يعد تل عجاجة أحد أهم المواقع التاريخية الآشورية في شمال شرق سوريا، لكنه كما سواه من الآثار القيمة، طالته يد الجهاديين فعاثوا فيه خرابًا ودمروا تماثيل وكتابات مسمارية يعود عمرها إلى آلاف السنين.
موضوعات مقترحة
ونجح المقاتلون الأكراد في طرد تنظيم داعش الذي يبث الرعب في مناطق انتشاره في سوريا والعراق، من الجزء الأكبر من محافظة الحسكة حيث تل عجاجة، وهي محافظة غنية بمعالمها الأثرية.
وتعرض هذا الموقع الذي يقع على تلة تبعد حوالي خمسين كيلومترًا عن الحدود العراقية، لخراب كبير فضلاً عن أعمال سرقة ونهب. وعاين مراسل لوكالة فرانس برس خلال زيارته هذا المعلم أنفاقًا حفرت فيه ويصل طولها إلى نحو 20 مترًا في وقت تناثرت تحف أثرية مدمرة في كافة أنحائه.
منذ اكتشاف موقع تل عجاجة في القرن التاسع عشر، نقلت العديد من أثاره إلى المتاحف السورية وأخرى خارج البلاد، فيما وضع الجهاديون إضافة إلى مهربين محليين يدهم على ما تبقى من أثار كانت لا تزال في موقعها.
ويروي سكان قرية عجاجة القريبة، كيف تمت عمليات التنقيب عن الآثار المتبقية بطرق عشوائية خلال سيطرة تنظيم داعش على المنطقة. ويقول أبو محمد إن الجهاديين كانوا ينقبون "عبر استخدام الجرافات أو عبر الحفر اليدوي".
ويوضح المدير العام للآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم "وجدوا تحفًا كانت لا تزال مدفونة، من تماثيل وأعمدة" مضيفًا "لقد فقدنا الكثير".
وتعرض بحسب رئيس دائرة آثار الحسكة خالد أحمو "أكثر من 40 في المئة من تل عجاجة للهدم والجرف على يد مسلحي داعش، بالإضافة إلى حفر خنادق داخل حرم الموقع الأثري".
ويضيف "دمرت عن بكرة أبيها سويّات أثريّة لا تقدّر بثمن (...) تعود للفترة الآشورية".
يقع موقع تل عجاجة على بعد حوالي عشرة كيلومترات شمال مدينة الشدادي وخمسين كيلومترا جنوب مدينة الحسكة (مركز المحافظة).
وقد استولى تنظيم داعش على مناطق واسعة من ريف الحسكة الجنوبي، وبينها مدينة الشدادي وتل عجاجة، في العام 2014، إلا أن المقاتلين الأكراد نجحوا في طردهم منها في فبراير 2016.
وظهرت في العام 2014 صور لجهاديين يقومون بتحطيم تماثيل من التراث الآشوري، المنتشر في سوريا والعراق على حد سواء.
ويقول عبد الكريم "بضربة جرافة، أحرق هؤلاء الهمجيون صفحات من تاريخ بلاد ما بين النهرين" مضيفًا "خلال شهرين أو ثلاثة، أزالوا ما كان أخراجه يتطلب خمسين عاما من تنقيب للآثار".
ونشر موقع المديرية العامة للآثار والمتاحف صورا للقى سرقت أو دمرت وتتضمن كتابات مسمارية أو تماثيل لاسود وحيوانات مجنحة أو للثور المجنح الشهير والذي يطلق عليه اسم "لاماسو".
و"لاماسو" هو تمثال برأس إنسان وجسد ثور مجنح وظيفته وفق الميثولوجيا الأشورية حراسة المعابد وقتل كل من يقترب منها، إلا أن قدرته الخارقة هذه لم تسعفه أمام الجهاديين الذين يعيثون خرابًا أينما حلوا.
وتأسست الإمبراطورية الآشورية، وعاصمتها نينوى في العراق في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وكانت من أقوى الإمبراطوريات الواقعة في شمال بلاد ما بين النهرين. ويعرف الفن الآشوري بالكتابات المسمارية التي عادة ما تنقل وقائع الحروب.
ويقول علي شيخموس من جمعية حماية الآثار السورية "تل عجاجة أو شاديكاني (خلال الحكم الآشوري) كانت إحدى أهم المدن الآشورية".
ويروي خالد وهو اسم مستعار لأحد سكان المنطقة ممن لا يزالون يخشون تنظيم داعش، "بعد سيطرته، أصبح التل منطقة عسكرية، وبات هناك حراسة مشددة على الموقع بحيث لا يمكن دخوله إلا بموافقة التنظيم".
ويتذكر أبو إبراهيم، وهو أيضًا أحد السكان الذين يفضلون استخدام اسم مستعار، كيف أن "أرتالاً من مسلحي داعش كانوا يدخلون كل فترة الى التل ويمنعون الاقتراب نهائيا من الموقع".
ويضم الرتل وفق قوله "تجار آثار يشترون اللقى الأثريّة التي تم استخراجها من الموقع الأثري".
خلال الحقبة الاسلامية، عُرف تل عجاجة بتل عربان لكن "السويّات العليا من الموقع والتي تعود للفترة الإسلاميّة تم جرفها وتدميرها"، وفق احمو.
ويشير عبد الكريم بدوره إلى أن الكثير من الآثار تم تهريبها عبر تركيا إلى أوروبا.
ومنذ العام 2014، عام صعود تنظيم داعش وسيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق، عمد الجهاديون الى تدمير ونهب الكثير من المواقع الأثرية في البلدين.
في أبريل 2015، نشر فيديو بدا فيه عناصر التنظيم وهم يهدمون بالجرافات والمعاول والمتفجرات اثأر مدينة نمرود، درة الحضارة الآشورية في العراق والتي تأسست في القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
كما هدم الجهاديون مدينة الحضر التاريخية التي تعود إلى الحقبة الرومانية قبل أكثر من ألفي عام، في محافظة نينوى شمال.
وفي سوريا، وثقت جمعية حماية الآثار السورية أن أكثر من 900 معلم وموقع سياحي تضرر أو دمر أو اتلف نتيجة الحرب في سوريا.
وقد فجر الجهاديون العديد من المعالم الأثرية في مدينة تدمر الشهيرة، وبينها تمثال أسد اللات ومعبد بل وبعل شمين.
ولحماية آثار البلاد، عملت مديرية الآثار السورية بين العامين 2014 و2015 على نقل حوالي 300 ألف قطعة أثرية وآلاف المخطوطات من كافة أنحاء البلاد لحفظها في دمشق.
وعلى رغم جهود حماية الآثار السورية، يقول عبد الكريم "يشهد تراثنا نزيفًا".