Close ad

الحدائق الثقافية.. التنوير الغائب

19-7-2016 | 22:08
الحدائق الثقافية التنوير الغائبسور الأزبكية
محمد مندور
التاريخ فيه من المشروعات الثقافية ما يمكن أن نصنع به مستقبلا مستنيرا مشرقا رائع .. والحدائق الثقافية المتكاملة تتضمن نماذج عدة أروعها حكاية حديقة الأزبكية التي كانت تنبض بالموسيقى والثقافة والفنون في قلب القاهرة.
موضوعات مقترحة


الحدائق الثقافية مشروع ثقافي كبير، بسيط في تكلفته، عظيم في نتائجه، لا يمكن إهماله بل الانتباه إليه لتنفيذه بأبهى صورة.

الحكاية هنا تحتاج أن نعود إلى الوراء قليلا لنبحث في تاريخ الحدائق الثقافية، فهناك بين الصور القديمة وكتب التاريخ وسير المشاهير سنرى نموذجا يمكن إحياؤه لنصل إلى الفوائد التي تسعى إليها الدولة المصرية لنشر الثقافة والتنوير والارتقاء بالذوق الفني.

النموذج الذي أتحدث عنه هو حديقة الأزبكية التي مرت بمراحل تاريخية مهمة وصلت بها إلى نتائج مبهرة، فقد تخرج من دائرتها أجيال من الفنانين والمثقفين، حيث كانت تضم المسرح المكشوف وأكشاك الموسيقى التي كانت تقدم حفلات الفرق الموسيقية ومشاهير المطربين، كما تكونت على أطرافها محلات بيع الكتب، التي عرفت فيما بعد باسم "سور الأزبكية" الذي تحول إلى معلم مهم لسوق الكتاب في القاهرة، وهو من أهم المعالم المرتبطة بالكتب في مصر والوطن العربي.

حديقة الأزبكية الثقافية بدأت قديما كمتنزه عهد السلطان قايتباي، واستمرت إلى أن اهتم بها الفرنسيون خلال الحملة الفرنسية وعملوا على تطويرها، ثم أولاها محمد علي باشا اهتماما عظيما، وزاد دورها عهد الأسرة العلوية فأنشئت بها دار الأوبرا القديمة، والأنتيكخانة، والمسارح.

هذا المشروع التنويري الكبير شهد فترات ازدهار وانحسار، لكنه بقى نموذجا مهما للمشروعات الثقافية، التي نتساءل عن سبب التكاسل في إحيائها والتوسع فيها لتشمل كافة المدن المصرية، رغم وجود نوايا وخطوات سابقة لتفعيلها في بعض المحافظات.

حقيقي أن هناك اتفاقا بين الهيئة العامة لقصور الثقافة مع عدد من المحافظين على تخصيص ركن ثقافي في بعض الحدائق العامة، تقدم من خلاله الهيئة عروضا فنية وكتبا للاستعارة أو الشراء وورشا للفنون التشكيلية لتعليم الأطفال، لكن لم نجد لهذا المشروع الضخم من نتائج ظاهرة سوى بضع مواقع فقط تم افتتاحها، فيما اقتصر دور الركن الثقافي في بعض الحدائق على المناسبات والأعياد، ولم يتم تنفيذ المشروع كما كان مخططا له. ورغم وجود نموذج رائع للحدائق الثقافية بالقاهرة مثل الحديقة الثقافية بالسيدة زينب، لكنها للأسف تحتاج مزيد من الدعم والاهتمام والتجهيزات لتقوم بدور أكبر.

نريد أن نرى في كل محافظة نموذج حديقة الأزبكية القديمة حيث المسرح المكشوف وأكشاك الموسيقى وركن الفنون التشكيلية.. وكلها أمور غير مكلفة ولا تحتاج ميزانيات ضخمة.

وأعتقد أن تكلفة قصر ثقافة واحد من تلك القصور التي تتكلف 50 مليون جنيه تكفي لتجهيز 100 حديقة ثقافية بما تحتاجه لتقوم بهذا الدور العظيم.

بالطبع هذا إن حسنت نوايانا وأعملنا التفكير كي نوفر للدولة ونعمل بأقل الإمكانات. فالمسارح المكشوفة تكلفتها بسيطة وبرجولات الموسيقى أو ركن الفنون لا تحتاج أي تجهيزات سوى الفرق نفسها، وأولئك الرواد الذين ستزداد أعدادهم يوما تلو الآخر وينمو حسهم الفني وثقافتهم تباعا، لنربي أجيالا تفهم وتعي قيمة الفنون والثقافة والمعرفة.

مرة أخرى، لا أعرف السر وراء إهمال أفكار ومشروعات سابقة دلت النتائج أنها كانت ناجحة، ولو أبصر المسئول بعقله لوجد أن فرص هذه المشروعات الثقافية واعدة.

أرجو من الجهات الحكومية المعنية بنشر التنوير وفي المحليات التعاون فيما بينها بمشروع ثقافي تنويري ترفيهي، تكون الحدائق مركزة، فالقصور الثقافية وحدها ليست جاذبة، وتوفير الرفاهية مع الثقافة هو السبيل لنجاح جهود الدولة في نشر الثقافة والمعرفة والفنون.
كلمات البحث
اقرأ ايضا: