهمًا تقول إن نشاطهم السلمي هو مؤامرة لقلب نظام الحكم بالقوة".
ويتساءل: أي دولة هذه وأي نظام حكم تهده مظاهرة سلمية أو مقال أو حكاية أو كاريكاتير؟ أنظمة من ورق؟!
ليس غريبًا على الساحة الأردنية -كما يقول الكاتب العراقي حميد الربيعي- أن يحدث مثل هذا الاغتيال، فالساحة تعج بمختلف صنوف التشدد الديني، وانتهاء بعناصر الإخوان الذين يشكلون ثقلًا فيها، بيد أن مثل هذا الاغتيال لا يدلل بأي شكل على مدى قوة أي من التنظيمات التي مارسته، بقدر ما يعكس حالة اليأس المطلق بالنسبة للحركات الإسلامية في تعاملها مع الآخر، والذي قد يكون من الساحة السياسية نفسها، ناهيك بالآخر المناوئ الذي يتبنى وجهة نظر مغايرة.
ويضيف: إن الإسلام السياسي ومعه التنظيمات المتشددة وصلت إلى مرحلة من الانغلاق الفكري بحيث لم تعد تترك مجالًا إلى أي شكل من الحوار الإنساني، وبات البديل المتاح لها هو القتل أو التصفية السياسية، نلاحظ هذا في نوع الهجمات التي تحدث في أوروبا أو التصفيات الجسدية التي تحدث في المنطقة العربية، وخير مثال عليها ما حدث في مصر أو الذي حدث اليوم في الأردن، لا أعتقد أن ثمة مسوغًا أخلاقيًا لقتل صحفي رسم كاركاتير في الفيسبوك، بهذا العمل فإن الإسلام المتشدد يدخلنا في نفقة الانسداد النهائي.
ويتصور الكاتب السوري خليل صويلح، أنه "ليس ذلك الرجل الملتحي وحده من اغتال ناهض حتر، هناك الآن على مواقع التواصل الاجتماعي ورشة من اليساريين والثوّار الأشداء مبتهجين في الخلاص من أحد كتّاب "المقاومة"، بعد أن أصبح خطاب المقاومة لدى هؤلاء شبهة كاملة".
ويتباع: وهذه الروح الثأرية لدى بعض "مثقفي الديلفري" تقف جنبًا إلى جنب مع الخطاب السلفي، وتؤمن بأن الذبح والاغتيال مهمة باسلة، طالما أن الضحية تقف في الخندق المضاد، لكن حادثة اغتيال ناهض حتر هي ذريعة لإشعال فتنة طائفية في الأردن، فقد آن الأوان أن تصل قافلة الربيع العربي إلى هذه الجغرافية المصنّعة أساسًا، لخلخلة ما تبقى من الخرائط.
ويرى صويلح أن ناهض حتر "ضحية نموذجية لهبوب شرارة الاقتتال بين مكونات المجتمع الأردني الهش باسم الدفاع عن الذات الإلهية، أما ذلك الرجل الملتحي فهو نسخة جاهلة أخرى من الرجل الأمي الذي حاول اغتيال نجيب محفوظ، من دون أن يقرأ حرفًا واحدًا من رواياته".
ويرى الكاتب الجزائري فيصل الأحمر أن "الكاتب الفنان العربي ناهض حتر يدعونا إلى التأمل في قضيتين محوريتين في حياتنا العقلية؛ الحرية الفردية، والعلاقة الهشة للعربي المسلم أساسًا بالدولة، فقضية الفقيد ناهض كانت مطروحة كقضية للرأي العام، بعيدًا عن حرية التعبير والحرية الفردية، ومن هنا بدأ الخطأ، إذ من الفقر السياسي أن يتحول رأي الشخصية العمومية إلى قضية أمن من قبل الدولة، ثم تخرج القضية من رعاية الدولة إلى الشأن العام، فكأن الدولة تحاسب جماهيريًا شخصية عمومية على ممارسة حقها في التعبير السياسي أو الفكري، وهو وضع تسببت فيه أجهزة الدولة وزاد طينها بلة جنون مواقع التواصل الاجتماعي".
الجانب الثاني يجعلنا نتأمل هشاشة أبنية مؤسسات الدولة التي تعجز عن تسيير الشأن العام الذي هي مسئولة عنه كلي وتمامًا؛ لكي نصل في النهاية إلى هذا الشكل التعيس من التسيب، أين يرى الفرد نفسه أكفأ من كل مؤسسة كي يحق الحق الذي يراه، ولنقف متأملين غيبوبة الجهاز الذي كان يعلم درجة خطر الوضع الذي يسيره، والذي لم يقم بما يجب لحماية الكاتب".